Take a fresh look at your lifestyle.

أفغانستان: البرابرة الأمريكيون يشوهون صورة الإسلام لتسويق “الحرية”

 

متعذر فهم الدوافع التي دفعت بأفراد من القوات العسكرية الأمريكية في أفغانستان إلى حرق نسخ من القرآن الكريم، حيث يعتبر المسلمون أنّ إهانة الكتاب المقدس كفر، وبعد مرور عقد من الزمن على تدخل الولايات المتحدة في أفغانستان فإنه على جميع القوات الأمريكية إدراك ذلك” افتتاحية النيويورك تايمز.

 

لقد ولّد حرق القرآن من قبل المتعصبين في الجيش الأمريكي احتجاجات عديدة في مختلف أنحاء أفغانستان، والتي خلّفت لغاية الآن 29 شهيدا وعشرات الجرحى، وقد قدّم أوباما اعتذارا فاترا ليهدئ من الغضب المستمر الذي أعرب عنه الأفغان العاديون، من الذين يرون الاحتلال الأمريكي لبلادهم بمثابة هجوم على القيم الإسلامية، تأتي هذه الحادثة بعد أسابيع قليلة من تصوير القوات الأمريكية وهم يتبولون على الأفغان القتلى فرحين بفعلتهم، وهذه الحوادث وحدها لا تقتصر على الحط من قدر الأفغان وقيمهم الإسلامية، بل وتشويه جثث الموتى، بالإضافة إلى الانتهاكات المرعبة بحق السجناء في باجرام، واغتصاب الفتيات، ومذابح المدنيين الطائشة، على نحو أصبحت تلك الأفعال هي السمة المميزة للحملة الصليبية الأمريكية الخبيثة في أفغانستان، وليس من المهم مقدار سعي أمريكا نحو التقليل من شأن هذا الحادث، فإنّ هذا ألحدث حلقة في سلسلة تذكر بقية العالم بأنّ الهمجية الأمريكية ليست للتحرر من الاستبداد، بل هي السمة المميزة لآلة الحرب الأمريكية.

 

يفترض المرء أنّه بعد مضي أكثر من عشر سنوات على الحروب الأمريكية في العالم المسلم يكون الجنود الأمريكيون على الأقل قد اعتادوا على الحساسيات الثقافية عند المسلمين. ولكن ما نجده هو العكس من ذلك تماما، فأينما تتدخل العسكرية الأمريكية، فإنها تترك وراءها أثرا من الموت والدمار، في سلوكيات لا تليق إلا بالأمة الحاقدة الرائدة التي تفخر بالتسامح. انظر على سبيل المثال إلى القتل العشوائي للمدنيين العزل من قبل الطائرات الأمريكية بدون طيار للقوات الخاصة في باكستان، أو الحصانة التي منحت لرايموند ديفيس لقتله بدم بارد الباكستانيين في وضح النهار، وهذا يقوض بوضوح ادعاء أمريكا مساندتها لحقوق الإنسان، وهذا درس لبقية العالم، وحرب أمريكا في العراق مثال آخر، حيث إذلال الأسرى العراقيين في سجن “أبو غريب” وعمليات القتل التي لا معنى لها للمدنيين العزل وهي تذكر باحتلال أمريكا للعراق، ولغاية الآن فإنّه يتم التغاضي عن أفعال غير حضارية ارتكبها الجيش الأمريكي، ويتم الثناء على جنودها بالرغم من جرائمهم ضد الإنسانية، ففي نهاية العام الماضي، قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما للقوات التي عادت إلى الوطن من العراق: “كقائد لقواتكم المسلحة، وبالنيابة عن أمة ممتنة، فأنا فخور بأن أقول لكم أخيرا هاتين الكلمتين“.

 

والأسوأ من ذلك أنّه لا توجد جهود جادة من قبل المؤسسة السياسية في الولايات المتحدة، أو من كبار الضباط لتغيير السلوك غير الحضاري للقوات الأمريكية، فأينما تتمركز القوات الأمريكية، فإنّ وزارة الدفاع الأمريكية تسعى دائما لتوفير الحصانة من الملاحقة القضائية كشرط إلزامي في مقابل الاتفاقات الأمنية، أو في مقابل مساعدات عسكرية، وبعبارة أخرى، فإنّه لا يوجد أي عقوبات على الأعمال الشريرة التي يرتكبها جنود الولايات المتحدة ضد السكان الأصليين، فلم يتم ولو عن طريق الصدفة العثور على جندي أمريكي مذنب، بينما تعقد المحاكمات الصورية من قبل الجيش الأمريكي (ختام محاكمة مجزرة حديثة في وقت مبكر من هذا العام) لضمان أنّ العقوبة لا تتناسب مع الجريمة.

