مع الحديث الشريف أولياء الله
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ورد في صحيح البخاري ، عنأبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قال ” من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته “
ورد في شرح الحديث في كتاب ” فتح الباري بشرح صحيح البخاري ” بتصرف:
قوله ( من عادى لي وليا ) المراد بولي الله العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته. وقد استشكل وجود أحد يعاديه لأن المعاداة إنما تقع من الجانبين ومن شأن الولي الحلم والصفح عمن يجهل عليه, وأجيب بأن المعاداة لم تنحصر في الخصومة والمعاملة الدنيوية مثلا بل قد تقع عن بغض ينشأ عن التعصب كالرافضي في بغضه لأبي بكر, والمبتدع في بغضه للسني, فتقع المعاداة من الجانبين, أما من جانب الولي فلله تعالى وفي الله, وأما من جانب الآخر فلما تقدم. وكذا الفاسق المتجاهر ببغضه الولي في الله وببغضه الآخر لإنكاره عليه وملازمته لنهيه عن شهواته. وقد تطلق المعاداة ويراد بها الوقوع من أحد الجانبين بالفعل ومن الآخر بالقوة, …وقال ابن هبيرة في ” الإفصاح ” قوله ” عادى لي وليا ” أي اتخذه عدوا, ولا أرى المعنى إلا أنه عاداه من أجل ولايته وهو إن تضمن التحذير من إيذاء قلوب أولياء الله ليس على الإطلاق بل يستثنى منه ما إذا كانت الحال تقتضي نزاعا بين وليين في مخاصمة أو محاكمة ترجع إلى استخراج حق أو كشف غامض, فإنه جرى بين أبي بكر وعمر مشاجرة, وبين العباس وعلي, إلى غير ذلك من الوقائع انتهى…
قوله ( فقد آذنته ) أي أعلمته, والإيذان الإعلام, ومنه أخذ الأذان.
قوله ( بالحرب ) … وقد استشكل وقوع المحاربة وهي مفاعلة من الجانبين مع أن المخلوق في أسر الخالق, والجواب أنه من المخاطبة بما يفهم , فإن الحرب تنشأ عن العداوة والعداوة تنشأ عن المخالفة وغاية الحرب الهلاك والله لا يغلبه غالب, فكأن المعنى فقد تعرض لإهلاكي إياه. فأطلق الحرب وأراد لازمه أي أعمل به ما يعمله العدو المحارب. قال الفاكهاني: في هذا تهديد شديد, لأن من حاربه الله أهلكه, وهو من المجاز البليغ, لأن من كره من أحب الله خالف الله ومن خالف الله عانده ومن عانده أهلكه, وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة ثبت في جانب الموالاة, فمن والى أولياء الله أكرمه الله. وقال الطوفي: لما كان ولي الله من تولى الله بالطاعة والتقوى تولاه الله بالحفظ والنصرة, …
قوله ( وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ) … ويدخل تحت هذا اللفظ جميع فرائض العين والكفاية, وظاهره الاختصاص بما ابتدأ الله فرضيته, …ويستفاد منه أن أداء الفرائض أحب الأعمال إلى الله. قال الطوفي: الأمر بالفرائض جازم ويقع بتركها المعاقبة بخلاف النفل في الأمرين وإن اشترك مع الفرائض في تحصيل الثواب فكانت الفرائض أكمل, فلهذا كانت أحب إلى الله تعالى وأشد تقريبا, وأيضا فالفرض كالأصل والأس والنفل كالفرع والبناء, وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به امتثال الأمر واحترام الآمر وتعظيمه بالانقياد إليه وإظهار عظمة الربوبية وذل العبودية فكان التقرب بذلك أعظم العمل, والذي يؤدي الفرائض قد يفعله خوفا من العقوبة ومؤدي النفل لا يفعله إلا إيثارا للخدمة فيجازى بالمحبة التي هي غاية مطلوب من يتقرب بخدمته.
قوله ( يتقرب إلي ) التقرب طلب القرب, قال أبو القاسم القشيري: قرب العبد من ربه يقع أولا بإيمانه, ثم بإحسانه. وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه, وفي الآخرة من رضوانه, وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه…
قوله ( بالنوافل حتى أحببته ) ظاهره أن محبة الله تعالى للعبد تقع بملازمة العبد التقرب بالنوافل, وقد استشكل بما تقدم أولا أن الفرائض أحب العبادات المتقرب بها إلى الله فكيف لا تنتج المحبة ؟ والجواب أن المراد من النوافل ما كانت حاوية للفرائض مشتملة عليها ومكملة لها, ويؤيده أن في رواية أبي أمامة ” ابن آدم. إنك لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك ” وقال الفاكهاني: معنى الحديث أنه إذا أدى الفرائض ودام على إتيان النوافل من صلاة وصيام وغيرهما أفضى به ذلك إلى محبة الله تعالى.
