Take a fresh look at your lifestyle.

الحوار الحي وعالم اليوم تعصف به الأزمات ج2

ونعني بعالم اليوم : القوى والتكتلات الدولية , والمناطق الساخنة وبؤر التوتر التي تعتبر مسرحا للأحداث وتشهد مزيدا من التطورات , وما نشهده اليوم من أزمات ومتغيرات إنما يتركز أكثر ما يتركز في الولايات المتحدة الأمريكيه والقارة الأوروبيه ومنطقتنا التي هبت عليها رياح التغيير مع بدايات هذا العام . وقد عصفت هذه الأزمات بالنظم السياسيه وظهرت على هذه الأنظمه وعلى شعوبها التحولات والمتغيرات , مما يؤثر تأثيرا كبيرا على مراكز القوى والموازين الدولية بشكل خاص ومستقبل البشريه بشكل عام .

 

ولا بد من الإشارة بداية إلى ضرورة ملاحظة المستجدات على الساحة الدوليه , وأن حدوث الأزمات وحصول المتغيرات إنما هو نتيجة لاحتقانات وضغوطات تجمعت وتفاعلت على مر السنين ثم انفجرت على شكل إحتجاجات ومظاهرات أو إضطرابات أو ثورات .

 

ولنبدأ أولا برأس الكفر أمريكا , تلك القوة العظمى سياسيا وعسكريا وأقتصاديا , وما أصابها مع بدايات هذا القرن من تراجع نتيجة لتورطها ثم هزيمتها معنويا وعسكريا في العراق وأفغانستان , هذا على صعيدها الخارجي أما على صعيدها الداخلي فقد تعرضت لأزمات ماليه وأقتصاديه متلاحقه , بدأت بأزمة عام 2008 ثم تبعها في النصف الثاني من هذا العام أزمة رفع سقف الدين الأمريكي الذي وصل إلى 16 ترليون دولار , ثم تلاه تخفيض التصنيف الإتماني لأمريكا درجة واحده , مما أثر ذلك كله على سمعة أمريكا ومركزها المالي واهتزاز ثقة العالم بالدولار الأمريكي غير المغطى بالذهب , وما تبع ذلك من تأثير سلبي على البورصات العالمية , يضاف على ذلك صراع الحزبين الديمقراطي والجمهوري واتفاقهما المجحف بحق الشعب الأمريكي على تخفيض الإنفاق وتقليص النفقات وعدم زيادة الضرائب على الأغنياء .

 

وهذه الأوضاع والأزمات المتلاحقه التي تعرضت لها الولايات المتحده , أدت إلى خروج المظاهرات والإحتجاجات في المدن الأمريكيه رافعة شعار (( احتلو وول ستريت )) الذي يمثل جشع المصارف والشركات والبورصات وأصحاب رؤوس الأموال وتحكمه بالحياه السياسيه في أمريكا , ومطالبين بالعداله الإجتماعيه وأنهم يمثلون 99% من الشعب الأمريكي وأن 1% هي التي تحتكر الثروه والسلطة معا . وهذه أول مره في تاريخ أمريكا المعاصر يحصل فيها تحرك شعبي على شكل أعتصامات ومظاهرات للتنديد بالنظام المالي العالمي الذي يمثل سياسات الحكومات المؤيده لرأس المال .

 

فإذا كان هذا هو حال الرأس فكيف ببقية أعضاء الجسم ؟ أو أهم عضو فيه ونعني بذلك أوروبا ومنطقة اليورو , تلك القوة العالميه والاقتصاديه التي كانت في يوم من الأيام تحتل وتستعمر معظم مناطق العالم , فإذا بها تقع في دوامة الأزمات ولا تعرف كيفية الخلاص منها , ولاتستطيع معالجتها بالرغم من كل المحاولات والقمم التي عقدت من أجلها , فقد أصابت أزمة الديون الأوروبيه اليونان وايرلندا والبرتغال واسبانيا وبريطانيا , ونتيجة لهذه الأزمه المستعصيه على الحل خفض تصنيف بعض الدول والبنوك الأوروبيه , وخرجت مظاهرات عارمه في بريطانيا وايطاليا واليونان وغيرها من البلدان الأوروبيه في يوم الغضب العالمي الذي صادف 15-10-2011 متضامنين مع حركة الإحتجاجات في المدن الأمريكيه , وتحت عنوان ((موحدون من أجل التغيير العالمي)) حيث شارك في هذه المظاهرات والإحتجاجات في هذا اليوم العالمي ما يقارب من 1000 مدينه و 80 بلدا من مختلف أنحاء العالم , منددين بسياسات الحكومات المؤيده لرأس المال وبالنظام المالي العالمي وتردي الأوضاع الأقتصاديه والمعيشيه ومطالبين بالعداله الأجتماعيه والإقتصاديه .

