الخلافة الإسلامية… بين مبدئية حزب التحرير وتنازلات غيره
نشرت جريدة ” المصريون ” بتاريخ 2011/11/29 ما قاله المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع في رسالته الأسبوعية من “أن الجماعة أصبحت قريبة من تحقيق غايتها العظمى التي حددها الإمام حسن البنا مؤسس الجماعة، وذلك بإقامة نظام حكم عادل رشيد بكل مؤسساته ومقوماته يتضمن حكومة ثم خلافة راشدة وأستاذية العالم”. ولأن هذه التصريحات أثارت حفيظة التيار العلماني في مصر -الذي يحارب منذ ثورة 25 كانون ثان/يناير ليحافظ على النظام العلماني في مصر، رافضا بشكل قاطع أي حديث عن الحكم الإسلامي- فقد تصدى الدكتور عبد الرحمن البر -عضو مكتب الإرشاد في الجماعة- للهجوم الذي لاقته هذه التصريحات، فقام بتفريغ تصريحات المرشد العام من مضمونها في محاولة منه لاسترضاء العلمانيين، ومَن وراءهم من دول الغرب الكافر الذين أرهبهم هذا الصعود المتنامي للتيار الإسلامي في مصر، وما صاحبه من ارتفاع الأصوات المطالبة بالحكم بالإسلام من خلال دولة الخلافة، فقال الدكتور البَرّ، حسب ما نشرته جريدة الحرية والعدالة في 2012/01/05 ” إن المرشد العام لم يقصد بالخلافة الراشدة ذلك النمط التقليدي من وجود خليفة على رأس دولة الخلافة يولي الولاة وغير ذلك” وإنما قصد “أن يكون هناك اتحاد بين جميع الدول العربية والإسلامية” معتبرا نموذج منظمة التعاون الإسلامي نموذجا يمكن تطويره والبناء عليه!
ويكاد يكون هذا الأمر هو تكراراً لما حدث في تونس حين صرح حمادي الجبالي ” الرجل الثاني في حركة النهضة ” بتاريخ 2011/11/13 في مدينة سوسه عن الخلافة السادسة، مما أثار أيضا جدلا واسعا في الساحة التونسية، مما اضطره للتراجع مؤكدا ” على أن العبارة أخرجت من سياقها “، ومضيفا رسالة الاطمئنان للطرف المعادي في قوله ” إن خيار حزب النهضة في الحكم السياسي هو خيار النظام الجمهوري الديمقراطي الذي يستمد شرعيته من الشعب “. وقد فتح تراجع الجبالي السريع عن تصريحه هذا الباب أمامه ليكون رئيسا للحكومة التونسية القادمة، ثم كان تصريح رئيس الحركة الغنوشي أن الجبالي هو رئيس وزراء تونس وليس الخلافة العثمانية.
وفي هذا السياق كتب الدكتور رفعت السعيد على موقع ” أهل القرآن ” في2012/01/07 مقالا بعنوان ” عن الخلافة وأوهامها ” محاولا بشكل مفتعل مفتقِر إلى الفهم الشرعي نفي القول بفرض الخلافة كنظام للحكم في الإسلام. حيث اعتبر أقوال علماء المسلمين كالشهرستاني والجرجاني والغزالي والآمدي في اعتبار أن الخلافة ليست من أصول العقائد دليلا على عدم فرضها، والدكتور معذور في اعتباره هذا؛ لأنه لا يستطيع أن يفرق بين العقيدة والحكم الشرعي. فإثبات فرض الخلافة هو إثبات لحكم شرعي تضافرت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة على إثباتها، ومحلها ليس في باب العقائد. وأنقل للدكتور ما نقله هو نفسه عن الجرجاني فى «شرح المواقف» «إن الخلافة ليست من أصول الديانات والعقائد، بل هي من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين»، والحكم الشرعي هو خطاب الشارع سبحانه المتعلق بأفعال العباد ” المكلفين “، بينما العقيدة هي التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل.
وفي سياق متصل فقد أصدر حزب التحرير -الذي ارتبط اسمه في الساحة الإسلامية بالدعوة المركزة لإقامة الخلافة الإسلامية- أصدر العديد من البيانات التي تتحدث عن الوضع في مصر، وقام بتوزيعها بشكل كفاحي موسع، كان آخرها ذلك البيان بتاريخ 2012/01/06 الذي يحمل عنوان “أيّها الأهل في مصر: هل يجب أن تُجرِّبوا لعقود أخرى من الزمن، دولة علمانية ديمقراطية بمجلس شعب منتخب لا حول له ولا قوة، لتدركوا أن لا خلاص لكم إلا بالخلافة الإسلامية الراشدة؟!”، وأثناء توزيع البيان للناس قام بمنع التوزيع بعضُ من لهم اتصال بالأجهزة الأمنية، زاعمين أنهم من السلفيين، في حين أن السلف الصالح قدَّم انتخاب الخليفة على دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعظم فرضها، وأما هؤلاء فقد منعوا الأستاذ أحمد أبو ضيف عضو الحزب من إتمام عملية توزيع بيان عن فرض الخلافة! ومن ثم قاموا بتسليمه إلى الشرطة، ومن بعدُ إلى النيابة التي أخلت سبيله بمحضر رسمي وأعادت له باقي المنشورات.
