صدام الجيش مع حكومة حزب الشعب يدفع بالولايات المتحدة إلى تغيير عميلها القديم بأخر جديد!
كما كان متوقعا، مع بدء مرحلة حملة التفاوض حول أفغانستان وباكستان، فإنّ الولايات المتحدة تعمل الآن على تغيير عميلها في باكستان، وهذا المخطط تعلمه الحكومة التي يقودها حزب الشعب الباكستاني، في صراع يتزايد باستمرار بين الجيش والحكومة، وأصبح الصدام واضحا بعد فضيحة “ميموجيت” والتي تم فيها نقل رسالة زرداري إلى الأدميرال مولين عبر القنوات الخلفية، حيث طلبت حكومة زرداري في المذكرة من أمريكا منع انقلاب محتمل في باكستان بعد “اغتيال” أسامة بن لادن وتقديم “تنازلات كبيرة” في الحرب على الإرهاب، والقضية النووية وتطبيع العلاقات مع الهند وغيرها.
هذه ليست المرة الأولى التي تغير فيها أمربكا عميلها القديم بآخر جديد، فكلما كانت ترى أن عميلها عاش أكثر من اللازم وأصبحت فائدته قليلة أو أنّ الرأي العام أصبح معاديا له إلى درجة أنّ هناك خطرا حقيقيا على مصالحها، كانت تقوم بتغيير الوجوه قبل أن تصل المطالب إلى تغيير النظام أو التغيير الجذري، ففي عام 1999 شهد الباكستانيون عميلا للولايات المتحدة، نواز شريف، وجرى استبداله فيما بعد بألعوبة من العسكر وجاء مشرف، وخلال الفترة ما بين عام 2008-2009 اضطرت الولايات المتحدة إلى قبول اتفاق لاقتسام السلطة بين مشرف وبنظير بوتو ومن ثم استبداله في النهاية بالديمقراطي الفاسد آصف علي زرداري، والآن مشيا على نفس النهج فإنّه عندما قارب تاريخ صلاحية زرداري على الانتهاء، وفي ظل أنّ المرحلة الآن في أفغانستان وباكستان هي مرحلة إستراتيجية المفاوضات وليست الحرب، فإنّ الولايات المتحدة تريد التخلص من زرداري وإحضار عميل جديد يكون أكثر ملاءمة للمفاوضات، ومن أجل تحقيق ذلك، فإنّ الولايات المتحدة تعتمد مرة أخرى على عملائها في القوات المسلحة، وكياني وباشا هما من يقودان هذه الحملة، ويجري حاليا استخدام فضيحة ميموجيت والقضية النووية لممارسة الضغط على نظام زرداري، وما يسمى بالقضاء المستقل بوصفه ذراعا حقيقيا للجيش هو الآخر بطاقة لتحقيق أهداف الولايات المتحدة، وهذه “المعاداة” دور يناسب كياني، حيث سيبدو كما وأنّه يعمل ضد مصالح الولايات المتحدة وأنها تراهن على حصان خاسر، زرداري، وهذا يساعد على بناء شخصية كياني بين صفوف الجيش من الذين كرهوه لتواطئه مع الولايات المتحدة في غارة أبوت أباد، فضلا عن هجوم حلف شمال الأطلسي الذي خلّف أكثر من 28 جنديا باكستانيا والعديد من الجرحى، كما أنّها تساعد كياني في تصوير نفسه أمام العامة بالمستقل والمناهض للولايات المتحدة الذي يمكنه جلب طالبان باكستان وطالبان أفغانستان إلى طاولة المفاوضات، بحيث يمكن أن توفر العملية السياسية تحقيق مكاسب عسكرية أمريكية في أفغانستان والمناطق القبلية، وقد ألمح جورج فريدمان في مقالته “ستراتفور” لهذه النقطة بالذات حيث قال: “إنّ الباكستانيين يستعدون للانسحاب الأمريكي علنا، فمن المهم بالنسبة لهم أن يبدو وكأنهم مستقلين، بل وحتى معاديين للأمريكيين، من أجل الحفاظ على مصداقيتهم المحلية، فلغاية الآن فإنهم يبدون في أعين الباكستانيين أذنابا لأمريكا… والاتهامات الأمريكية بأنّ الحكومة لم تتعاون مع الولايات المتحدة في محاربة الإسلاميين هي بالضبط ما تحتاجه المؤسسة الباكستانية من أجل الانتقال إلى المرحلة المقبلة “.
