أين وصل العمل لإقامة الخلافة
لو كان مقدرًا للإسلام أن يزول، لكان انتهى حين خطط كفار قريش قتل محمد صلى الله عليه وسلم، أو لكان انتهى بهزيمة أحد، أو لكان انتهى بموت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أو لكان انتهى بطعن عمر بن الخطاب خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكان انتهى على يد التتار أو الصليبيين…وهكذا.
إن وعدَ الله بالاستخلاف متحقق لا محالة ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض )، وإن بشرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كائنة لا ريب ( ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ). ومع أن ولادة الخلافة متوقعة تحت أي ظرف دولي أو إقليمي، إلا أن المرء لا يكاد يصدق ما يراه من أحداث تتجمع تهيئة لولادة دولة الخلافة.
فعلى مستوى العدو:
1. سقط الإتحاد السوفييتي، الذي كان يعد الدولة الثانية في العالم ردحا من الزمن.
2. وقعت أمريكا، الدولة الأولى في العالم، في مستنقع أفغانستان والعراق، الذي مرغ هيبتها العسكرية في التراب. وكان لهذا أثر عظيم على أمريكا نفسها بأن باتت تفكر ألف مرة قبل أن ترسل قواتها إلى مناطق أخرى في العالم الإسلامي، وبان ذلك واضحا في أحداث ليبيا الأخيرة حيث لم ترسل أمريكا قواتها إلى ليبيا، بل اكتفت بالقصف الجوي، ليست منفردة، بل ضمن تحالف الناتو. كما وأن لكسر هيبة أمريكا العسكرية أثر عظيم على أفراد الأمة الإسلامية عامة، وضباطها خاصة، بعد أن كانوا يحسبون لقوة أمريكا العسكرية ألف حساب، ناهيك عن كسر هيبة ربيبة أمريكا إسرائيل عام 2006.
3. بان زيف شعارات أمريكا حول حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية وأمثالها بعد ما شاهدنا ما جرى في سجون أبو غريب وغوانتنامو وغيرها. وأصبح الشعب الأمريكي يحس بثقل أن يكون مكروهاً في العالم وغير مرحبٍ به للتدخل في شؤون الدول، فما أن يحضر الرئيس الأمريكي مؤتمراً أو يعقد اجتماعاً حول العالم، إلا وتخرج المسيرات والمظاهرات المنددة به وبأمريكا. ويُظهر استطلاع للرأي أعدته هيئة الإذاعة البريطانية في يناير 2005، أن 58% من الأجانب الذين تم استطلاع آراءهم كانوا يرون في إعادة انتخاب بوش تهديدا للسلام العالمي. ولعل الملاحظة الأهم في هذا الاستطلاع هو أن الرقم أعلى بكثير بين مواطني الدول الحليفة التقليدية لأمريكا، حيث وصل إلى 77% في ألمانيا، و64% في بريطانيا، و82% في تركيا، وفي العالم الإسلامي فإن التأييد لأمريكا والقيم الأمريكية أقل من 10% في معظم البلدان.
4. جاءت الأزمة المالية العالمية لتسدد رصاصة من العيار الثقيل لأمريكا، حتى كاد يطلق على أمريكا لقب “الرجل المريض”، وأصبح بعض المفكرين، كنعوم تشومسكي وايمانويل تود وغيرهما، يتحدثون علانية عن انهيار أمريكا… وما بعد الإمبراطورية، وهذا الواقع أضعف قبضة أمريكا ( بشكل مباشر أو غير مباشر ) على بلاد المسلمين وحكامهم، مما أدى إلى ضعف قبضة الحكام أنفسهم وضعف قبضة أجهزتهم الأمنية على شعوبهم. يقول والتر أندريوسيزين، أستاذ إدارة الأعمال الدولية بجامعة ساوث فلوريدا في هذا الصدد ( دائرة الدين المتفاقم لا تلحق الأذى باقتصاد أميركا، وإنما تضعف أمنها القومي أيضاً، وتحيل العالم إلى مكان أكثر خطراً. ولا يمكن لدولة أن تحافظ على قوتها، أو حتى قدرتها على إظهار تلك القوة، من دون اقتصاد قوي. انطبق هذا تاريخياً على”اسبرطة” و”روما”، وينطبق في الوقت الراهن على الولايات المتحدة )، ويضيف والتر أندريوسيزين ( التقدم الاقتصادي والأمن القومي خيطان في حبل واحد يربط أميركا وأوروبا معاً. واهتراء أي خيط من هذين الخيطين على أي جانب من جانبي الأطلسي، قد يضعف الخيط كله ).