 

الجيش الأمريكي يذهب إلى أبعد مدى لغرس الوحشية في صفوفه من خلال إضفاء الطابع المهني على الهمجية، ففي الآونة الأخيرة تم إقرار قانون الدفاع الوطني في مجلس الشيوخ الأمريكي على نحو يبيح مثل هذه التدابير، ويجيز ممارسة الجنس مع الحيوانات واللواط، بينما يلتزم الجيش الأمريكي بالحفاظ على رمز البربرية والقيم الدنيئة هذه، فإنّه يمكن للمرء أن يتخيل ما نوع التدريب الذي يتدرب عليه الجيش الأمريكي ويدرب على أساسه باقي الجيوش في جميع أنحاء العالم، فما هو السبب الأساسي وراء هذا السلوك المتهور الذي يتحدى المنطق البشري؟، وعذر أنّ “القليل من التفاح الفاسد” هي المسئولة، لم يعد مقبولا ولا يستحق المناقشة، ولا ثقافة أمريكا العسكرية وحدها المسئولة عن رعاية جيل من الشباب والشابات الذين يظهرون الاحترام الضئيل للثقافات الأجنبية والناس، فعلى العكس من ذلك، فإنّ الثقافة العسكرية تنبثق من ذات الأسس التي تم بناء ما تبقّى من المجتمع الأمريكي عليها.

 

الدافع الوحيد لمثل هذا السلوك هو الحرية، والتي هي الأساس الذي تقوم عليه الثقافة الأمريكية والمثل العليا، وهي المسئولة عن تشكيل الثقافة الشعبية، وثقافة الشركات، والقيم الاجتماعية والأخلاقية. وعلى هذا الأساس فإنّ الجيوش في الدول الغربية، وخصوصا في أمريكا يتم بناء أفرادها العسكريين على أساسها، فالرجال والنساء يتغذون من سن مبكر على نظام غذائي من حرية الانخراط في الجيش المدافع عن “الحرية”، والخضوع إلى التدريب على الأسلحة ليتم نشرهم في نهاية المطاف في الخارج، وهنا يجدون أنفسهم في بيئة مختلفة، والقوانين والقيود المفروضة في بلدهم لم تعد تؤثر على ما يمكن للمرء أن يقول ويفعل، ووجود الأسلحة بين أيديهم يجعلهم يشعرون بأنّه يمكنهم أن يقولوا ويفعلوا ما يشتهون، وبطبيعة الحال، فإنّ ذلك ينعكس على السكان الأصليين والمعتقدات والقيم والممتلكات والحياة والكرامة على الجميع باسم الحرية.

 

الحرية هي فكرة خيالية، وتفضي دائما إلى النزاعات والعنف، ويدّعي الغرب أنّ الأفراد أحرار في أن يفعلوا ما يختارون ويوجدون الرغبة لدى مواطنيهم في أن يكونوا أحرارا، ولكن في الواقع فإنّ هذا يؤدي إلى نزاعات لا نهاية لها بين الناس، فالآراء التي يعرب عنها عدد قليل من الناس، أو السلوكيات الذي تقوم بها البعض، يمكن أن تُفسر على أنها مسيئة ومهينة للآخرين. وبالتالي، فإنّ الحكومات الغربية تقوم بالتدخل باستمرار في النزاعات، واللجوء إلى القانون لحماية الحريات من بعض الناس عن طريق حرمان الآخرين من حريتهم في التعبير عن الأفكار والتصرفات. وفي كثير من الأحيان، فإنّ المستفيدين من الحرية هم الأفراد أو الجماعات التي لديها وجهات نظر أو سلوك يتقاطع مع مصالح الحكومة أو الرأسماليون الأقوياء، من الذين يمتلكون القدرة على ممارسة الضغط على الحكومة. وهذا هو سبب السماح للكثير من المؤسسات بما في ذلك المؤسسات العسكرية في الغرب بمهاجمة الإسلام، لأن خطابهم الناري والسياسات التمييزية هي في وئام كامل مع حرب الغرب على الإسلام، التي لم تنته بعد. ومع ذلك، فإنّ وسائل الإعلام الغربية، ومؤسساتها العديدة، إذا أهانت يهود، أو الدولة الصهيونية “إسرائيل”، فإنّ الحكومات الغربية تقوم بإجراءات سريعة وصارمة للحد من إهانتهم.

