المجلس العسكري يدوس على ثورة بلاده للوصول الى مصالح اسياده
أعدت أمريكا -صاحبة النفوذ السياسي في مصر- المجلسَ العسكري ليكون خليفة مبارك المؤقت لتكريس النفوذ الغربي وكبح جماح المسلمين عن دولتهم الإسلامية (دولة الخلافة) التي تعيد لهم كرامتهم ومجدهم، والتي لا يخشى الغرب سواها على مصالحه ووجوده الدولي.
وأوعزت إليه ضرورة تمثيل دور الحامي للثورة، المحقق لمطالبها، الحريص على سلامة الوطن، الزاهد في الحكم، وأنه ليس إلا قائدا لمسيرة المرحلة الانتقالية لحين تسليم الحكم في البلاد إلى حكومة مدنية ورئيس منتخب من الشعب.
وهيمن بذلك المجلس العسكرى للبلاد، وحاز على ثقة العباد، ومارس الحكم عمليا؛ فأبقى هيكلية النظام الغربي على حالها، واستعان برجال العهد البائد في تشكيل الحكومة المدنية المؤقتة، وأبقى دستور البلاد وقوانينها الغربية السابقة سارية المفعول، وشغل الناس بالاستفتاء على التعديلات الدستورية ليتخذ من ذلك ذريعة شعبية في بقاء النمط الغربي نفسه للدستور والقوانين في الحكومات اللاحقة، وأضفى على الحياة أجواء الحرية، لإشاعة الفوضى الفكرية، وإفساح الطريق أمام الأفكار الغربية لتأخذ دورها المؤثر في التثقيف الجماهيري. وأعاد وزارة الإعلام التي أسقطتها الثورة، لتكون بوقا إعلاميا ومنبرا تثقيفيا لتلك الأفكار. وفتح باب الترشيح للرئاسة لكل من هب ودب، وأعلن صراحة عن سعيه لترسيخ قواعد الدولة المدنية الديمقراطية في البلاد.
واتجه إلى القوى السياسية الموالية للغرب، والتي تشكل الوسط السياسي الرئيسي في البلاد، فهو الوسط الذى ترعرع طبيعيا في كنف النظام السابق، لينسق معهم الأدوار اللازمة لترسيخ قواعد الدولة الديمقراطية في البلاد، فاستصدر من خلالهم وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور، لتكون الضمانة فوق الدستورية الدائمة لاستمرار الحكم الغربي، مهما تنوعت برامج المرشحين لتداول السلطة مستقبلا، وأدرك قيمة الأزهر الشريف في قلوب الجماهير الإسلامية، فأرسل 21 مفكرا من الوسط السياسى المتعدد المذاهب والانتماءات للاجتماع برئاسة مؤسسة الأزهر، للخروج بما يسمى وثيقة الأزهر، لإضفاء الشرعية الإسلامية على توجه المجلس العسكري الغربي بتأييد الدولة المدنية الديمقراطية الغربية.
واتجه إلى القوى السياسية الناشئة من الحركات الإسلامية لاستصدار قانون الأحزاب السياسية، لاستبعاد الأحزاب القائمة على الأساس الديني، ليحول دون وصول الإسلام إلى الحكم من خلال دولة الخلافة المنقذة، ثم أمعن في صرف الجماهير عن الإسلاميين السياسيين الجدد، بإثارة الفتن الطائفية، ونسبتها إليهم لإعاقة مساعيهم الهادفة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وتخويف الجماهير من تطبيق الحدود الإسلامية، وذلك بعدما اطمأن إلى إسقاط شعار (الإسلام هو الحل) الذي كان سائدا في مصر عقودا عديدة ويرفعه بعض الإسلاميين.
واتجه إلى الثورة الجماهيرية التي كانت السبب المباشر في إسقاط رأس النظام الغربي من البلاد، واستخدم بعد احتضانها ظاهريا في بادئ الأمر، إلى اعتماد أساليب الالتفاف والالتواء تمهيدا لاستكمال أسباب استخدام أسلوب الاغتيال.
فأبقى على ظاهرة الانفلات الأمني، وغض الطرف عن تهريب السلاح داخل البلاد، لإبراز محاسن النظام القديم، وجعل البسطاء من الجماهير يتشوقون إليه، وبعثر قوى الثورة في ائتلافات عديدة ومطالب متغايرة، وجاراها في مطالب جزئية شكلية، وعمل على إيجاد الثورة المضادة من فلول النظام السابق، فتغاضى عن الأموال التي تتدفق عليهم من الدول الغربية والعربية، وفتح الباب لعودتهم إلى مراكز الحكم، حيث جعل 50 % من الترشيح بالنظام الفردي، وحارب الاحتشادات الثورية المتتالية بالأعمال المادية والإعلامية؛ حيث حشد البلطجية للاعتداء عليهم في العباسية، واستنهض الإعلاميين لاتهام الثورة بالإضرار بالاقتصاد الوطني، وإعاقة المسيرة المطلوبة نحو الاستقرار.
ورأى المجلس العسكري أن اغتيال الثورة قد بات قريبا، ولا يحتاج الإعلان عن وأدها أمام الجماهير العريضة إلا إلى اعتماد مجرد أسلوب إخراج مقنع.
فرأى الخطورة تكمن في ناحيتين: ناحية الإسلاميين الذين ملأوا ميادين القاهرة تكبيرا وتهليلا في جمعة تطبيق الشريعة فى الجمعة الأخيرة من شعبان، ومن ناحية الجماهير العريضة التي أنشأت الثورة، وجذرت إرادتها في نفوس الشعب كله.
فتحايل على الإسلاميين بعدم جدوى الاحتشاد لجمعة تصحيح المسار يوم 9/9، ليتجنب المجلس بذلك استعداء الشارع الإسلامي، حين يسدد الضربة القاضية للثورة وتحايل على الجماهير العريضة التي ترقب تصرفات الثورة، التي عمل المجلس على ترتيب مساراتها مع أسياده، وذلك بتسهيل الاعتداء على مبنى وزارة الداخلية، حين سحب الشرطة بعيدا عنها، وتسهيل اقتحام السفارة الإسرائيلية، حين ترك الثوار يهدمون سورها، ويتسلقون أدوارا عديدة للعبث بأوراقها، والسماح لبعض الأفراد بتخريب الممتلكات الخاصة.
فأوجد بهذه التصرفات المرسومة، المبرر العملي لسخط الجماهير عموما، وأذكى ذلك بالانتقادات التي انهالت عليها من جانب المفكرين والقانونيين والسياسيين والإعلاميين، وأوعز لوزير العدل أن يفجر قنبلته الحارقة الخارقة بادعاء وجود عناصر أجنبية عبثت بالثورة واستخدمتها لإسقاط مصر.
ثم تقدم المجلس العسكري للإعلان عن النهاية المأساوية للثورة المصرية، ببيان رئاسي، أظهر فيه مساوئ الثورة، وأضرارها الجسيمة على سمعة مصر ومكانتها الدولية، وخروجها عن مسارها الثوري، وشكك في إخلاص أصحابها ووطنيته، ووصفهم بعدم الشرف ولوّح بالقبضة الحديدية، وأعلن فرض قانون الطوارئ على البلاد. متغافلا عن كون هذا القانون أحد أسباب ثورة 25 يناير التي جاء مناصرا لها، ظانا بأن الطريق بات ممهدا وآمنا نحو قطف جميع الثمار المرجوة من وجوده على رأس البلاد.
يوسف سلمان
القاهرة – مصر