في رمضان مساجدُ أوزبكستان .. تبكي مع كلِّ آذان !
يَسعَى الطغاةُ دوماً لإبعادِ أهلِ الحقِّ؛ خوفاً منَ انتشارِ الخيرِ الذي يحملون، ولكنْ أنَّى لهم ذلكَ معَ أُناسٍ هم كالغيثِ أينما حلُّوا نفعُوا؟! إنها قصةُ الحقِ الذي أخرجَ شطأهُ في أوزبكستان، فأرادَ طاغيتُها اجتثاثَه، فأَبَى اللهُ إلا أنْ يستويَ على سوقهِ وله الحمدُ سبحانه ..
الحمدُ لله الذي أكرمَنا بدينِ الإسلام ، وأنعمَ علينا بنعمةِ الإيمان ، نعمةً أدركَ فضلًها أهلُ أوزبكستان كغيرِهم منْ عبادِ الله الذينَ يبيتونَ لربِّهم سُجداً وقياماً ، كيف لا؟ ودعوةُ الله قدْ تشرفُوا بِها في زمانٍ مُبكرٍ من عصورِ حكمِ الخلفاءِ الراشدين ، وفُتِحَتْ بلادُهم على يديِّ مُمرغِ أنفِ ملكِ الصينِ وخاتِمِ غلمةِ ملوكِهم قُتيبةَ بنُ مسلمٍ رحمه الله ، فنعِمَ أهلُها بحكمِ الإسلامِ وأقبلوا على العباداتِ والطاعاتِ فُرادىً وجماعات ، فأنجبَ هذا البلدُ الطيبُ البخاري والترمذيَّ وغيرَهم من علماءِ المسلمينَ الأفذاذ، ودعاتِه الذينَ حملُوا الدينَ دعوةً للعالمين .. لكنَّ هذا الخيرَ العميمَ أرّقَ الكفارَ ومندوبيهِم العملاءَ في بلادِ المسلمينَ وقضِّ مضاجعِهم ، فما لبثُوا أنْ تنادَوا في كلِّ وقتٍ وحينٍ لمحاربةِ كلِّ ما يمتُّ للإسلامِ وفروضِه ودعوتهِ بصلة ، فحاربُوا المؤمنينَ في عقيدتِهم والتزامِهم، فالمساجدُ في نظرهِم أماكنُ لانطلاقِ الإرهاب ، صوتُ الآذانِ يزعجُهم ويرعبُهم فمنعُوا مكبراتِ الأصواتِ، واللباسَ الشرعيَّ شبهة ، فضلاً عنِ الشهداءِ (كما نحسبُهم إن شاءَ الله ) الذينَ ارتقَوا تحتَ سياطِ أذنابِ كريموف عليهِ لعنةُ الله ، و السجونِ التي تكدستْ بِمَن يقولونَ ربُنا الله ..
إننِي وإن كنتُ في هذا المقامِ أتحدثُ عنِ المساجدِ في أوزبكستانَ فحسب ، إلا أنني أخجلُ من تلكَ التضحياتِ والعذاباتِ الفظيعةِ التي مهما انبرَتْ أقلامُنا لتفِيهَا جزءاً يسيراً منْ حقِّها لن تفعل، ولكنَّ عزاءَنا أنَّ الله لا يُضيعُ أجر المحسنين .
في رمضانَ كبقيةِ شهورِ السنةِ تتزينُ المساجدُ بالقائمينَ والساجدينَ والمعتكفينَ والمجتهدينَ والمستغفرينَ بالأسحار، وإنْ كانتْ في هذا الشهرِ الفضيلِ لها أُنسٌ خاص، فإليها تهفُو النفوسُ المؤمنةُ وبِها القلوبُ مُتعلِّقة ، فيها لذةُ العبادةِ وحلاوةُ القربة ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ جِيرَانِي ؟ أَيْنَ جِيرَانِي ؟ قَالَ : فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ : رَبَّنَا ، وَمَنْ يَنْبَغِي أَنْ يُجَاوِرَكَ ، فَيَقُولُ : أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ ؟ ” .
ولكنَّ جيرانَ الله في أوزبكستانَ في رمضانَ حالُهم مختلف ، يبكونَ مساجدَ انتُهكَتْ حُرماتُها وأُغلِقَتْ أبوابُها وقلَّ روادُها فبكَى الأذانُ ! وإن تعجبْ فعجبٌ أن لا تقرأَ ما أوردَه موقعٌ إلكترونِيٌّ عن حالِ المساجدِ في هذا البلدِ المظلومِ جاءَ فيه :” كانتْ أوزبكستانُ منَ البلادِ الشهيرةِ بكثرةِ مساجدِها ومدارسِها عبرَ العصور، وبعدَ انفصالِ أوزبكستانَ عنِ الاتحادِ السوفيتي بلغَ عددُ المساجدِ أكثرَ منْ 5000 (خمسةِ آلافِ) مسجدٍ في سائرِ أنحاءِ البلاد، إلا أنَّ المسلمينَ لم يلبثُوا كثيراً إلا وفوجئُوا بحملاتِ الحكومةِ على الإسلامِ وأهله، فتناقصَ العددُ إلى ما لا يزيدُ علَى ألفَيّ مسجدٍ فقط في بلدٍ سكانُه المسلمونَ يقتربونَ منَ العشرينَ مليون مسلم . وقد أغلقتِ الحكومةُ أكثرَ منْ 3000 (ثلاثةِ آلافِ مسجدٍ) خلالَ سنتينِ أو ثلاث، وحولَتْ كثيراً منها إلى مستودعاتٍ و”كازينو” واستراحاتٍ ومصانعَ تابعةٍ للحكومة – تماماً كما كانتْ في عهدِ الشيوعيةِ بالأمسِ القريب. والمساجدُ التي سَلِمَتْ منَ الإغلاقِ العلنِيِّ لم تسلمْ منْ سلبِ روحانيتِها الحقيقيةِ باعتقالِ ومطاردةِ الأئمةِ الصادقينَ والعلماءِ الربانيينَ ، فخلفَ منْ بعدهمِ خلوفٌ منَ الأئمةِ الحكوميينَ الذينَ يذكرونَ “كريموف” منْ علَى المنابرِ أكثرَ منْ ذكرهِم لله – إن صحَّ التعبير-. وإلى الله المُشتكى “.
