الخبر والتعليق بشار الأسد طاغية، فماذا بعده؟
عند خروجي من صلاة الجمعة من مسجد في توتينهام شمال لندن قابلت أحد الإخوة الذي أعرفه من سنين. وكان نقاشنا عن الأخبار الكثيرة التي وردت عن نظام الأسد الذي يقتل المتظاهرين في سوريا. كانت وجهة نظر الأخ هي أن “بشار الأسد طاغية لكن هل علينا أن نثور ضد نظام قد يأتي بعد سقوطه نظام أسوأ؟” وأن ما يحدث اليوم كله “لاستهداف إيران”. وبعد أيام قليلة قابلت أخا آخر عرفته لعدة سنوات أيضا. مع إخلاص هذا الأخ إلا أن موقفه تجاه الثورة في سوريا كان غريبا جدا. حيث قد ذكّرني أولا أنه سني، لكنه في الوقت نفسه يدعم النظام الإيراني عن وعي وإدراك. وكانت حجته أن بشار الأسد هو طاغية والأصل أن يسقط ومباشرة. ولكن من قد سيأتي بعد بشار قد يكون أخلص في خدمته لمصالح الكيان الصهيوني. وأن الحكم الإسلامي والخلافة هي الحل للوضع في سوريا، لكن هذا في المستقبل البعيد وليس الآن. وأنه ضد الطائفية، وعلى المسلمين أن لا يتجاهلوا النظرة الشمولية حيث أن تحركات الغرب وتركيا والسعودية هي في الحقيقة تستهدف إيران.
فمن أين نبدأ في نقاش هذه الحجج؟ ولماذا يرى الأخ الأمور بهذا الشكل؟
هل هذه النظرة هي السائدة لدى عامة الناس في بريطانيا؟ لا، لا أعتقد ذلك. فمعظم المسلمين الذين قابلتهم يدعمون ثورة إخوتنا وأخواتنا في سوريا. والبعض أثير بسبب دعم النظام الإيراني لبشار الأسد، مما أدى لتأجيج المشاعر الطائفية. إنه بالطبع من الخطأ القول أن كل الشيعة مُمَثلون بالنظام الإيراني، أو أنهم يقفون مع السفاح في دمشق. ولكن البعض قد رأو المسألة على أساس طائفي، وهذا أيضا خطأ.
لقد طرحت هذه الأمور على صفحتي في الفيسبوك وسألت عن كيفية الإجابة على ما سبق. وقد وردت الكثير من الردود، ألخصها بالتالي:
هل ستسوء الأمور بعد سقوط الأسد؟
لن يكون هناك أسوأ من الطغاة الدكتاتوريين كمثل الأسد والقذافي ومبارك وغيرهم. أوليس كافيا ما يحدث اليوم، ونحن نرى أمهاتنا وأخواتنا وإخواننا وأطفالنا يقتلون؟ أفهل ننتظر حتى يقتل الجميع؟ إن كان المسلمون يقفون ضد الظلم اليوم، فلماذا نظن أنهم سيقبلون بالظلم غدا؟ إن العالم الإسلامي لن يعود أبدا كما كان، والناس الآن لن تقبل بحكام يظلمونهم، ونحن الآن، أمة مستعدة للتضحية بالغالي والنفيس من أجل الحق. فعلينا أن لا نقلل من التغيير الحقيقي الذي حصل لعقلية الأمة والذي هو أساس الثورات في العالم العربي الآن: أن الأمة قد صحت من نومها الطويل وتؤمن أن الدكتاتوريين المجرمين لن يُوقفوا زحفها أبدا تجاه مستقبل مشرق يعم فيه العدل. فتخطي “حاجز الخوف” كان الخطوة الصحيحة في الطريق لإعادة إقامة الخلافة.
