خبر وتعليق على المسلمين الوقوف في وجه الأمم المتحدة
” ظهرت الأمم المتحدة نتيجة لاتفاق بين القوى العظمى من قبل روزفلت وتشرتشل وستالين، حيث خلصوا إلى أنّ تأسيس منظمة عالمية يصب في مصلحة دولهم، لذلك فإنّه ينبغي على المرء أن يتساءل لماذا خلصوا إلى هذا ومن ثم ادعوا أسباب المثالية؟ ” مارك مازور.
إنّ استخدام حق النقض “الفيتو” المزدوج الأخير من قبل روسيا والصين ضد قرار الأمم المتحدة الداعي لإزالة الأسد أدى إلى انتقادات دولية واسعة وكشف مرة أخرى عن دور الأمم المتحدة كأداة استعمارية لمساعدة القوى الكبرى في حماية مصالحها في العالم الإسلامي، فالصراع الأخير في الأمم المتحدة هو من نواح عديدة، وبإعادة الذاكرة إلى التصويت ضد قرار العراق في عام 2003 يظهر بوضوح انقسام الدول الكبرى على حماية مصالحهم المادية في سوريا، فحينها اعترضت روسيا وفرنسا على الحلف الأنجلو أمريكي ضد الجهود الرامية إلى الحصول على شرعية دولية في غزوه للعراق وإسقاط نظام صدام حسين.
وهذه المرة، تناغمت الصين وروسيا من أجل تأمين مصالحهما الإستراتيجية في سوريا من خلال إطالة عمر نظام الأسد، في حين ترى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا غير ذلك، وكلا المعسكرين يستغلان لغة الدوافع ” الإنسانية ” لإخفاء دوافعهما الخفية وتبرير مواقفهما في الأمم المتحدة، ومع ذلك، فإن الجانب الأكثر حزنا لهذه الملحمة المستمرة هو الدعم غير المحدود للأمم المتحدة من قبل الحكام في العالم الإسلامي، وبطريقة أو بأخرى فإنّ هؤلاء الحكام يعتقدون أنّه من خلال السعي نحو شرعية الأمم المتحدة والتضرع للقوى الكبرى يمكن أن تُحل مشاكل الأمة الإسلامية، بالرغم من أنّ التاريخ يعلمنا عكس ذلك تماما.
ومنذ ولادة الأمم المتحدة في عام 1945، فقد تم استخدامها من قبل القوى الكبرى لتعزيز هيمنتها في جميع أنحاء العالم. وقد عانت الأمة الإسلامية بسبب الأمم المتحدة أكثر من أي أمة أخرى، فقد استخدم الغرب الأمم المتحدة في تقسيم البلاد الإسلامية مثل فصل بنغلادش عن باكستان، وفي تقطيع أوصال البوسنة وفصل تيمور الشرقية عن اندونيسيا، وعلاوة على ذلك فإنّه تم استخدام الأمم المتحدة من قبل أمريكا لوضع خنجر في قلب الأمة الإسلامية من خلال إنشاء دولة لليهود عام 1948، ودعم وجودها عن طريق إصدار 58 قرار فيتو منذ عام 1972.
وبناء على وصاية القوى الغربية، فقد لعبت الأمم المتحدة دورا محوريا في عزل المسلمين عن بعضهم البعض، ففي تسعينات القرن المنصرم فرضت عقوبات صارمة ضد العراق وإيران والسودان وأفغانستان، وقد أدت هذه العقوبات إلى وفاة الملايين من المسلمين، وعندما سئلت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت عن وفاة نصف مليون طفل في العراق قالت “أعتقد أنّ هذا خيار صعب جدا، ولكنه الثمن – نعتقد أنّ الثمن يستحق ذلك”. وعلاوة على ذلك، فإنّ الغرب استخدم الأمم المتحدة لتبرير غزو الصومال واحتلال العراق وأفغانستان.
كما أنّ القوى الكبرى الأخرى تمتلك سجلات سيئة السمعة في قتل المسلمين، وتستخدم الأمم المتحدة للتملص من جرائمها، فمثلا لم تفعل الأمم المتحدة شيئا يُذكر لوقف القتل في الشيشان، أو المذابح العشوائية للمسلمين في تركمانستان الشرقية (مقاطعة شينجيانغ في الصين)، وقد منعت كل من روسيا والصين مرارا وتكرارا الأمم المتحدة من التحقيق في مثل هذه الفظائع، فهذه القوى الكبرى تبذل قصارى جهدها في قمع الإسلام والمسلمين. قال الله تعالى [ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ].
نظرا لسجل الأمم المتحدة الجنائي ضد العالم الإسلامي، فإنّ جهودها المعادية لقمع وحدة المسلمين في عدم قدرتها على كبح جماح الهيمنة الأمريكية، فإنّه لا يمكن تصور لماذا يهرول حكام العالم الإسلامي بعمى إلى الأمم المتحدة، لقد خان هؤلاء القادة الله سبحانه وتعالى ورسوله، صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ].
لقد كان حقا على أي حاكم عاقل عنده القليل من الحس السليم أن يقطع العلاقات مع الأمم المتحدة، فمن شأن ذلك أن يعطي فرصة أفضل لمحاربة الإمبريالية، وحماية الأمة الإسلامية.
أما بالنسبة لبعض المسلمين الذين يتشبثون بشعاع خافت من الأمل وعندهم أمل في أنّ الأمم المتحدة ستنقذهم من محنتهم، فإنّه ينبغي عليهم أن يأخذوا حذرهم، فإنّ الله سبحانه وتعالى يقول [ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ].
والمفارقة المريرة اليوم هي أنّه في الوقت الذي يوالي حكام المسلمين الأمم المتحدة، فإنّ القوى الكبرى تدرك محدودية قدرة الأمم المتحدة ولا تزال تسعى للحيلولة دون نهضة إسلامية عالمية، ففي مثال سوريا، فإنّ أمريكا وبريطانيا (تماما كما فعلوا في عام 2003 في العراق) يستكشفون وسائل بديلة لإسقاط نظام الأسد، فقد طلبوا دعم قطر وتركيا لحماية مصالحهما في سوريا.
إنّ المصدر الوحيد القادر على حماية الأمة الإسلامية من عدوان القوى الكبرى وأداة الطغيان الدولي، الأمم المتحدة، هو في ظهور دولة إسلامية قوية، فقد كانت سياسة الخلافة العثمانية الحازمة تجاه أوروبا هي التي دفعت الدول الأوروبية لإبرام معاهدة ويستفاليا والسعي لتأسيس القانون الدولي، ولكن وقفت الخلافة العثمانية بحزم ضد القانون الدولي، وقد كانت قادرة على مطالبة الدول المتحاربة بالتوقيع على معاهدات السلام وفقا لشروطها، ودون التنازل عن موارد الأمة أو المساومة على القيم الإسلامية.
يجب على المسلمين أن لا يرجوا مساعدة من الأمم المتحدة، بل عليهم مضاعفة جهودهم لإعادة إقامة الخلافة ومبايعه الخليفة الذي سوف يحميهم من هجمة القوى الكبرى، روى مسلم عن أبي هريرة أنّه قال، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [ الإمام جُنًّة يقاتل من ورائه ويتقى به ].
عابد مصطفى