Take a fresh look at your lifestyle.

الصائم المتوكل على الله

 

لقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن نفسه أنه الواحد الأحد، وأنه هو الخلاق العليم، وهو الرزاق ذو القوةِ المتينُ، وأنه تقوم السماء والأرض بأمره، وأنه مدبر أمر السموات والأرض، وأنه لا نفعَ إلا بإذنه، ولا ضُرَّ إلا بإرادته، وهو وحده يكتب الخير ويجريه لعباده، وأنه وحده الذي يكشف السوءَ، فهو سبحانه وحده الملك والمالكُ الحقيقيُّ لكل شيء في هذا الكونِ.

 

وعليه فهو وحده المستحقُّ أن نسأله، وهو وحده المستحق أن ندعوَه، وهو وحده المستحقُّ أن نتوكلّ عليه ونعتمدَ عليه الاعتمادَ الحقيقيَّ كله.

 

وبذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى، فقال جل وعلا في محكم آياته: ( وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )، وقال: ( وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )، ومدح الله المؤمنين بأنهم يتوكلون عليه وحده، قال تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ )، والتوكل عقيدةٌ من العقائد التي فرضها الله سبحانه على رسله، وعلى عباده المؤمنين، وهو عمل قلبي، شعور أو إحساس يدركه المؤمن في جميع أحواله، بحيث يبقى متعلّقاً بالله سبحانه وتعالى في كل حين، وبخاصةٍ حين يقوم بعمل من الأعمال، أو حين يتقّي شراً، أو يدفعَ ضراً، فهو يوقن أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له: ( قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )، فما هو مكتوب على الإنسان من قضاء وقدر لا بد واقع بتقدير الله سبحانه وتعالى، ولا يدفعه خوفٌ أو جبنٌ، فيسلّم المؤمنُ أمرَه لخالقه راضياً محتسباً.

 

وورد التوكل في القرآن الكريم مقترناً بالعديد من صفات الله تعالى الدالة على تفرّده وحده سبحانه بأمر السموات والأرض وما فيهن، فقال تعالى: ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )، فالله هو العزيز الممتنع الذي لا يمتنع عليه شيء، وهو بالغ الحكمة في حسن تدبيره، فالأولى بنا أن نتوكّل عليه حق التوكل. وكذلك في قوله تعالى: ( وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) فهو عالم غيب السموات والأرض، وكل الأمر يرجع إليه وحده، فاستحق تعالى أن نفردَ توكلنا واعتمادنا عليه وحده، وكذلك في قوله تعالى: ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ) فكل ما عدا اللهَ تعالى يموتُ ولا يستحق التوكلَ عليه، بل إن تفويضَ الأمر يجب أن يكون لله وحده، فهو الحي الذي لا يموت.

 

 ونتيجة التوكل على الله أن  اللهَ تعالى يكفي من يتوكلُ عليه، لحقيقةِ أن أمر الله نافذٌ، وأنه تعالى يفعل ما يريدُ، وأنه جعل لكل شيء قدراً، ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا )، ومن نتائجه كذلك أن الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين المتوكلين على الله: ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ).

 

وأمر الله تعالى رسوله بالتوكل كما أمر عباده، فقال: ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )، وقال: ( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً )،وقال تعالى: ( وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )، وكان صلى الله عليه وسلم في سيرة حياته خيرَ من توكلَ على الله خير توكله.

 

وكذلك الأنبياء والرسلُ السابقون أخبرنا القرآن الكريم عن حسن توكلهم على الله تعالى، واعتمادهم عليه وحده، لكن المقام لا يتسع لسرد الآيات التي دلت على هذا.

 

فمنْ أولى من الصائم بالتوكل على الله حقَّ توكله، وتفويض أمره إلى خالقه وبارئه سبحانه، فهو الذي يقضي نهاره بعيداً عن شهواته وملذاته، طلباً لرضوان الله، ويقضي ليله قائماً راجياً رحمة ربه؟