 

ولبريطانيا أم الدسائس والمكائد والتي كانت لا تغيب الشمس عن مستعمراتها في يوم من الأيام , لبريطانيا هذه نصيب مما يجري في العالم , حيث شارك المحتجون في يوم الغضب العالمي ووجهتهم حي المال والأعمال في لندن , ولا ننسى الحدث الأبرز التي تعرضت له بريطانيا في شهر آب من هذا العام , حيث نزل إلى الشارع الآلاف من المهمشين والفقراء من الطبقة الدنيا من المجتمع البريطاني والتي تعاني من البطالة والفقر , وقامو بأعمال شغب ونهب وسلب واشعال نيران , وقد واجه هؤلاء الشباب رجال الشرطه بكل تحد وثقه بأنه لا يمكن وقفهم , حيث شملت هذه الإحتجاجات وأعمال العنف لندن وعدة مدن بريطانيه , هذا وإن دل على شيئ فإنما يدل على الحقد الدفين في نفوس هذه الفئات من المجتمع البريطاني والذي يولد العنف الأعمى ضد مظاهر الثراء الفاحش والجشع المتمثل في مجالس إدارات الشركات وفي القطاع المصرفي وأعضاء البرلمان البريطاني وشخصيات سياسيه أخرى في السلطه مثل توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ومبعوث الرباعيه الدوليه الذي جمع بين السياسة والتجاره وتقدر ثروته ب 50 مليون جنيه أسترليني , هذا بالأضافة إلى الفضائح التي تبرز في المجتمع البريطاني بين الفينة والأخرى كفضيحة التنصت على الهواتف وقطب الصحافة ميردوخ وكذلك فضيحة وزير الدفاع البريطاني الذي أستقال من منصبه مؤخرا .

 

وفي منطقتنا التي تعصف بها الثورات ورياح التغيير , لم يكن كيان يهود الغاصب لأرض فلسطين بمنأى عن هذه الأزمات والإحتجاجات والمظاهرات فقد تظاهر ولأول مره في تاريخ هذا الكيان مئات الآلاف من الطبقة الوسطى والمثقفين ضد غلاء المعيشه وارتفاع أسعار السكن وهم يهتفون ((الشعب يريد العداله الإجتماعيه)) مما اضطر رئيس الحكومه نتنياهو أن يظهر بمظهر المتعاطف مع مطالبهم بعد أن فوجئ بهذا العدد الذي وصل إلى 400 ألف متظاهر , وهذا الوضع داخل كيان يهود ليس بغريب أو مستبعد مدام أن هذا الكيان المصطنع يقوم على الأحتلال وميزانيته يذهب معظمها للأمن والجيش وبناء المستوطنات ومساعدة الحركات الدينيه , مما يجعله في وضع غير طبيعي ومهدد من الداخل والخارج .

 

….وبعد…. ونحن إزاء هذه الأحدداث والتطورات والأزمات , فإنا نسطر الملاحظات ونرصد المتغيرات التاليه :

  • إن هذه المظاهرات والإحتجاجات التي إجتاحت أمريكا وأوروبا ووصلت إلى كيان يهود , إنما تأثرت بشكل مباشر بالثورات العربيه , وقد أعترف منظموا إحتجاجات وول ستريت وعلى مواقعهم الإلكترونيه بتأثرهم بثورات الربيع العربي , كما أعترف المتظاهرون داخل كيان يهود بأنهم أستلهموا تحركهم من الثورات العربيه وخاصة مصر .

 

  • إن الثورات العربيه في جوهرها ونتائجها هي تهديد فعلي لمصالح الدول الإستعماريه وللحضارة الغربيه , وقد عبرت صحيفة الجارديان البريطانيه عن هذه الحقيقه في تحليل لها أكدت فيه ((أن البيت الأبيض يشعر بقلق عميق إزاء ما يحدث بمصر , وأنهم يشعرون في الأعماق بأنهم أمام منعطف تاريخي , وأن الثورات العربيه تشكل تهديدا محتملا للنظام العالمي كله )) .