قال بعض الأكابر: من شغله الفرض عن النفل فهو معذور ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور.
قوله ( ولئن استعاذني ) والمعنى أعذته مما يخاف, … ويستفاد منه أن المراد بالنوافل جميع ما يندب من الأقوال والأفعال . وقد وقع في حديث أبي أمامة المذكور “وأحب عبادة عبدي إلى النصيحة” وفي الحديث عظم قدر الصلاة فإنه ينشأ عنها محبة الله للعبد الذي يتقرب بها, وذلك لأنها محل المناجاة والقربة, ولا واسطة فيها بين العبد وربه, ولا شيء أقر لعين العبد منها ولهذا جاء في حديث أنس المرفوع “وجعلت قرة عيني في الصلاة” أخرجه النسائي وغيره بسند صحيح, ومن كانت قرة عينه في شيء فإنه يود أن لا يفارقه ولا يخرج منه لأن فيه نعيمه وبه تطيب حياته, وإنما يحصل ذلك للعابد بالمصابرة على النصب, فإن السالك غرض الآفات والفتور…
قوله ( يكره الموت وأنا أكره مساءته) في حديث عائشة ” إنه يكره الموت وأنا أكره مساءته ” عن الجنيد سيد الطائفة قال الكراهة هنا لما يلقى المؤمن من الموت وصعوبته وكربه وليس المعنى أني أكره له الموت لأن الموت يورده إلى رحمة الله ومغفرته انتهى .
وعبر بعضهم عن هذا بأن الموت حتم مقضي وهو مفارقة الروح للجسد ولا تحصل غالبا إلا بألم عظيم جدا كما جاء عن عمرو بن العاص أنه سئل وهو يموت فقال : كأني أتنفس من خرم إبرة وكأن غصن شوك يجر به من قامتي إلى هامتي ” وعن كعب أن عمر سأله عن الموت فوصفه بنحو هذا فلما كان الموت بهذا الوصف والله يكره أذى المؤمن أطلق على ذلك الكراهة ويحتمل أن تكون المساءة بالنسبة إلى طول الحياة لأنها تؤدي إلى أرذل العمر وتنكس الخلق والرد إلى أسفل سافلين .
في هذا الحديث عظم قدر الولي لكونه خرج عن تدبيره إلى تدبير ربه وعن انتصاره لنفسه إلى انتصار الله له وعن حوله وقوته بصدق توكله . قال ويؤخذ منه أن لا يحكم لإنسان آذى وليا ثم لم يعاجل بمصيبة في نفسه أو ماله أو ولده بأنه سلم من انتقام الله فقد تكون مصيبته في غير ذلك مما هو أشد عليه كالمصيبة في الدين مثلا .
ويبين هذا الحديث أوصاف الأولياء ، وفضلهم ومقاماتهم . فأخبر أن معاداة أوليائه معاداة له ومحاربة له . ومن كان متصديا لعداوة الرب ومحاربة مالك الملك فهو مخذول ، ومن تكفل الله بالذب عنه فهو منصور ، وذلك لكمال موافقة أولياء الله لله في محابه ، فأحبهم وقام بكفايتهم ، وكفاهم ما أهمهم .
وأولياء الله هم الذين تقربوا إلى الله بأداء الفرائض والنوافل أولا : من صلاة وصيام وزكاة وحج ، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وجهاد ، وقيام بحقوقه وحقوق عباده الواجبة .
فأولياء الله قاموا بالفرائض والنوافل ، فتولاهم وأحبهم وسهل لهم كل طريق يوصلهم إلى رضاه ، ووفقهم وسددهم في جميع حركاتهم ، فإن سمعوا سمعوا بالله ، وإن أبصروا فلله ، وإن بطشوا أو مشوا ففي طاعة الله.
ومع تسديده لهم في حركاتهم جعلهم مجابي الدعوة : إن سألوه أعطاهم مصالح دينهم ودنياهم ، وإن استعاذوه من الشرور أعاذهم .
ومع ذلك لطف بهم في كل أحوالهم ، ولولا أنه قضى على عباده بالموت لسلم منه أولياؤه ، لأنهم يكرهونه لمشقته وعظمته ، والله يكره مساءتهم ، ولكن لما كان القضاء نافذا كان لا بد لهم منه .
فبين في هذا الحديث صفة الأولياء ، وفضائلهم المتنوعة ، وحصول محبة الله لهم التي هي أعظم ما تنافس فيه المتنافسون ، وأنه معهم وناصرهم ، ومؤيدهم ومسددهم ، ومجيب دعواتهم .
وفي الختام ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أوليائه ، أولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون…..
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.