أما على مستوى الأمة:
1- ثبت تجذر الإسلام في أعماق المسلمين، رغم وجود العوامل والظروف القاهرة الموجبة للبعد عن الإسلام، كما في أوزباكستان والعراق وتونس، حيث حُكم المسلمون بالحديد والنار لإبعادهم عن الإسلام. وبحمد لله، أصبح الالتزام الفردي بالإسلام، من صلاة وحفظ للقرآن ومتابعة للقنوات “الدينية” ولبس للحجاب، ظاهرا في المشرق والمغرب، وما الصورة التي نشرتها قناة الجزيرة لشارع من شوارع مصر أُخذت في منتصف القرن الماضي، والتي قورنت بصورة حديثة لنفس الشارع التقطت مؤخرا، إلا لمثال على الالتزام الفردي بالإسلام.
2- سقطت أفكار الاشتراكية والشيوعية والقومية والناصرية وغيرها، واضطر ما تبقى منها، أن يغلف نفسه بغلاف الإسلام ليلقى قبولا بين أوساط المسلمين، كما الثورة الإيرانية ومواقف أردوغان وبعض الحملات الانتخابية، وحتى الديمقراطية تروَج على أنها الشورى. فالأمة الإسلامية أصبح الإسلام مركز تنبهها، وما أحداث الجزائر قديما، وفشل مليونية الدولة المدنية ومقاطعة أهلنا في مصر لها حديثا، إلا لخير مثال على أن الأمة الإسلامية لا تريد إلا الإسلام.
3- أصبح الجهاد في سبيل الله مطلبا لشباب المسلمين بعد أن معست الأمة الإسلامية في فلسطين والعراق وأفغانستان والبوسنة وكشمير والشيشان والصومال وغيرها. وسجلت أمهات الشهداء أيضا مواقف أحيين بها مواقف الخنساء وأمثالها. وبهذا كانت بداية الخروج من الوهن ( حب الدنيا وكراهية الموت ) والحمد لله.
4- عاد الاستعمار العسكري إلى العالم الإسلامي كما في العراق وأفغانستان، ورغم ما كلفنا من دماء زكية، إلا أنه في حد ذاته كان مؤشرا على أن الأمة الإسلامية حية، فالجسد الميت لا يقاتل، خاصة وأن الغرب كان ومازال يتحكم بكل مقومات ومقدرات بلادنا من سياسة واقتصاد وسلاح وجامعات وإعلام، فماذا كان يخشى؟!
5- باتت خيانة الحكام واضحة جلية للجميع، خاصة بعد الحرب على العراق وأفغانستان وجنين وغزة.
6- سجل بعض ضباط وجنود المسلمين مواقف مشرفة تدل على أن الخير فيهم متأصلا. ففي مصر، إغتال نفر منهم السادات. وفي الأردن، أطلق أحدهم الرصاص على سواح يهود سخروا منه أثناء تأديته للصلاة. وفي سوريا، وبالتحديد عندما ضرب صدام إسرائيل بالصواريخ، كان بعض الجنود من أهل سوريا في الخمّارات، فعادوا إلى مراكزهم واغتسلوا وانتظروا متأهبين ومستعدين لإطلاق الرصاص في صدور يهود بعد أن وصلهم خبر إمكانية اشتراكهم في القتال مع العراق ضد إسرائيل. وفي سوريا أيضا، لم يبلّغ الجنود والضباط الجهات المختصة (أي المخابرات) استلاهم نداء حزب التحرير عام 2005. وفي السودان، رفع أحد كبار ضباط الجيش السوداني الراية التي سلمها إياه وفد من حزب التحرير، رفعها على أحدى الثكنات العسكرية. وفي اليمن، قام أحد الجنود باطلاق النار على قدمه لكي لا يشارك في قتل المدنيين، وهكذا.