 

  • إن هذا العصر هو عصر الشعوب المقهوره المطالبه بالحريه والكرامه لا عصر الأنظمه المستبده المتحالفه مع رأس المال , هذا وإن دكت الثورات العربيه عواصم وبلدان في العالم العربي , واجتاحت المظاهرات والاحتجاجات عواصم وبلدان الدول المتقدمه صناعيا كأمريكا واوروبا , إلا أن هذه الاحتجاجات الشعبيه لم تجتاح بعد عواصم وبلدان ما يطلق عليه بدول العالم الثالث التي لم تصحو بعد على فساد أنظمتها ونهب الغرب لخيراتها , فلا أحد من هذه الدول والأنظمه الفاسده محصن من التغيير , فكل آتيه التغيير طال الزمن أو قصر إن بهذا الشكل أو بآخر .

 

  • كشفت هذه الأزمات الماليه والأقتصاديه لشعوب العالم ومنها شعوب أوروبا وأمريكا , عمق العلاقة الفاسده والحلف غير المقدس الذي يربط بين حكومات الدول الغربيه ومديري البنوك والمؤسسات الماليه والشركات الكبرى , لنهب واستنزاف مدخرات وأقوات وثروات هذه الشعوب , وكشفت أيضا هذه الأزمات مدى فساد وتغول النظام الرأسمالي بشقيه السياسي والمالي الذي يقوم على أساس ربوي فاحش وجشع مدمر لا حدود له .

 

  • إنه من الرغم من النهب الأستعماري لخيرات وثورات الشعوب , وإثارة الفتن والحروب لاستنزاف هذه الموارد حتى تستطيع الدول الاستعماريه معالجة ازماتها الاقتصاديه وتسديد مديونيتها , وبالرغم من دعم الدول الخليجيه الغنيه بالثروه النفطيه لاقتصاد الغرب وبنوك الغرب والصناديق السياديه , إلا أن هذه الدول الغربيه قد تدهور وتراجع اقتصادها , واربكتها المشاكل وانهكتها الازمات , واذا كانت الحكومات الغربيه قد انقظت البنوك والشركات إبان ازمة 2008 , فمن ينقذ هذه الدول والحكومات من ازماتها ومديونيتها ؟؟ , وقد جائت تصريحات رئيس البنك الدولي روبرت زوليك الاخيره لتصب في هذا الاتجاه حيث اكد ((أن الاقتصاد العالمي دخل مرحلة جديده اكثر خطوره وأن البلدان المتقدمه لا تقوم بمعالجة مشاكلها , وان العالم يتغير بشكل مغاير لما عهدناه وان البلدان المتقدمه لم تدرك بعد هذه التغيرات ادراكا كاملا )) , جائت هذه التصريحات لرئيس البنك الدولي الذي ساهمت مؤسسته التي يرأسها في خراب اقتصاديات دول العالم الثالث واستنزاف ثرواتها لصالح الدول الكبرى الاستعماريه , وها هو يطلق صفارة الانذار من ان القادم اسوء لهذه الدول الرأسماليه والاستعماريه التي تتجرع الآن مرارة الكأس الذي أذاقته لشعوب العالم الفقيرة والمقهوره , وصدق الله العظيم حيث يقول في كتابه العزيز ((لا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد )) صدق الله العظيم الآيه 31 من سورة الرعد .

 

  • إن دول العالم ازاء هذه الازمات الماليه والاقتصاديه وازمة الدين الامريكي والديون الاوروبيه لم تجد إلا الذهب كملاذ آمن , ولم يعد الدولار او اليورو العمله التي يعتد بها او يلجأ اليها , ولم تعد شعوب العالم تثق بنظمها الماليه وانظمتها السياسيه وكان العالم بدأ يصحو على الحقائق والقواعد والاسس التي وضعها رب العباد لسعادة العباد , ويدرك زيف هذه الحضارات وفساد الدول الكبرى والتكتلات السياسيه والاقتصاديه التي تقوم على عقائد ومبادئ فاسده سادت فتره من الزمن غابت عنه شمس الحضارة الاسلاميه , وكأني بشعوب العالم وقد هجرت الاشتراكيه وكفرت بالرأسماليه بدأت تبحث عن البديل , فمن غير المبدأ الاسلامي بعقيدته ونظامه يعالج مشاكلها ويحل ازماتها ويوفر لها السعاده والطمأنينه ((وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم )) صدق الله العظيم سورة الأنفال آية 10 .