Take a fresh look at your lifestyle.

خبر وتعليق   أصحاب الغنى الفاحش هم من صنعوا أزمة الديون

 

“إنّ العالم مع ملياراته لا يملك الكثير من الناس، لكن هناك الآلاف من الذين يعتقدون بأنّهم يساوون الملايين من البشر”

بعد عام من المعاناة التي مرت بها اليونان أقرضت الحكومات الأوروبية وصندوق النقد الدولي اليونان 156 مليار دولار لتخفيف عبء الديون عنها، والآن تنتشر في أوروبا أزمة ديون جديدة، وحجم هذه الأزمة من النوع الذي يهدد بابتلاع بعض أكبر الاقتصاديات في أوروبا مثل اسبانيا وايطاليا، ولا تقتصر “عدوى” الدين على أوروبا وحدها، بل وعبر المحيط الأطلسي، فترى أمريكا البلد الذي يتباهى بأنّ حصته من الناتج المحلي الإجمالي في العالم هي 50%، وتسيطر على 75% من الذهب في العالم، والدولة الدائنة الأولى في العالم، هي الآن على حافة العجز عن السداد، في الوقت الذي فشل فيه السياسيون في أمريكا من كلا الجانبين، الجمهوري والديمقراطي، في الاتفاق على رفع سقف الديون الأمريكية الذي تم تحديده في الوقت الحاضر بـ14.3 تريليون دولار، مما يجعل أزمة الديون تصعد مرة أخرى إلى الواجهة لتهدد بانهيار وشيك للاقتصاديات العالمية.

ومع تعنت أصحاب الغنى الفاحش وعدم رغبتهم في تقاسم ثرواتهم فإنّ الانهيار الاقتصادي أصبح أقرب من أي وقت مضى، ففي أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام 2008 كان الأثرياء راغبين في التعامل مع الحكومات من أجل اتخاذ إجراءات وسن القوانين التي شرعت سرقة المواطنين العاديين لصالح الأغنياء وفي وضح النهار، وكانت الحكومات الغربية سريعة في إنقاذ البنوك الدائنة باستخدام المليارات من الدولارات من أموال دافعي الضرائب.

فمن دون أي اعتبار للعلمانيين، حولت الحكومات الديون الخاصة التي تكبدها الأثرياء إلى الدين العام من خلال نقله خارج الميزانية العمومية من البنوك المتعثرة إلى الميزانية العمومية للحكومات، في محاولة أخرى لحماية المصالح المادية للأثرياء، واستمرت الحكومات في طبع النقود، مما أدى إلى انخفاض قيمة العملات بسرعة في جميع أنحاء العالم، فانهال البؤس على الشعب من خلال الارتفاع السريع في أسعار السلع الأساسية والخدمات، والذي غالبا لا يستطيع الناس تحمله، ومن ناحية أخرى كان الأثرياء محميين من آثار انخفاض العملة من خلال ثرواتهم الهائلة وقدرتهم على تحويل أموالهم إلى السلع العينية.

ثلاث سنوات والأثرياء يتلاعبون في الطبقة السياسية ووسائل الإعلام والمؤسسات المالية لحماية ثرواتهم على حساب الشعوب والأمم، فعلى سبيل المثال، في قلب أوروبا فإنّ سبب الويلات الاقتصادية فيها هو إحجام أصحاب الغنى الفاحش عن شطب الديون المستحقة لهم على دول مثل ايرلندا واليونان وايطاليا واسبانيا والبرتغال، فهؤلاء فضلوا رؤية البلدان المثقلة بالديون والمطالبة بدفع أسعار الفائدة الباهظة، فضلوا أن يرونها تعلن إفلاسها على إلغاء الديون وعلى إمهالها المزيد من الوقت لاسترداد أموالهم.

كذلك كان الحال في أمريكا، فإنّ الأثرياء فيها يطالبون الرأي العام الأمريكي بأن يدفع ثمن سوء الإدارة الاقتصادية وأنماط الحياة المفرطة، وكل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري يتنافسان مع بعضهما البعض لحماية مصالح الأثرياء وخفض الإنفاق المالي وتخفيض الضرائب ولإيجاد حل وسط بين الحزبين ينقذ ثروة الأثرياء ولو كان سيضر بشكل كبير بغالبية الأمريكيين.

وما دام العالم يعتمد على الغرب ومؤسساته المالية فإنّ المليارات من الناس في العالم سيعانون أكثر من الذين يعيشون غربي المتوسط.

إنّ حيازة الأثرياء على أكثر ثروات العالم وعلى كنوز العالم وموارده سببه عدم وجود أيديولوجية أخرى في الحكم ترفض الجشع والهيمنة، فالإسلام هو الأيديولوجية الوحيدة في العالم التي تحظر بشكل قاطع على الأثرياء كنز أموالهم، يقول الحق تبارك وتعالى في سورة الحشر ((مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) الحشر7

إنّها دولة الخلافة التي ستفرض على الأثرياء عدم كنز أموالهم، وسيكونون مضطرين إلى تقاسم الثروة مع الشعوب من خلال مجموعة من القواعد الاقتصادية في الإسلام التي تمنع تركز الثروة بين حفنة من البشرة وتعمل على توزيع الثروة، وهو ما سيحول بين حرمان جميع مواطني الدولة من الضروريات الأساسية للحياة وفرصة العيش برخاء.

عابد مصطفى