Take a fresh look at your lifestyle.

أضواء على السياسة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

 

منذ انهيار الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس والسياسة الخارجية البريطانية تعمل بجد من أجل مواكبة الظروف الدولية والحفاظ على ما تبقى لها من مناطق نفوذ وخصوصاً بعد حملة التصفية التي قادتها أميركا والاتحاد السوفيتي السابق في القرن الماضي ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي، وذلك عن طريق استثمار الأحداث وعدم القيام بالأعمال مباشرة بل عن طريق أذرعها ومن هم لا يزالون على الولاء لها. كل ذلك من أجل تحقيق الهدف وهو بقاء بريطانيا عاملاً مؤثراً في النظام الدولي.

 

ولكون بريطانيا ومنذ تأخرها عن مركز الدولة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية وبعد حملة التصفية ضدها لم تعد قادرة على صناعة الأحداث وإنما أصبحت سياستها الخارجية تنحو منحى التقارب مع صانع الأحداث والمؤثر فيه وربط ذلك بالسياسة البريطانية وذلك في العلن وأما في الخفاء فهي تعمل على استغلال شبكة عملائها في المنطقة تحت إرشادها وتوجيهها .

 

إن السياسة البريطانية اليوم تعمل على كسب أكبر قدر من النتائج بأقل التكاليف بل باستخدام مال وقدرات الغير، وحتى نرى أثر الأعمال السياسية البريطانية سنتناول أمثلة توضح السياسة البريطانية تجاه الشرق الأوسط وإفريقيا.

 

أما بالنسبة للشرق الأوسط وإفريقيا ولكي يكون واضحا لدينا اهتمام الساسة الإنجليز بالشرق الأوسط، يوجد منصب في الحكومة البريطانية لحقيبة وزارية تسمى وزارة الدولة البريطانية لشؤون الشرق الأوسط ويشغل هذا المنصب حاليا “ألستير بيرت” الذي ينشط في الزيارات والتصريحات وكأمثلة على ذلك: قام هذا الوزير بتاريخ 1 نوفمبر 2011 بإلقاء محاضرة أمام طالبات جامعة زايد بمقرها الجديد حول الأوضاع العربية وما يعرف بالربيع العربي. وأكد في بداية المحاضرة أن علاقات التعاون بين بلاده والإمارات مثمرة وراسخة، مشيرا إلى أن هناك ما يقرب من مائة ألف مواطن بريطاني يقيمون في الدولة. (الشرق الأوسط العدد 12026) بالإضافة للتصريحات ففي مقابلة مع صحيفة جويش كرونيكل بتاريخ 30-09-2011 دعا وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط ألستير بيرت إلى الاستعداد للتعامل مع حكومات إسلامية في أعقاب الربيع العربي وأضاف “علينا أن لا نُفاجأ إذا ما هيمن الإسلاميون على برلمانات أو حتى حكومات دول الربيع العربي” ووصف وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط الوضع في سوريا بأنه مقلق جداً، وقال “إنه أمضى معظم وقته في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي في إجراء محادثات مع دول تملك نفوذاً على سوريا أكبر من بريطانيا”. ولا شك أنه يقصد بذلك أميركا.

 

بالإضافة إلى اللقاءات مثل لقائه مشيل سليمان ونبيه بري وسعد الحريري في لبنان ولقائه عدد من أعضاء المجلس الوطني السوري المعارض في أواخر أيلول/ سبتمبر. ولقائه أيضا ملك الأردن بتاريخ 20-10-2011 في اجتماع جرى خلاله بحث علاقات التعاون الثنائي وآليات تطويره في مختلف المجالات. ودعمه المبادرة الخليجية لتسوية الوضع في اليمن بشدة، وغير ذلك كثير.

 

وفي اجتماع في مجلس العموم البريطاني بتاريخ 17 مارس 2011 قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ حول سياسة المملكة المتحدة تجاه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “تحتل منطقة الشرق الأوسط مركزا محوريا في الشؤون الخارجية للحكومات البريطانية المتعاقبة ولأعضاء مجلس العموم على كلا الطرفين لأسباب جوهرية، ومنذ وقت طويل. فهي منطقة ضرورية لأجل أمننا واقتصادنا. كما أن العديد من أكبر التحديات في الشؤون الخارجية، بما فيها انتشار الأسلحة النووية والإرهاب والتطرف الديني والقرصنة، حاضرة في تلك المنطقة” (موقع مكتب الكومنولث).

 

ولقاءات رئيس الوزراء ديفيد كاميرون مع ملك الأردن في 10/11/2011 ومع الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، بتاريخ 26/11/2011،. جرى خلال هذين اللقاءين بحث العلاقات الثنائية بين هذين البلدين وبريطانيا. كما تم استعراض آخر المستجدات في المنطقة من وجهة نظر بريطانيا.

