Take a fresh look at your lifestyle.

هل ارث ستيف جوبز مؤشر لنهاية الغرب؟

 

بينما تحطم مبيعات  السيرة الذاتية لستيف جوبز في المكتبات العالمية الرقم القياسي في جميع أنحاء العالم يحتدم النقاش حول مكانة أعظم المبتكرين في أمريكا، وبالنسبة للبعض فقد حصل ستيف جوبز على حق أن يتم إدراجه بين المخترعين في العالم، وعلى أية حال فإنّ الأمريكيين يشعرون بالفخر إزاء إنجازاته نظرا لهيمنة أميركا على جائزة نوبل، وهناك اعتقاد قوي بأنّ يتم تعيين أمريكا على لائحة التفوق في مجال العلوم والتكنولوجيا، وقد يقول قائل بأنّ الغرب تحت إشراف أمريكا سوف يستمر في الهيمنة على العالم لسنوات قادمة، ولكن هل ينطبق ذلك على الأفكار الغربية في المستقبل المنظور؟

 

عند التدقيق في سجلات الابتكارات العلمية على مر القرون الأربعة الماضية فإنّه يتضح أنّ الاكتشافات العلمية والابتكارات التقنية تنقسم إلى فئتين هما: النظريات الثورية والتقنيات التطورية، وترتبط النظريات الثورية بوجهات نظر شمولية، وبعبارة أخرى، فإنّ إيجاد فكرة التغيير الجذري في المفاهيم الأساسية تدفع بالابتكارات والاكتشافات إلى آفاق جديدة، والتقدم في هذا الموضوع هو على قدم وساق والمنفعة تعود للبشرية عامة.

 

تتركز الاكتشافات التطورية في المبادئ الأساسية حول موضوع معين، في حين تظل المبادئ الأساسية جامدة ولا تتغير، وتقدم فائدة للبشرية ذات أبعاد متناهية في الصغر، وبالرغم من كثرة الاكتشافات في الفيزياء التطورية، إلا أنّ اللحظات الثورية قليلة جدا، حيث سيطرت الفيزياء النيوتونية في هذا الموضوع لعدة قرون، وتحولت في نهاية المطاف رأسا على عقب ضمن النظرية النسبية لأينشتاين. وبعد أكثر من مائة سنة، لم يكن هناك لغاية الآن لحظة ثورية، وقد كانت النظرية النسبية لأينشتاين وجهات نظر دون الذرية والتي مهدت الطريق لاكتشاف رقائق الكمبيوتر وتكنولوجيا الاتصالات. ومنتوج  ستيف الوظيفي ليس أكثر من استخدام رقائق الكمبيوتر وتكنولوجيا الجيل الثالث 3G وواي فاي لإنتاج مجموعة من منتجات أبل مثل إيماك وآي بود واي فون، ويمكن قول الشيء نفسه عن التخصصات العلمية الأخرى، ويمكن القول أنّه في السنوات ال 100 الماضية أو نحو ذلك كانت الاكتشافات في مجال العلم والتكنولوجيا مجرد تطويرية وهو تطور طبيعي.

 

وإذا نحينا الأفكار العلمية جانبا، فإنّه يمكن تطبيق معيار التصنيف نفسه على التخصصات الأخرى مثل الفلسفة والأدب وعلوم الاجتماع والسياسة والاقتصاد وما إلى ذلك من موضوعات ذات أهمية قصوى في السياسة والاقتصاد، لتأثيرها الأكبر على تفكير الإنسان ولعب دور محوري في تطوير العلوم.

 

بعد النظر عن قرب إلى الفكر الاقتصادي الغربي يتبين أنّ اثنين من رجال ثورة النظرية الاقتصادية في الغرب، كان الأول آدم سميث، الذي يعتبره الكثيرون أبا الرأسمالية، والثاني هو كارل ماركس الذي طور النظرية الاقتصادية الشيوعية كبديل عن الرأسمالية، ويستند بقية الاقتصاديين حتى اليوم في أعمالهم الاقتصادية إلى هذين المدرستين في الفكر والاقتصاد، وباختصار فقد أنتجت جهودهم الجماعية تغيرات تطورية فقط.