ليسَ هذا فحسبْ .. بلْ إنَّ القائمةَ تطولُ لسردِ جرائمِ هذا النظامِ الحاقدِ على الإسلامِ وأهلهِ ومساجدِه، فقد تحدثَ رئيسُ تحريرِ صحيفةِ العالَمِ الإسلاميِّ في رحلتِه إلى أنديجان ( وهي منطقةٌ تتبعُ جمهوريةَ أوزبكستان ) قامَ بِها، تحدَّثَ عن موقفٍٍ لا يُنسَى فيقول :
” عندَما أدركَتنَا صلاةُ العصرِ وكنا بالقربِ من أحدِ المساجدِ ولَجْنَا إلى بيتِ الله لأداءِ الصلاةِ وبعدَ انتهائِها رأيتُ المصلينَ يتسابقونَ للجلوسِ في طابورٍ طويلٍ يبدأُ عندَ أحدِ أعمدةِ المسجدِ وينتهي عندَ المدخل ، ثُمَّ قامَ إمامُ المسجدِ بعدَ ذلكَ بفتحِ صندوقٍ حديديٍّ مثبتٍ في المسجدِ وأخرجَ مصحفاً قديماً وبدأَ كلُّ شخصٍ منَ المصطفينَ يقرأُ صفحةً واحدةً فقط منَ المصحفِ تحتَ إشرافِ الإمامِ ويغادرُ المسجدَ ثُمَّ الذي يليه وهكذا .وتبينَ أن هذا الطابورَ منَ المصلينَ ينتهي عندَ أذانِ المغربِ نظراً لأنَّ هذا المسجدَ لا يوجدُ فيهِ سوَى هذا المصحفِ فقط وأنَّ جميعَ المصلينَ لا يملكونَ مصاحفَ خاصةً بِهم في منازلِهم !! مجلةُ العالَمِ الإسلاميِّ عدد 1776 ـ 1423هـ .
فإلى الله نشتكي ظلمَ كريموف وحزبِه وجندِه ، وتلهجُّ ألسنتُنا بالدعاءِ عليهِ كلما أذَّنَ مؤذنٌ حيَّ على الصلاةِ حيَّ على الفلاح ، إلى الله نشتكي ظلمَه ، ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114))البقرة.
وفي الختام أقول : إنَّ الأمةَ الإسلاميةَ الثائرةَ اليوم ، تخوضُ مخاضاً عسيراً للانعتاقِ منَ الظلمِ الواقعِ عليها منذُ أنْ فقدَت عزَّها وسلطانَ دولتِها، وبأنَّ المعركةَ الدائرةَ في أوزبكستانَ وفي كلِّ بلادِ الإسلام بينَ الحقِّ والباطل ، سيُهزمُ فيها الباطلُ والكفرُ وأهلُه لأنَّ الشيطانَ مولاهُم ، وأما المؤمنونَ فلهم الغلبةُ والنصرُ والتمكينُ لا محالةَ مهما طالَ ليلُ القهرِ والأسى ، أليسَ الله بكافٍ عبادَه ؟! فالله مولاهُم نعمَ المولَى ونعمَ النصير ..
اللهمَّ نسألُك بجبروتِكَ واسمكَ الأعظمِ الذي إذا دُعيتَ به أجبت، وإذا سُئلت به أعطيت .. أن تقصمَ ظهرَ كريموف وجندِه اللهمَّ عجِّلْ بعذابهِ وكلِّ الطغاةِ المجرمينَ في الدنيا قبلَ الآخرةِ ،
اللهمّ أحصهِم عدداً واقتلهم بِدداً ولا تغادرْ منهُم أحداً اللهمَّ أرحنا منهُم عاجلاً غيرَ آجلٍ واجعلهُم عبرةً لمنْ يعتبر ..
اللهمَّ كما ساموا المسلمينَ سوءَ العذابِ فإنّا نجعلُكَ في نحورِهم ونعوذُ بكَ منْ شرورِهم ،
اللهمَّ عجّلْ لنا بنصرِكَ وعزِّكَ وتمكينِ شريعتِكَ على العالمينَ اللهمَّ آمين آمين .
سبحانكَ اللهمَّ وبحمدِكَ أشهدُ أن لا إله إلا أنت أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ
والسلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ تعالى وبركاته .
كتبته للإذاعة أم القعقاع