مراكز التفكير والدراسات ودورها في إنتاج المعرفة وصناعة الرأي العام والقرار السياسي ح3
في هذا المقام لا بد لنا أن نبين للمسلمين وخصوصا شباب الحزب دورهم في هذا المجال وهو العناية الفائقة بالتفكير السياسي عناية تفوق العناية بأي تفكير والعناية بأدوات إنتاج الفكر. ذلك أنه ضروري للشعوب ضرورة الحياة. لأن التفكير السياسي هو الذي ينفع ويفيد، وهو الذي يكون له أثر باهر وتأثير عظيم في نشر الإسلام ولاتقاء خطر دول الكفر. ولذلك كان واجبا على الدولة الإسلامية العمل على إيجاد التفكير السياسي في الأمة حتى يتم إيجاد حشد من المفكرين والعلماء في السياسية من وجهة نظر الإسلام إلا أن هذا واجب على الكفاية للأمة فالتفكير السياسي في العلوم السياسية والأبحاث السياسية عمل لا بد منه خصوصا للعلماء في السياسة سواء أكانوا من المتعلمين وحملة الشهادات أومن غيرهم.
إلا أنه يجب أن يعلم أن مراكز الأبحاث السياسية في الغرب تتعامل مع الأحداث بميكافيلية أي أن الغايات تبرر الوسائل، فإذا كان غزو العراق لا يتم إلا بالتلفيق والكذب فلا بدّ إنتاج أدلة تصب في الغاية؛ وبراجماتية بمعنى ينظر إلى الواقع على أنه المصدر الذي يقرر ما هو حقّ , بمعنى أن الفكر يتشكل بحسب معطيات الواقع , دون محاولة تغيير الواقع ليتلاءم مع أصل الفكر ودون النظر إلى الثوابت ومثالها القضية الفلسطينية، فالسياسة عندهم لا دين لها ومقياسها النفعية وليس هناك محظورات في السياسة إلا بقدر ما تجلب لهم من مشكلات فعدو اليوم ممكن أن يكون صديق الغد والعكس صحيح. وهذه النظرة تخالف ما عند المسلمين فالسياسي المسلم يدور مع الشرع حيث دار، بل وقدرته على التفكير أكثر من غيره، لأن ما يحمله من أفكار يقنع العقل ويوافق الفطرة، وهو يحمل هذا الفكر مخلصا للبشرية من ظلم الرأسمالية وتسلط الجشعين.
إن هذه المراكز والمعاهد ينطبق عليها وصف الخيال الخلاق، ويقصد بها تخيل الأشياء وربطها بالواقع، وإيجاد واقع جديد، فأمريكا لديها الخيال الخلاق، والدولة الإسلامية لديها أيضا الخيال الخلاق، وإيجاد دولة إسلامية في مثل هذه الظروف منذ أن هدمت الخلافة خيال خلاق. وتغيير الرأي العام عن طريق إقناع الناس بأفكارك أيضا هو خيال خلاق. فالخيال الخلاق هو العمل لجعل الأفكار لها واقع وهذا ما يقوم به الحزب بالإضافة إلى مراكز الأبحاث، وبالمناسبة أعرض لكم كيفية جعل الأفكار لها واقع وخصوصا في الغرب. يذكر تشارلز وليام ماينز، محرر دورية ( السياسة الخارجية Foreign Policy) كيف يتم تغيير الرأي العام الأمريكي بطريقة منظمة تبدو عفوية، فيقول: ” تبدأ العملية بمقال في أحد الدوريات السياسية المتخصصة يكتبه باحث أكاديمي متميز ومعروف ، ويُقدّم هذا الباحث في المجلة أو الدورية على أنه (خبير أو عالم) مما يوحي بالتوازن والاعتدال في الطرح ، ولا يذكر عادة أن هذا الباحث موظف يعمل براتب في أحد المراكز الفكرية معروفة التوجه يلي ذلك تولي عدد من المطبوعات الأخرى الموالية لنفس الاتجاه الثناء على المقال الذي نشر في الدورية ، وإبراز الأفكار الهامة في هذا المقال، والتأكيد عليها مرة أخرى ، ثم يُعقد بعد ذلك عادة مؤتمر عام ، يدعى إليه متحدثون يمثلون نفس وجهة النظر ، ويتم اختيارهم بعناية للتعبير عن نفس الفكرة ، وحشد الآراء حولها، ثم يتم بعد ذلك إبراز الحدث في الصحف والمجلات مما يضفي الاهتمام بالمؤتمر والأفكار التي يراد نشرها” وبالتالي تصبح حديث الساعة ويطغى على الرأي العام هذه الأفكار.
الأمة الإسلامية هي أحوج ما يكون إلى مراكز للفكر هدفها في المقام الأول التأثير في الرأي العام ليصبح إسلاميا وهذا يؤدي إلى ما يسمى بالتفكير الجماعي لأن تفكير الأفراد لا يقوى على مواجهة آلة التضليل الإعلامي وخصوصا إذا تمكنت من شعب من الشعوب أو أمة من الأمم ولنا في ذلك مثال حي لنا في ذلك أن المراكز الفكرية تنجح في كثير من الأحيان في تغيير الرأي العام الأمريكي تجاه قضية معينة عن طريق مجموعة خطوات إعلامية مدروسة بعناية لتحقيق هدف محدد، وهو تغيير قناعات ومواقف الرأي العام لتبني وجهة نظر المركز الفكري وخصوصا في مسألة الحرب على الإرهاب التي تبناها جورج بوش الابن عام 2001 وتبناها الشعب الأمريكي بعد أن تم إقناعه بها وليس ذلك فحسب بل وقام الشعب الأمريكي بإيصال بوش الابن مرة أخرى إلى الحكم.
نتوقف إلى هنا إخوتنا الكرام ونتابع في الحلقة القادمة ما تبقى من هذا الموضوع وعما قاله الشيخ تقي الدين النبهاني حول التفكير السياسي إلى ذلك الوقت استودعكم الله،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد ذيب