إنّ تحويل أفغانستان والمناطق القبلية إلى مناطق مستقرة، مع وجود القواعد العسكرية الأمريكية في أفغانستان وباكستان ونقاط تفتيش تابعة للجيش في المناطق القبلية، يسمح ذلك كله للشركات الأمريكية ببناء خطوط أنابيب مربحة للتدفق الحر للمواد الهيدروكربونية من خلال منطقة جوادار لبقية العالم، وبالتالي فإنّ مشرف وكياني قتلوا وشوهوا الآلاف من المسلمين وأوجدوا ملايين المشردين فقط لخدمة مصالح أمريكا، وبعد العملية العسكرية الأخيرة في كورام، المسماة “بمطاردة الساحرات” لطالبان باكستان فإنّ هذه العمليات وصلت إلى نهايتها، لأنّ الجيش قد بنى نقاط تفتيش في جميع أنحاء المناطق القبلية والتي كانت في السابق منطقة محظورة، وقد بدأت الولايات المتحدة في مرحلة التفاوض والتي تحتاج إلى دعم سياسي من عملاء الولايات المتحدة في القيادة السياسية في باكستان، ولا يمكن لزرداري أن يخدم هدف الولايات المتحدة هذا، لذلك هي بحاجة إلى وجه آخر لطالما دعا إلى المفاوضات ويعتبر ذو مصداقية أمام المسلمين وخصوصا في المنطقة القبلية، لهذا السبب فإنّ التفاوض مع طالبان لا يأتي بمثابة المفاجأة، حتى أنّ نائب الرئيس جو بايدن لا يعتبر طالبان عدوا لهم!
ومن أجل المرحلة الجديدة من المفاوضات فإنّ القيادة العسكرية العامة والمخابرات تخطط إلى إحضار لاعب الكريكيت الباكستاني عمران خان، وكل الوجوه الفاسدة عادت مرة أخرى إلى باكستان بعد أن كان محظور عليهم العودة من قبل وكالة الاستخبارات الباكستانية، وهذا هو السبب في تدني شعبية عمران خان بشكل حاد في أوساط الطبقة الوسطى المتعلمة والمواطنين الذين كانوا يأملون في رؤية تغيير حقيقي تحت قيادة “سياسي نظيف”، وأصبح نقد عمران خان لاذعا إلى درجة دفعته للقول بأنّه لا يمكن بناء فريق من الملائكة في بلد الفساد فيها ضارب أطنابه.!!
ولقد قلنا في حزب التحرير مرارا وتكرارا، بأنه لا يمكن إحداث التغيير من خلال النظام الفاسد، ففي العملية الديمقراطية فإنّ على المرء أن يعتمد على السياسيين الفاسدين للوصول إلى السلطة، وهؤلاء الساسة هم من يسنون القانون الذي لا يغير من الواقع الراهن في مجلس النواب، فعلى سبيل المثال فإنّه لا يوجد قانون لفرض الضرائب على القطاع الزراعي ليس لأن الضرائب محرمة بل لأنّ معظم ملاك الأراضي أعضاء في البرلمان.
لا يمكن أن يحدث التغيير الحقيقي إلا من خلال إتباع طريق المصطفى محمد عليه السلام، الأمر الذي يتطلب منا بناء الرأي العام من أجل تطبيق أحكام الإسلام والسعي لأخذ النصرة من أهل القوة والمنعة لاقتلاع الكفر وإقامة الخلافة الإسلامية، أما فكرة العمل لتنظيف النظام الفاسد من الداخل فهي فكرة سخيفة بالكلية، وخصوصا عندما يدعو إلى ذلك ذوو المناصب العليا الفاسدة.
نفيد بوت
الناطق الرسمي لحزب التحرير في باكستان