 

وليس ذلك محصوراً في الزيارات والتصريحات بل يتعدى ذلك، ففي قطر يوجد فرع المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن(RUSI)  البريطاني ويقوم هذا المعهد كما يعرف عن نفسه بأعمال البحث وتسهيل الحوار في كافة الشؤون المختصة بالدفاع والأمن والتي تؤثر على الخليج ومنطقة الشرق الأوسط على الصعيد الأوسع. ويقوم المعهد الملكي بأبحاث الهدف منها إعطاء تصورات وحلول عن التحديات الحالية والمستقبلية والفرص المتاحة للتغلب عليها. ومعهد قطر يستعين بخبرات المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن Royal United Services Institute for Defense and Security Studies – وهو أقدم مؤسسات الفكر الدفاعي والأمني في العالم.

 

ولنا أن نرى أن العاملين في هذا المعهد البريطاني الموجود في قطر هم من المتخصصين في قضايا الخليج والشرق الأوسط فعلى سبيل المثال نائب مدير المعهد هو ديفيد روبرتس انضم إلى المعهد في كانون الثاني/ يناير 2011 أثناء إكمال الدكتوراه في جامعة دور هام حيث كانت أطروحة الدكتوراه تتعلق بالأمن والعلاقات القطرية وهذا الباحث عاش وعمل في منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك 9 شهور في قطر لبحث أطروحته.

 

وشخص آخر يدعى بيتر براون حاصل على الماجستير في دراسات الشرق الأوسط و الأدنى من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن وأطروحته للماجستير كانت تتعلق  بدراسة تحليلية لخطابات الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بين عام 1982 وعام 2010 ومدى ترجمتها على أرض الواقع.

 

وأما ماثيو ماتشووسكي فقد التحق بالمعهد الملكي كباحث في عام 2011 بعد أن حصل على إجازة في الدراسات الدولية من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن وكانت أطروحته تناقش بروز قطر كنظام حديث مع التركيز على عملية التحرر السياسي تحت حكم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.

 

وهذا يفسر لنا نشاط قطر السياسي وخصوصا في أحداث الربيع العربي ماليا وسياسيا فتدخلها في ليبيا واضح للعيان وذهاب عدد من زعماء الثورة الليبية من وإلى قطر واللقاء مع حكام قطر، ورعايتها للمجلس الوطني السوري وعلى رأسه برهان غليون واضح كذلك، وأيضا نلمس تعاون الأردن مع قطر في كثير من القضايا مثل إعادة إعمار ليبيا وتكوين جيش في ليبيا وتدريبه وهذا ما نقصد به استخدام ثروات الأمة من أجل خدمة بريطانيا.

 

وتعتمد بريطانيا في تأثيرها في المنطقة على صناعة العملاء والأتباع، وهذا الإعداد والصناعة يبدأ في وقت مبكر جدا من حياة العميل، فهي ترضعه الولاء لها منذ الصغر، وتعتني بتعليمه وتدريبه ولنا في ذلك أمثلة كثيرة: فالعائلة الحاكمة في الأردن لا تزال ترسل أبناءها للدراسة في كلية سانت هيرست وكذلك العائلات الحاكمة في دول الخليج مثل قطر وعمان والإمارات المتحدة وبعض أمراء السعودية.

 

وهذا شيء بسيط من أعمال بريطانيا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للحفاظ على مصالحها مع محاولة عدم الاصطدام مع مصالح الولايات المتحدة الأميركية فهي تستخدم الدهاء السياسي وثروات المستعمرات في السابق وثروات عملائها حاليا للحفاظ على مصالحها بالإضافة على الاعتماد على العملاء. ففي السابق  كان الملك حسين ملك الأردن هو رأس حربتها والوسيط بين بريطانيا وأتباعها، أما الآن فيبدو أن الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني قد استلم الراية بعد الملك حسين للحفاظ على مصالح الإنجليز في المنطقة.

 

وجملة القول إن سياسة بريطانيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي سياسة دولة كبرى تريد السيطرة والمحافظة على النفوذ فلا يظن المسلمون أن بريطانيا تسعى لمساعدتهم أو انتشالهم مما هم فيه  بل هي على العكس تسخر من أبناء الأمة من يقوم بتحقيق أهدافها, فيجب أن تفهم سياستها على هذا الوجه من أنها دولة استعمارية تطمع في بلادنا فضلا عن أنها دولة كافرة وهي التي هدمت دولة الخلافة الإسلامية العثمانية عام 1924م عن طريق عميلها الخائن مصطفى كمال أتاتورك.  أما كيف السبيل لضربها الضربة القاضية فهذا تحكيه الأفعال لا الأقوال وتترجمه البطولات والعبقريات إلى واقع محسوس ملموس عند قيام دولة الإسلام بإذن الله ولا يسطر في الأوراق وبطون الكتب، وإن غدا لناظره لقريب.

 

 

محمد ذيب