الثورة الصناعية في دولة الخلافة الحلقة الثانية
القينا لكم نظرة سريعة أيها الإخوة الكرام في الحلقة السابقة على السياسة الاقتصادية في الإسلام وعن بعض الضمانات التي ضمنها الإسلام لإشباع الحاجات الأساسية عند الإنسان إشباعا كليا.
وفي هذه الحلقة سنتحدث عن السياسة التي لا بد من أن تتخذها الدولة للنهوض ماديا في البلاد.
فما هي السياسة التي لا بد من اتخاذها للنهوض ماديا في لبلاد؟
السياسة التي لا بد من اتخاذها للنهوض ماديا في البلاد إنما تتمثل في السياسة الزراعية والسياسة الصناعية. ولا بد من مراعاة أن الهدف من هذه السياسات هو التقدم المادي وهو أمر لا يتم إلا بإيجاد الثورة الصناعية. وعليه لا بد وأن تخدم السياسات المتخذة هذا الغرض.
وفي هذه الحلقة سنتحدث إن شاء الله عن السياسة الزراعية فنقول:
السياسة الزراعية لابد وأن تقوم على أساس زيادة الإنتاج الزراعي، ويمكن تحقيق ذلك بالأمور التالية:
1. زيادة حجم الأراضي الزراعية وتعميرها. وقد عالج الإسلام ذلك: من خلال إحياء الأرض الموات والتحجير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحيا أرضاً ميتةً فهي له)، ومن خلال الإقطاع الشرعي كما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن خلال أخذ الأرض من مالكها إذا أهملها فوق ثلاث سنين قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (من كانت له أرض ثم تركها ثلاث سنين فلم يعمرها فعمرها قوم آخرون فهم أحق بها).
2. توجيه الدولة للمزارعين أو من خلال المشاريع التي تشرف الدولة عليها مباشرة، توجيههم لزراعة المحاصيل الإستراتيجية وعلى رأسها القمح لأن التقصير في هذا علاوة على أنه سبب من أسباب عدم تحقيق إشباع الحاجات الأساسية، فإنه يجعل الدولة عرضة للسيطرة الاستعمارية. فقد ورد في تقرير للمخابرات الأمريكية أعد عام 1974 بناء على طلب من هنري كيسنجر: إن نقص الحبوب في العالم من شأنه أن يمنح الولايات المتحدة سلطة لم تكن تملكها من قبل، إنها سلطة تمكنها من ممارسة السيطرة الاقتصادية والسياسية تفوق تلك التي مارستها في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية…
3. زيادة الإنتاج في المواد التي لها أسواق خارج البلاد (كالقمح والقطن والفواكه والحمضيات وغير ذلك)، ولابد من الحرص عليه، لأن ذلك يعني زيادة مخزون الدولة من العملات الصعبة التي قد تحتاجها الدولة لشراء المواد اللازمة لإحداث الثورة الصناعية.
4. إنشاء مراكز الأبحاث التي تهتم بتطوير أنواع المزوعات والبذور والأعلاف لزيادة إنتاجها وتحسينها أو لجعلها ملائمة للظروف المناخية الصعبة، وكذلك تطوير المواد الكيميائية والأدوية التي تساعد على تحسين نمو المزروعات وجعل التربة صالحة للزراعة ومقاومة المواشي والطيور للأمراض.
5. العمل على زيادة وتحسين المراعي الطبيعية، وذلك يتم من خلال زراعة النباتات المرغوبة ذات القيمة الرعوية العالية بما يتفق مع أنواع التربة المختلفة وهنا يبرز دور النقطة السابقة.
6. الاهتمام بزيادة الثروة الحيوانية كالأبقار والأغنام والدواجن والأسماك وما يتصل بها من حليب وبيض ونحوه، إما بإشراف الدولة بشكل مباشر أو من خلال دعم مربي الماشية أو من خلال كليهما. ويلزم ذلك العمل على توفير ودعم إنتاج طعام الحيوانات. ومن هنا تبرز الحاجة للنقطتين السابقتين.
7. العمل على الإبداع في طرق حفظ وتخزين المنتجات الحيوانية والنباتية عن طريق التعليب والتجفيف ونحوهما، ولنا عبرة في قصة سيدنا يوسف عليه السلام، قال تعالى: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ) ولا بد للدولة أن تشرف على هذا الأمر بشكل مباشر وتحث الأفراد على ذلك وتوجههم، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يجوع أهل بيت عندهم التمر). وإشراف الدولة لازم حتى لا يؤدي التخزين إلى الاحتكار.
8. زيادة الإنتاج في المزروعات التي تستخدم في صناعة الملابس لأنه من الحاجات الأساسية. كالقطن، وكذلك المنتجات التي يؤخذ منها الصوف والجلود والحرير ونحوها.
وحين الشروع في تنفيذ ما سبق لا بد من ملاحظة الأمور التالية:
أولاً: أن بعض التجار وضعاف النفوس قد يدخرون الغذاء حتى إذا شح وارتفع سعره باعوه. وهنا يأتي دور الدولة في محاربة الاحتكار من خلال توفير المواد اللازمة للسوق وبالتالي تنخفض الأسعار آليا دون الحاجة للتسعير.
ثانياً: إن الغاية من هذه السياسات وغيرها هو إيجاد الثورة الصناعية وليس الثورة الزراعية. لأن التقدم المادي الحقيقي لا يحصل إلا بها أي – إيجاد الصناعات الثقيلة-. فلا بد من إدارة الأمور حتى تخدم هذا الغرض. فمثلاً لا يصح للدولة في بدايتها العمل على إيجاد السدود والآبار الارتوازية إن كانت الكفاية متحققة بما هو قائم. بل تسخر هذه الأموال في إقامة المصانع الثقيلة.
ثالثاً: قال تعالى: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ) فالغذاء موجود لا يحتاج إلا إلى الإنتاج والتوزيع وفق أحكام الشرع. فالسودان مثلا يجوع سكانه، مع أن قيمة الحليب المراق على الأرض يقدر بسبعمئة مليون دولارسنوياً. وكتب أحد المبعوثين الأميركيين إلى الرئيس الأميركي يقول: إن الشرق الأوسط مجرة كونية هائلة من حقول البترول. لا يعرف أحد نظيراً لها في الدنيا. وإن السعودية هي شمس هذه المجرة، فهي أكبر بئر بترول في الشرق الأوسط.
رابعاً: إن النظر في التطبيقات السابق ذكرها وحدها كفيلة بالقضاء كليا على البطالة. بل ربما تدعو الحاجة لاستيراد العاملين من خبراء وعمال من الخارج.
هذا بالنسبة للسياسة الزراعية أما بالنسبة للسياسة الصناعية فنتحدث عنها في الحلقة القادمة إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتور أبو أسامة