 

بالنسبة للمسائل السياسية الخارجية، فإنّ الحكومات الغربية تتعامل مع الحرية في المجتمعات المغلقة في وجه القيم الغربية على نحو تتجاهل فيه الحرية بشكل تام عندما لا تتفق مع مصالحها، ففي حالة الانتفاضات العربية، فإنّ استمرار ذبح المسلمين على أيدي العملاء الغربيين من مثل بشار الأسد، اختار الغرب نحوه التخلي عن حق الشعوب في الحرية، لأنّ المحتجين من المؤيدين والمتحمسين للإسلام، وليس للديمقراطية، فهذا النفاق لا يؤدي إلا إلى التأكيد على إدراك المسلمين بأنّ أمريكا وأوروبا لا تهتمان للتدمير التام للقيم الإسلامية.

 

الإسلام لا يؤمن بفكرة الحرية غريبة الأطوار، حيث حفنة من الرجال يقررون الأفكار والسلوكيات المسموح بها، فكل الأفكار والممارسات عرضة للنقد ويمكن أن تحاكم في محكمة قانونية، فالإسلام ينص على أنّ الحياة والشرف والدم والملكية والمعتقدات والجنس البشري والعقل هي التي يتعين حمايتها من قبل الدولة الإسلامية، وتكفل الخلافة هذه الحقوق لجميع مواطني الدولة، بغض النظر عما إذا كانوا من المسلمين أو غير المسلمين، كما يحمي الإسلام حقوق غير المسلمين في العبادة من دون أي خوف من العقاب، أو الحط من قدر معتقداتهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من آذى ذميا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة”.

 

ولذلك، يحظر على المسلم إيذاء غير المسلمين من رعايا الدولة واستباحة دمائهم، وتدنيس أماكن عبادتهم والمساس بممتلكاتهم، والتاريخ الإسلامي ضرب مثلا في قدرة الإسلام على ضمان الحقوق الدينية لغير المسلمين تحت ظل الخلافة، ففي زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، غزا الجيش المسلم سوريا، ولكن سرعان ما تم إرجاع الخراج الذي تم جمعه من حمص، وهي المدينة التي كان يسكنها المسيحيون واليهود إلى أهلها، وسبب ذلك أنّ المسلمين لم يتمكنوا من حماية حياتهم ودمائهم وأعراضهم من الجيش الروماني. وقد أعجب سكان حمص بذلك وقالوا: “نود حكمكم لنا، فإنّ العدالة في حكمكم أفضل بكثير من حالة الظلم والطغيان الذي كنا فيه، وقال اليهود “نقسم بالتوراة، أنّ هرقل لن يدخل مدينة حمص إلا على أجسادنا! فأغلقوا أبواب المدينة وحرسوا المسيحيين واليهود المدينة التي كان قد تركها المسلمون، وقالوا:” إذا كسب هرقل وأتباعه المعركة ضد المسلمين فأننا سنعود إلى حالتنا السابقة، لذلك سنحارب جنبا إلى جنب المسلمين حتى يتنصر المسلمون”.

 

الطريقة الوحيدة لمنع الغرب وعملائه من مهاجمة الإسلام وإذلال المسلمين، هي بإعادة إقامة الخلافة، حيث يتم حماية حقوق المسلمين، كما كان الحال لغاية الأيام الأخيرة من الخلافة، فخلال فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني، قررت بريطانيا تنظيم مسرحية تصور حياة الرسول صلى الله عليه وسلم  بطريقة مهينة، ولما سمع بها السلطان عبد الحميد، أرسل إلى الحكومة البريطانية لوقف عرض المسرحية، ولما بررت الحكومة البريطانية قرارها بعقد المسرحية بأنها من حرية التعبير، هدد السلطان عبد الحميد بريطانيا باللجوء إلى العمل العسكري، فما كان من بريطانيا إلا الإذعان لطلب الخليفة.


عابد مصطفى