هل أذن الله سبحانه وتعالى بالتغيير وعجل بنهاية الملك الجبري؟ ج1
1. لم يكن من الممكنِ طرح هذا السؤال قبلَ بدايات هذا العام 1432هجرية الموافق 2011 ميلادية، بل كان الحديثُ عن هذا الموضوع من بابِ الخُرافة والحُلم، إن لم يكن من بابِ المستحيلات في رأي كلِّ من ينظرُ إلى الأمور بنظرةٍ ماديةٍ تستندُ إلى واقع العالمِ العربي، والسببُ وراءَ ذلك يكمنُ في أن أنظمة الجبرّ كانت ضاربةٌ جذورها في الأعماق، وجاثمةٌ على قلوب الشعوبِ التي تُحكِم قبضتها عليها بالحديد والنار، كانت تزرعُ عيونها في كل مكان فتقبض على كل من همَّ بالمس بنظامها المقدس، أو سولت له نفسهُ انتقادَه، كانت تأمر وتنهى وتحكمُ وفق هواها كما تشاء دونَ حسيبٍ ولا رقيب.
ولكن سنة التغييرِ هي من سنن الله تعالى، وقد تحدث بلمح البصر، وهي ممكنة مهما كانت قوة تلك الجيوش وولاؤها للحكام، ووعدُ الله قائم للمخلصين بالتمكين. قال تعالى: { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}. (آل عمران 26).
2. أمام هذا الوضع وجد العلماء والدعاة ومعهم الحركات الإسلامية والجمعيات الحقوقية وذوو المروءة من الأحزاب السياسية أنفسهم عاجزين عن تفسير هذا الواقع المرير ولكن ابتداء من بدايات هذا العام أتى أمر الله على هذه الأنظمة، فصيرها ريشة في مهب الريح على يد حركة تغييرية شبابية أحرجت أجيالاً سبقتها لم تستطع إحداث هذا التغيير على الأنظمة العربية فتحولت الفيلة الضخمة إلى جرذان، والذئاب المكشرة إلى قطط وديعة، وانقشع الغبار فاكتشف كل واحد من الحكام أنه كان يركب حماراً أعرج أجرب بعدما كان يتوهم أنه يمتطي جواداً أدهم، وانقلبت عزته إلى ذلة وقوته إلى ضعف ومهانة.
إن زمناً هيمنت فيه المادة، وأصبح كل شيء فيه يقاس بمقاييس مادية من السهل أن ينسى علماؤه، أو على الأقل يتناسوا حديثاً مهماً جداً رسم فيه محمد صلى الله عليه وسلم الخط السياسي لأمته منذ عصر النبوة إلى قيام الساعة.
3. وفي ظل هذا الحراك السياسي الذي نعيشه حالياً عاد بعض العلماء إلى تناول هذا الحديث، وسوق بشاراته العظمى للشعوب الثائرة من أجل التغيير.
نص الحديث:
أ- ( قال أبو داود الطيالسي: حدثنا داود الو اسطي وكان ثقة سمعت حبيب بن سالم سمعت النعمان بن بشير بن سعد قال: كنا قعوداً في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو ثعلبة فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء وكان حذيفة حاضراً مع بشير فقال حذيفة : أنا أحفظ خطبته فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تكون فيكم النبوة ما شاء أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم تكون ما شاء أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون ما شاء الله أن تكون،ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة).
ب- ثم في حديث مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: ( أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة)، فيكون حديث الخلافة تفصيلاً لما ورد مجملاً في هذا الحديث.
إن هذا الحديث موجود في مسند أحمد بن حنبل، والبحرِ الزخارِ بمسند البزار، وكشف الأستار لنور الدين الهيثمي، ومسند أبي داود الطيالسي، ودلائل النبوة للبيهقي وإتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبصيري، كما صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وبما أنه صح قوله صلى الله عليه وسلم كان التسليم والتصديق به تحصيل الحاصل، لأن محمداً صلى الله عليه وسلم عصمه الله تعالى في قوله : ( وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى) الآية3، 4 النجم.