7- صدرت تقارير كثيرة كتقرير ميريلاند الذي أوضح أن المسلمين في باكستان واندونيسيا والمغرب ومصر يؤيدون تحكيم الشريعة الإسلامية. كما وقد صدرت تصريحات لبوش وبوتن وتوني بلير تتحدث عن خطر الخلافة، لا بل وتوقع قيامها عام 2020.
8- جاءت هذه الثورات المليونية، جاءت فبثت الحيوية في جسد الأمة الإسلامية، وكسرت حاجز الخوف، وجسدت وحدة الأمة، وأعادت ثقة الأمة بنفسها، وأدركت الأمة ماذا يعني أن يكون السلطان بيدها، وربطت الربط المباشر والصحيح بين ما نحن فيه وبين الحكام ( فلا يستقيم الظل والعود أعوج )، وتهاوت فكرة ” أصلح الفرد يصلح المجتمع “، وخرج الناس بهتافات مؤثرة مثل ( على الجنة رايحيين، شهداء بالملايين )، وجمعة ” الله معنا “، وجمعة ” لن نركع إلا لله ” كما في سوريا، وبتكبيرات مزمجرة وحماس إسلامي كما في ليبيا، وبمليونية الشريعة كما في مصر، وبتأييد للخلافة كما في اليمن، وبتحدي للعلمانية كما في تونس. وهكذا برزت الصبغة الإسلامية على هذه الثورات الشعبية المباركة، رغم محاولة الإعلام طمس هذه الصبغة.
أما على مستوى حزب التحرير:
1. وُجد العاملون الجادون. وإن أي عمل كان، سيكتب له الإتمام والإنجاز بإذن الله، طال الوقت أم قصر، مادام هناك من يعمل له.
2. ثبت الحزب على فكرته وطريقته، رغم ما واجه من تضييق وتعذيب يفضي أحيانا إلى الاستشهاد.
3. بلور الحزب الفكر الإسلامي المتعلق بالخلافة وحمل الدعوة، بشكل يعيد ثقة المسلمين بإسلامهم. ناهيك عن مقدمة الدستور التي تميز بها حزب التحرير وأيضا كتاب أجهزة الحكم والإدارة.
4. نجح الحزب في ضرب العلاقة بين الحاكم والمحكوم. فكان هذا ثمرة الكفاح السياسي الذي أوصل الحال برئيسا أوزباكستان وباكستان مثلا أن يشتكيا حزب التحرير لبريطانيا.
5. أثر الحزب، قديما وحديثا، بعلماء وأحزاب.
6. عقد الحزب مؤتمرات نوعية، كمؤتمر العلماء والاقتصاد والإعلام والثورات. ناهيك عن الندوات والمهرجانات والإعتصامات والمسيرات، التي أصبح الإعلام لا يجد بدا من ذكرها ولو على استحياء.
7. طلب ومازال يطلب الحزب النصرة من ضباط الجيوش المسلمة كما في الأردن وسوريا ومصر والعراق وباكستان وغيرها، حتى أصبحت استجابة بعض الضباب للحزب أمرا علنيا تتناقله وسائل الإعلام.
إن استحضار هذه التهيئات لولادة الخلافة إنما لشحن همم العاملين، وحث غير العاملين للعمل، لا للتخدير والانتظار. هكذا كان الصحابة الكرام، ففتح القسطنطينية قد بشر به رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ولكن الصحابة لم ينتظروا تحقيق وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم دون عمل، بل حاولوا المرة تلو الأخرى لينالو شرف فتحها ( فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش )، حتى تم ذلك على يد محمد الفاتح. وقد عزم حزب التحرير، كما الصحابة، على أن يبقى عاملا مع الأمة وللأمة، بإذن الله ومستعينا به وحده، ويده على الزند بانتظار اللحظة السانحة التي يأذن الله بها بالخلافة، ( ويقولون متى هو، قل عسى أن يكون قريبا ).
كتبه الأستاذ أبو عيسى