وعلى أثر هذه الحادثة التي أبرزتها الصحافة على أنها اشتباكات عنيفة بين شباب الحزب وبعض السلفيين! قامت محطة دريم 2 الفضائية يوم 2012/01/10 بدعوة الأستاذ محمد عبد القوي وكيل مؤسسي حزب التحرير بمصر، والأستاذ محمود الطرشوبي عضو المكتب الإعلامي، والأستاذ أحمد أبو ضيف صاحب الواقعة، لحضور حلقة في برنامج الحقيقة الذي يقدمه الأستاذ وائل الإبراشي في حوار بينهم فقط للتعريف بالحزب. ويبدو أن موضوع الحلقة قد دُبِّر بليل حيث فوجيء شباب الحزب بضيوف لم يعلن عنهم في محاولة لضرب فكرة الخلافة، وتشويه صورة الحزب، وذلك من خلال استضافة ضيوف معروف عنهم رفضهم لفكرة الخلافة، ولكن باء تخطيطهم بالفشل فقد كانت ردة الفعل في الوسط السياسي في مصر لافتة للنظر، وقامت بعدها صحفٌ عديدة بإفراد مساحة واسعة لنشر تعريف بحزب التحرير الذي يدعو للخلافة.
ففي حين قرأ مقدم البرنامج بيان المجلس العسكري حول حزب التحرير، لم يقرأ رد الحزب على بيان المجلس العسكري الذي بين فيه الحزب أنه حزب عالمي يعمل على توحيد بلاد المسلمين في دولة الخلافة الاسلامية، لكن الإبراشي تجاهل الأمر لحاجة في نفس يعقوب!
وكأنّ الدكتور عبد الرحيم علي كان دوره ضرب فكرة الخلافة من خلال التأكيد على عدم فرضها بدون أن يقدم أي دليل شرعي، بينما كان دور الدكتور عبد الله بن عمرعبدالرحمن -فرّج الله عن أبيه وفك أسره من سجون أمريكا التي تقود العالم في حربها ضد الخلافة- مركَّزا على محاولة تشويه الحزب من خلال نقله لمجموعة من الافتراءات والأكاذيب عن الحزب من بعض الكتب التي ألِّفت خصيصاً عن الحزب في أوقات سابقة، نقلها الباحث دون إنعام نظر ودون دليل. ولقد جهل الدكتور عبد الله بن عمر عبد الرحمن في قوله إننا نَعدّ شيخنا مجتهداً مطلقاً في حين أننا نقول إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليس مجتهداً مثل شيخنا، جاعلاً المسألة هي المقارنة بين القدرة على الاجتهاد!! إن هذا غريب عجيب، فكيف يرى في قولنا “لا يجوز في حق الرسول أن يكون مجتهداً” أنها تعني أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يستطيع الاجتهاد وأن شيخنا يستطيع؟!
لقد خلط الدكتور ابن عمر عبد الرحمن، جهلاً أو عمداً، بين كون الاجتهاد يحتمل الخطأ والصواب، وهذا لا يجوز في حق الرسول لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى، ولا يقول إلا صوابا… ويجوز الاجتهاد في حق شيخنا الذي هو كغيره من المجتهدين رأيه صواب يحتمل الخطأ. لقد خلط بين هذا وبين القدرة على الاجتهاد بحيث صوَّر للسامع كأننا نعدّ قدرة شيخنا فوق قدرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الاجتهاد! ألا ساء ما يفهمون.
لكن الذي لا شك فيه هو أن الحزب استفاد كثيرا من هذه الحلقة التي ساهمت في كسر التعتيم المفروض على الحزب في مصر، فخبر توقيف الشاب وعرضه على النيابة ومن ثم الإفراج عنه، كان خبراً صدع به الإعلام، في حين أن خبر اعتقال 120 شابا من شباب الحزب عام 2002م لم يحظ بتغطية إعلامية مماثلة آنذاك رغم أهميته، وبخاصة وأنه قد تم إحالة 24 شابا إلى القضاء يومها وصدرت بحقهم أحكامٌ تراوحت ما بين سنة إلى خمس سنوات.
لقد أثبت حزب التحرير تمسكا منقطع النظير بفكرته التي قام يدعو إليها، متحملا في سبيلها شتى أنواع التضييق والملاحقة الأمنية، صابرا محتسبا لا يخشى في الله لومة لائم، حتى ارتبط اسمه بالخلافة وارتبطت الخلافة باسمه، وسيبقى على ذلك بإذن الله حتى تحقيق أهدافه باستئناف الحياة الإسلامية عن طريق الخلافة الراشدة التي بشر بعودتها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد هذا الملك الجبري الجائر، في حين أننا رأيْنا حركاتٍ إسلامية أخرى تقدم تنازلاً تلو الآخر في سبيل وصولها إلى الحكم، فكيف سيكون تنازلها للبقاء في سدَّة الحكم؟!
قال تعالى: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي }
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير- ولاية مصر