ج_ إن معاني الحديث، (ملكاً عاضاً)، العض هو الشد بالأسنان على الشيء وأصل العضيض اللزوم وهو كناية عن شدة الاستمساك بأمرٍ ما ولزومه ولزق به.
د- أما (مُلكاً جبرياً) فهو من الإجبار وهو القهر والإكراه، وانطلاقا من هذا المعنى للملك الجبري لن نكون مبالغين إذا قلنا بأن عصرنا هذا هو عصر الجبر، كيف لا والحكام يحكمون بالحديد والنار، ويورثون الحكم لأبنائهم رغماً عن الشعوب، كيف لا والحكام مرضى بالكراسي يبذلون الغالي والنفيس من أجل البقاء عليه، ويحشدون الدعم الأجنبي لذلك حتى ولو تطلب الأمر تقديم الطاعة والولاء لأعداء الأمة من أمريكان ويهود.
4. وها هي الأمور قد تغيرت بين عشية وضحاها فقد حُدَّ من سياسةِ تكميمِ الأفواهِ بعد سقوط أنظمة الجبر. وقضي على الخوف وعاد إلى الأحضان من نفتهم الأنظمة لسنوات عقاباً لهم على كلمة حق عبروا عنها، وخرج من السجون أناسٌ رمتهم أيادي الأنظمة الظالمة في غيابات الهجر بسبب رأي سياسي عبروا عنه وأتيحت الفرصة أمام الحركات الإسلامية والأحزاب الإسلامية مثل حزب التحرير الذي يدعو للخلافة على منهاج النبوة منذ نشأته – لتوصل كلمتها إلى الناس مباشرة.
5. الآن وأمام هذا التغيير الذي فاجأ الجميع، هل يمكن القول بأن نجم الخلافة الثانية على منهاج النبوة قد لاح بالأفق؟. وهل يكون هذا الحراك هو الإرهاصات الأولى لمخاض سيسفر عن المولود الذي تنتظره الأمة بشوق؟
6. إن إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة قد بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا فضلاً عن كونها أمراً من أوامر المولى جل وعلا، يجب على كل مسلم أن يبذل قصارى جهده لتنفيذه.
أ- يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشرقها ومغربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها). رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وهذا لم يحدث إلى الآن، حيث إن هناك بلاداً لم يفتحها المسلمون في عصر مضى إلى الآن وسوف يحدث إن شاء الله.
ب- يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدرٍ ولا وبرٍ إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عز يعز به الله الإسلام وذلٍ يذل به الكفار). رواه أحمد والطبراني وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح.
جـ – وهنا نذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم :أمتي أمتةٌ مباركة لا تدري أولها خيرٌ أم آخرها). رواه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان وأشار السيوطي إلى حسنه.
7. أ- ورد عن حذيفة رضي الله عنه حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تكون النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون فيكم ما شاء أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه، ثم تكون ملكاً جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي ويُلقي الإسلام جرانَهُ في الأرض يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطرٍ إلا صبته مدرارا، ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركاتها شيئاً إلا أخرجته). رواه العراقي من طريق أحمد وقال هذا حديث حسن صحيح.
ب- أخرج أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بسند صحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( لو لم يبقى من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلما).
وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه فقلنا يا رسول الله صنعت شيئاً في منامك لم تكن تفعله؟ فقال: العجب أن أناساً من أمتي يؤمون هذا البيت لرجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم فقلنا يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس، فقال: نعم فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل، يهلِكون مهلِكاً واحداً ويَصدُرون مصادرَ شتى يبعثهم الله عز وجل على نياتهم). هذه رواية مسلم.
نكتفي أيها الإخوة الكرام إلى هنا في هذه الحلقة ونتابع ما تبقى من هذا الموضوع والذي أرسله لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير الأستاذ هاني البطاينة ( أبو أيمن ) جزاه الله خيرا في الحلقة القادمة إن شاء الله ومع المراحل التي مرت بها الأمة الإسلامية في تاريخها، إلى ذلك الوقت نستودعكم الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.