﴿فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾
وهكذا أخزى اللهُ طاغيةَ ليبيا، وقتله شرَّ قِتْله، بعد أن أهلك الطاغيةُ الحرث والنسل طوال أربعين عاماً، كان يرى نفسه فيها فرعون هذا العصر… فكانت نهايةُ دنياهُ سرداباً مظلماً أو فراراً مُهيناً، ذاق خلاله وَبالَ أمرِه، بعد أن ترك قصوره وكنوزه {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ}، أفيعتبر باقي الطواغيت بأشياعهم الهالكين؟ أم لهم قلوب لا يفقهون بها، وأعين لا يبصرون بها وآذان لا يسمعون بها؟ أفيعتبر طاغيةُ الشام وأخوه طاغيةُ اليمن؟ أيعتبرون بما أصاب الذين هلكوا من قبلُ وكانوا أشدَّ منهم قوةً وأكثرَ جمعا؟ أم هم كالأنعام بل هم أضل؟!
أيها الأهل في ليبيا، أيها المسلمون: ليهنأ الشهداء الذين سفك الطاغيةُ دماءَهم طوال مدة حكمه في السجون وتحت التعذيب… ليهنأ شهداء حزب التحرير الذين قتلهم القذافي بوحشية لأنهم قالوا كلمةَ حقٍّ في وجهه الجائر العاثر… ليهنأ جميع شهداء المسلمين الذين قتلهم الطاغية في أقبية سجونه تحت التعذيب… ليهنأ جميع الشهداء الذين سفك الطاغية دماءهم الزكية في ساحات القتل بالإثم والعدوان… ليهنأ أهلنا في ليبيا، وليهنأ المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، وليهنأ كل ثائر ضد ظلم الطواغيت في كل مكان…
أيها الأهل في ليبيا، أيها المسلمون: توِّجوا قتل الطاغية بأن تجعلوا عهدكم الجديد عهدَ صدقٍ مع الله ورسوله، فتشكروه سبحانه بتحكيم شرعه، وقطع دابر عدوِّه، فلا يكون للكفار المستعمرين سبيل عليكم… بهذا تؤدَّون حقَّ الدماء الزكية التي سُفكت، وحقَّ التضحيات التي بُذلت، وإن لم تفعلوا تشككم دماؤكم لخالِقِ السماء والأرض، وتكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا! ونربأ ببلد المجاهدين، وبلد حفظة القرآن الكريم، أن يكونوا كذلك.
أيها الأهل في ليبيا، أيها المسلمون: إن حزب التحرير لكم من الناصحين، فانحازوا إلى الله ورسوله، وأقيموا دولتَه، دولةَ الخلافة الراشدة، تعزّوا وتسعدوا وتفوزوا في الدارين، وذلك الفوز العظيم… ولا تنخدعوا بشعارات الكفار المستعمرين، ولا بشعارات عملائهم، من تحكيم البشر بدلَ رب البشر بدعوى الديمقراطية والدولة المدنية العلمانية، فتكونوا من الخاسرين… ولا تخدعنَّكم وعودهم البرَّاقة بمساعداتٍ تُخفي السُّمَّ بغلالةٍ من دَسَم، فظاهرُها فيه الرحمة وباطنُها فيه العذاب، فأنتم لستم بحاجة إلى مساعداتهم، فبلدكم بلد الثروة، فالله قد حباها ببركات الأرض من فوقها ومن تحتها، فكونوا مع الله واتقوه يفتح عليكم بركاتٍ من السماء والأرض.
إن حزب التحرير منكم ومعكم، فاجعلوا تكبيراتِ النصر التي تصدعون بها، وقد أهلك الله عدوَّكم، اجعلوها تكبيراتِ نصرٍ في الدنيا في ظل راية الخلافة، راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتكبيراتِ فوزٍ في الآخرة، في ظل الله سبحانه يوم لا ظلَّ إلا ظله، فينظر الله لكم بالنصر والعزّة: {قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.