مراكز التفكير والدراسات ودورها في إنتاج المعرفة وصناعة الرأي العام والقرار السياسي ح4 والأخيرة
يقول صاحب كتاب التفكير الشيخ تقي الدين النبهاني:” التفكير السياسي، وإن كان أصعب أنواع التفكير وأعلاها، فإنه لا يكفي فيه أن يكون تفكير أفراد فقط، فإن الأفراد لا قيمة لهم مهما كثر عددهم، ومهما كان تفكيرهم سليماً أو عبقرياً. فإن التضليل في التفكير السياسي إذا تمكن من الشعب أو الأمة لا تنفع تجاهه عبقريات الأفراد ولا قيمة للعبقريين في التفكير السياسي، مهما كان عددهم ومهما كانت عبقرية تفكيرهم. فإن الضلال إذا تمكن من الشعب أو الأمة جرف تياره كل شيء، ووقعت الأمة أو الشعب فريسة سهلة لهذا التضليل، وكانت هي ومعها العبقريون لقمة سائغة يلتهمها الأعداء. وما نجاح مصطفى كمال في هدم الدولة الإسلامية وإزالة الخلافة في أوائل القرن العشرين الميلادي ونجاح جمال عبد الناصر في الخمسينات والستينات من هذا القرن في الحيلولة دون تحرير العرب وقد كانوا عقب الحرب العالمية الثانية متحفزين للتحرير، إلا أمثلة حية على أن سوء التفكير السياسي إذا اجتاح الشعوب والأمم فإنه لا تنفع تجاهه عبقرية العبقريين ما داموا أفراداً ولو بلغ عددهم الآلاف. لذلك فإن سوء التفكير السياسي لا يشكل خطراً على الأفراد، وإنما يشكل خطراً على الشعوب والأمم.
ومن هنا لا بد من العناية بالتفكير السياسي لدى الشعوب والأمم، عناية تفوق كل شيء. صحيح أن التفكير السياسي، إذا وجد عند الأفراد وسار لديهم في الطريق المستقيم يمكن بهم أن يوجد التفكير السياسي الذي يقف في وجه الأعداء ويكشف تضليلهم، ولكن هذا إنما يتأتى إذا انتقل تفكير هؤلاء الأفراد إلى الشعب أو الأمة وإذا أصبح عند الأمة كما هو عند الأفراد، وإذا انتقل إلى أن يكون تفكير الأمة لا تفكير الأفراد فيصبح هؤلاء الأفراد جزءاً من الأمة لا أفراداً وتكون الأمة كلها أمة مفكرة وليس أفراداً منها. وإذا لم يتحول التفكير الفردي إلى تفكير جماعي ولم يصبح تفكير الأفراد تفكير أمة لا تفكير أفراد، فإنه لا قيمة لهذا التفكير ولا قيمة لهؤلاء الأفراد، فتفكير الأفراد السياسي لا يقوى على الوقوف في وجه الأعداء وفي وجه تضليلهم، مهما كثر عددهم وسمت عبقرياتهم، وإنما الذي يقف في وجههم هو تفكير الشعوب والأمم، أي هو التفكير السياسي الذي يكون عند الشعوب والأمم”.
ويقول أيضا في موضع آخر:” ولذلك فحتى ينفع هذا التفكير السياسي، ويصبح قادراً على الوقوف في وجه الأعداء لا بد أن يتحول إلى تفكير جماعي ويخرج من قوقعة الفردية ومن شرنقة العزلة. فإذا تحول إلى تفكير جماعي وانتقل إلى الشعب أو الأمة فقد وجدت القوة التي تقف في وجه الأعداء ووجدت البذرة القوية التي تنبت شجرة النهضة”.
إن الحزب هو نواة التفكير الأولى عند الأمة وهو المتصدر للتحدث في قضاياها، وأجهزته هي خدمة للفكرة التي وجد من أجلها وهي إعادة الإسلام إلى واقع الحياة وجعل الناس يفكرون بحسب ما جاء به الإسلام كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم، ومراكز التفكير هي من الوسائل والأساليب التي تساعد على تحقيق التفكير الجماعي في الأمة عن طريق توظيف طاقات السياسيين المفكرين في عمل جماعي مثمر في السياسية والاقتصاد والفكر ومواكبة الأحداث لإعطاء الرأي الصادق بعيدا عن الكذب والتلفيق واستغلال الشعوب، فهؤلاء المفكرون السياسيون في هذه المراكز هم أمل الأمة وهم قادة المستقبل وهم الوسط السياسي الجديد الذين يعملون في أن ينتقل التفكير من الأفراد إلى الجماعات وأن يصبح تفكيراً جماعياً لا تفكيراً فردياً وأن يكون تفكير الأمة لا تفكير الأفراد، فتصبح الأمة الإسلامية أمة مفكرة، وتعود كما كانت خير أمة أخرجت للناس وما ذلك على الله بعزيز.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد ذيب