 

بالرغم من انتشار أفكار سميث وماركس على نطاق واسع، إلا أنّه يمكننا القول بأنّ كلا الفكرين فقدا مصداقيتهما على حد سواء، فالشيوعية كنموذج اقتصادي ميتة، وأفكار سميث للسوق الحرة تواجه أزمة كارثية في مجال الثقة، حيث  تكشفت في أعقاب انهيار ليمان براذرز في عام 2008، حيث انفضحت الطبيعة الخاطئة للسوق الحر، وألهمت الملايين للاحتجاج على هذه الأفكار.

 

وقد سيطر على نهوض الفكر السياسي الغربي حفنة من المفكرين ومعظمهم جاؤوا من عصر التنوير. وفي الواقع فإنّه في السنوات 130 الماضية قد توقف التفكير السياسي الغربي، وحاليا يفتقر الغرب إلى حلول للمشاكل السياسية المعاصرة، ومفاهيم الدولة القومية والحرية والديمقراطية والقانون الدولي وما إلى ذلك، قد فشلت عند تطبيقها وفي الممارسة العملية لتكون معيبة وغير قابلة للتطبيق، وكشفت الأزمة الاقتصادية الحالية في أوروبا، والحروب الاستعمارية في العالم الإسلامي زيف هذه الأفكار.

 

وبالتالي، فقد أفل نجم الحضارة الغربية منذ فترة طويلة، بأفكاره السياسية والاقتصادية وفقدان الثقة تدريجيا بين شعوب العالم، وأصبح على سرير الموت وهو يموت الآن موتا بطيئا. وكإجراء مضاد، وهي حركة المذبوح، لم يبق للغرب خيار آخر سوى استخدام القوة سواء في الداخل أو في الخارج للحفاظ على هيمنته. وعندما يفتقد الفكر المصداقية، في الأفكار السياسية والاقتصادية يتم هجره ويتوقف التقدم العلمي تلقائيا، وزوال الاتحاد السوفيتي هو مثال في كيفية توقف التقدم العلمي بعد انفضاض الناس عن الإيديولوجية.

 

لذلك يبرز تساؤل عن أي أمة ستكون الدولة الرائدة بعد انهيار أمريكا وأوروبا؟

 

يرشح البعض الصين والبرازيل والهند من الدول الصاعدة لقيادة البشرية. لكن هذا الرأي قصير النظر ويفتقر إلى التحليل الدقيق، فالمسألة ليست الأمة التي ستقود البشرية ولكن الفكر الذي سيقود البشرية في القرن 21، والصين والبرازيل والهند تتبنى نفس الأفكار الغربية التي فقدت مصداقيتها، وهي المسئولة عن انهيار الغرب، وبالتالي فإنّ المشكلة هي من الأفكار والإيديولوجيات وليس من الناس.

 

الإسلام هو العقيدة الوحيدة التي يمكنها أن تقود البشرية في القرن 21، حيث لديها سجل حافل بين البشرية الرائدة في جميع مناحي الحياة لأكثر من ألف سنة، وأنتجت فكرا ثوريا لأكثر من 500 عام. فقد كانت الأمة الإسلامية المباركة في وفرة من المفكرين الثوريين، وهو انجاز لم يسبق له مثيل في تاريخ الحضارات. قال بارنارد شو “إنّ العالم يحتاج إلى مفكر عظيم مثل محمد، وأعتقد أنه لو أنّ رجلا مثل محمد تولى الدكتاتورية في العالم الحديث فإنّه سينجح في حل مشاكله بطريقة من شأنها أن تجلب له السلام والسعادة الذي تشتد الحاجة إليهما: أتنبأ بأنّ عقيدة محمد ستكون مقبولة لدى أوروبا غدا كما أنّها مقبولة لأوروبا اليوم.”

عابد مصطفى