خبر وتعليق الرئيس التونسي المؤقت يقلد اوروبا تقليدا أعمى فيريد اتحادا كاتحادها بين الدول العربية، ولا يريد وحدة كما تريد الأمة
الخبر :
في 25/12/2011 في مقابلة مع الشرق الاوسط قال المنصف المرزوقي الرئيس المؤقت لتونس:” انا ديمقراطي.. أرى مستقبل تونس ان تندمج اكثر في الامة العربية وانا لي مشروع وحلم سميته اتحاد الشعوب العربية الحرة والذي اريد من خلاله تعويض المشروع الوحدوي القديم الذي أتى به الناصريون والبعثيون.. انا عروبي غير قومي. وذكر ان قومية عبد الناصر وصدام حسين استبدادية ويقول ان تصوري للاتحاد وليس للوحدة مختلف تماما هو ان يصبح لدينا في يوم من الايام اتحاد شعوب عربية..، ويعني دول مستقلة، وفي الوقت نفسه داخلة في اتحاد له برلمان مشترك ودستور مشترك وله رئاسة دورية مشتركة ..، وقال: اعتقد ان المستقبل سيكون لهذا مثل الاتحاد الاوروبي، وليس مثلما يتصوروه القوميون الذي يشبه الوحدة الألمانية والتي وحد فيها بسمارك ألمانيا..، أنا نموذجي للوحدة هو نموذج الاتحاد الاوروبي”.
التعليق:
نريد ان نبرز في تعليقنا على كلام الرئيس التونسي المؤقت النقاط التالية:
1.العروبة لا معنى لها كما يفهم من كلام المرزوقي وانه يقصد ان يقول الانسان عن نفسه انه عربي، فماذا يقدم ذلك في الحياة اذا وصف الانسان نفسه انه عربي او ان الدولة وصفت نفسها بانها عربية؟! مع العلم ان العروبة مصطلح يقصد منه الافتخار بكون الانسان عربي ويعتز بعربيته وهي تعني الانتماء للقومية العربية. والقومية سواء عربية او غير عربية هي رابطة قبلية بشكل موسع ونظرة ضيقة، تجمع بين التعالي على الغير وبين محاولة السيادة عليهم، وبذلك تسبب الحروب وتوجد الاستبداد عند اصحابها. عدا ذلك انه لا ينبثق عنها نظام يعالج مشاكل الحياة وينهض بالبلاد. ولذلك استورد اصحاب القومية نظما من الشرق والغرب وخلطوا الاشتراكية بالرأسمالية، فاقاموا انظمة علمانية استبدادية كما حصل في الانظمة القومية مصر وليبيا والبعثيين في العراق وسوريا وفي كافة البلاد العربية، بل في كل انحاء العالم الاسلامي. واصحاب النظرة العروبية كالمرزقي لا يختلفون عن اولئك فلجأوا الى استيراد افكارهم من الغرب مثل فكرة الاتحاد الاوروبي وفكرة الديمقراطية. فلم يجدوا في عروبتهم حلولا وأفكارا.
2.فكرة الاتحاد الاوروبي غير ناجحة وما زالت اوروبا تتعثر بهذا الاتحاد فلم تنجح بوضع دستور مشترك ولا في ايجاد اتحاد سياسي مشترك بسبب ان الشعوب الاوروبية ذات قوميات مختلفة متنافرة ولا تثق ببعضها البعض ولا تحب بعضها البعض وقد حصلت بينها حروب طاحنة عبر التاريخ ذهب ضحيتها عشرات الملايين من ابنائها وآخرها الحرب العالمية الثانية. ولكن الشعوب العربية كلها شعب واحد تتكلم لغة واحدة . ومع ذلك لا يمكن ان تتوحد على هذا الاساس. والدول القائمة فيها والانظمة المتسلطة عليها إرادتها ليست بيدها، بل هي موالية سياسيا وفكريا واقتصاديا وعسكريا للغرب. وكما ذكر المرزوقي نفسه بان فكره ديمقراطي مستورد من الغرب، وانه يريد نظاما سياسيا كالاتحاد الاوروبي، وانه مرتبط بالاقتصاد الاوروبي كما ذكر في مقابلته. مع العلم ان الدول العربية اقامت بينها اتحادا ببرلمان عربي مشترك عام 2001، ولكنه فاشل للاسباب التي ذكرناها.