إننا مأمورون أن نقف ضد الحاكم الظالم
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: “سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله”. فالله سبحانه وتعالى أمرنا أن نأخذ على يد الظالم ومدح أولئك الذين يقومون على هذا الأمر. وهذا ما يفعله الناس الأبطال الآن في سوريا. فهنا لا نستطيع أن نحلل ونحسب المصلحة ونستخلص أن على المسلمين أن لا يثوروا لأنه قد يأتي من بعد هذا التغيير الأسوأ! فالله سبحانه وتعالى يعلم ما سيحصل غدا، وعملنا فقط هو إزالة طغاة اليوم وإبدالهم بالخلافة الإسلامية. فالحل لوقف الفتنة ومنع الطائفية من بعد سقوط طاغية الشام هو بتطبيق نظام الخلافة الإسلامية الذي يعطي الناس حقوقهم بغض النظر عن طائفتهم أو دينهم.
النصر بيد الله ينزله متى شاء، وما علينا إلا العمل بجد
إننا نؤمن أن النصر بيد الله سبحانه وتعالى وحده، ولذلك هو وحده الذي يستطيع أن يغير حالنا في أي وقت. أما واجبنا فهو أن نثبت في صراعنا ضد بشار الأسد وعصابته، ونثبت على ندائنا للخلافة الإسلامية كمخرج وحيد، ونثبت على اعتمادنا على الله وحده. فإن تأخر النصر، فهذا لا يبرر معصية الله سبحانه وتعالى بالدفاع عن أفعال بشار أو إيران. ولا يعني أن نلتجأ لغير ما أمرنا الإسلام به، كنداء البعض لقوى الغرب المستعمر أو الأمم المتحدة ليتدخلوا، مع العلم أن كلا منهم له أجندته الخاصة في أي تدخل في بلادنا. وأخيرا لا يعني أن نستيئس من قرب نصر الله.
الحكم على الأمور يجب أن يكون من منظور إسلامي، وليس من منظور الدولة القومية
لقد أدركت أن النقطة المحورية في نظرة الأخ الكريم هي الرغبة في تجنب حرب على إيران، حيث يراها حربا ضد بلد مسلم آخر كالحروب السابقة على العراق وأفغانستان. إن الإسلام من يقرر مع من نقف. وهنا نقف مع المظلومين في سوريا الذين ينتفضون بشجاعة ضد الطاغية الذي لا يحكم بشرع الله. فهذا هو الموقف الذي كان على إيران أن تتخده، وليس موقفا وطنيا لأجل مصلحة وطنية. ولذلك، كيف لنا أن نقف مع إيران التي تدعم نظام الأسد المجرم؟ إننا إن أصبحنا ننظر إلى الأحداث السياسية من زاوية غير إسلامية، فلا بد أن نقع في كل أنواع التناقضات كنظرة الأخ هذه لما يحدث في سوريا.
إضافة إلى ما سبق، من الخطأ أن نقول أن علينا أن نقف مع بشار “لأن سوريا جزء من دول الممانعة ضد الكيان الصهيوني”. فبالرغم من أن الكيان الصهيوني قام بضرب سوريا مرات عدة بصواريخ، وبالرغم من احتلاله لمرتفعات الجولان، فما الذي فعله الأسد مهددا وبشكل مباشر الكيان الصهيوني؟ لقد رأينا أن باستطاعة الأسد أن يرسل دباباته إلى حمص وحماة، أفلا يكون قادرا على بعثها إلى الجولان؟
إن المؤمنين سائرون في انتفاضتهم، وقد جعلوها خالصة لله سبحانه وتعالى، فرفعوا اسمه ودعوه وحده. فعلى باقي المسلمين الآن أن يدعموا هذه الثورات المباركة، مؤمنين بالله متوكلين عليه، لينصرنا الله في إقامة الخلافة الإسلامية التي ستحقق العدل لكل الناس، وهذا بغض النظر متى سيتنزل نصر الله، وبغض النظر عن خطط القوى الغربية وعملائهم.
تاجي مصطفى
الممثل الإعلامي لحزب التحرير في بريطانيا