3.الفكرة الصحيحة ليست الاتحاد وانما هي الوحدة التي لا يمكن ان تقوم الا على فكرة يؤمن بها من يريدون ان يدخلوا في هذه الوحدة، ويجب ان ينبثق عنها نظام ينظم العلاقات بينهم ويحل مشاكلهم الداخلية والخارجية والاقتصادية وغير ذلك من المشاكل وينهض بهم. فلماذا يصرف المرزوقي نظره عن دين وفكر أمته خير أمة أخرجت للناس ولا يلتفت الى تاريخها العريق والمجيد حتى يرى كيف توحدت تونس مع البلاد العربية بل مع البلاد الاسلامية طيلة 13 قرنا وكانت قوية بها ومعها وناهضة ليست عالة على الغرب. والذي جمع تلك البلاد ووحدها هو الفكرة المشتركة بين هذه الشعوب وهي العقيدة الاسلامية وما ينبثق عنها من نظام للحياة حتى اصبحت دولة اسلامية واحدة تضم العرب وغيرهم من الشعوب بعيدة عن الاستبداد والظلم وعن النظرة الضيقة للقومية وللعروبة وأمثالها بل كانت اسلامية خالصة. وما زالت هذه الفكرة حية في الشعوب الاسلامية وهي تطالب بها وهي ممكنة التحقق في الواقع، الا ان الذي يمنع تحققها هو الدول العربية ذاتها وغيرها من الدول في العالم الاسلامي ومن ورائها الدول الغربية الاستعمارية التي اقامت هذه الانظمة ومزقت تلك الوحدة التي كانت بينها، وتعمل على تأبيد هذا التمزق والحيلولة دون الوحدة بايجاد اتحادات عربية بتسميات مختلفة حتى تبقى الكيانات العربية مستقلة اي منفصلة عن بعضها البعض كما اريد لها في اتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية بين فرنسا وبريطانيا عام 1916 لتقسيم البلاد العربية ومعاهدة لوزان عام 1924 لتمزيق جميع البلاد الاسلامية كلها وجعلت الجمهورية العلمانية التي اقاموها فيما عرف بتركيا توقع عليها.
4. الرئيس التونسي المؤقت لا يستطيع ان يأتي بفكر جديد فيعمد الى تقليد الغرب تقليدا أعمى حتى انه لا يستطيع ان يلتفت الى نجاحها والى فشلها والى طبيعتها والى واقعها ولماذا وضعها الغربيون ولم يستطيعوا ان يضعوا غيرها فلا يدرس ظروفهم السيئة وما يعانون من صعوبات لا يستطيعون تجاوزها، فهو لا يختلف عن غيره من الرؤساء والمسؤولين العرب، فيأتي بحلول من الغرب مقلدا اياهم من دون وعي وادراك. ولذلك نقول له ان اوروبا لم تستطع ان توجد بينها وحدة ولو استطاعت ان توجدها لاقامت وحدة بين دولها، بسبب ان القومية لدى الشعوب الاوروبية حفرت بينها خنادق عميقة لا يمكن دملها أو القفز عنها، ولم يستطع المبدأ الرأسمالي الذي تتبناه تلك الدول أن يعالج موضوع القومية بل أقرها وثبتها فكان مبدئا فاشلا. ولذلك اتجهت الدول الاوروبية نحو الاتحاد، ولم تنجح فيه وما زال مصيره مهددا بالسقوط. فكيف يأتي الرئيس التونسي بفكر غربي يخالف فكر شعبه المسلم الذي يهفو للوحدة كباقي الشعوب الاسلامية التي تهفو قلوبها للوحدة، ولولا الانظمة التي اقامها الاستعمار لتوحدت هذه الشعوب في يوم واحد؟! وكيف يأتي بتجربة غربية فاشلة وقد وضعها الغرب حسب ظروفه السيئة بعدما فشل في ان يخطو اية خطوة نحو الوحدة وما زال يتعثر في مشروع اتحاده الذي بدأ به منذ ستين عاما في سنة 1951؟!. ونحن نرى الشعوب الاسلامية كيف يفرحها اي خبر او اي عمل يتعلق بوحدتها! ولكن الحكام من عبد الناصر الى صدام الى القذافي الى غيرهم وكذلك البعثيين والقوميين العرب والناصريين وأمثالهم لم يكونوا صادقين ومن ناحية ثانية كانوا مرتبطين بالفكر الغربي ومقلدين للحلول الغربية وصرفوا أنظارهم عن الاسلام الذي تدين به هذه الشعوب وهو السبب الوحيد لصنع وحدتها لا غير، وفكرته التي تدعو للوحدة تثبت ذلك فكريا، وتلهف الامة للوحدة يثبت ذلك واقعيا، والتاريخ يثبت ذلك كحقائق لا مراء فيها.