Take a fresh look at your lifestyle.

الحوار الحي ملامح السياسة الامريكية في منطقتنا ج1

من استقراء الوقائع ومتابعة الأحداث ومعرفة النوايا الاستعمارية للولايات المتحدة، يستطيع المرء أن يرصد هذه الملامح تجاه التطورات التي حصلت في منطقتنا، وكيفية تعامل الإدارة الأمريكية مع رياح التغيير التي عصفت بالمنطقة مع بداية عام 2011 ولا تزال .

وانه بالرغم من تراجع مكانة أمريكا عالميا لخوضها حربين ضروستين في وقت واحد وتعرضها لهزتين اقتصاديتين خلال مدة وجيزة لا تتجاوز الثلاث سنوات، إلا أنها لا تزال تحاول المحافظة على مكانتها وعلى نفوذها ومصالحها الاستعمارية، وادعائها بأنها مع حقوق الإنسان ومع ثورات الربيع العربي وما يطلقون عليه بالتحول الديمقراطي .

فما الذي جعل الولايات المتحدة تظهر بمظهر المدافع عن حقوق الشعوب في الحرية والكرامة؟ في الوقت الذي دعمت ولا تزال تدعم الأنظمة الاستبدادية والقمعية !! ليس هنالك إلا تفسير واحد وإجابة واحده على هذا التساؤل … وهو أن أمريكا تسير مع مصالحها حيث سارت فان رأت أن مصلحتها مع الحكام الطغاة دعمتهم وأبقتهم، وان رأت أن هنالك خطرا على مصالحها نتيجة لدعمها لهم وان وجودهم وبقائهم خطر على مصالحها لفظتهم واستغنت عنهم، وهذا حال كل الدول الكافرة المستعمرة كبريطانيا وفرنسا، فعندما رأت أمريكا حدوث ثورات ومتغيرات في المنطقة وان بوصلة هذه الإحداث والتطورات تتجه لصالح الشعوب، ركبت موجة التغيير والإصلاح وظهرت بمظهر الدولة التي تقف إلى جانب الشعوب في مطالبها المحقة، واخفت نواياها الاستعمارية واستعملت كل الوسائل والأساليب لاحتواء الأحداث والمستجدات وتعاملت مع الواقع الجديد بما يخدم المصالح الاستعمارية .

فقد فاجأت الثورة التونسية الجميع ولم يستطع رئيس تونس السابق بن علي بأجهزته الأمنية والبوليسية القمعية والتي كانت حربا على الإسلام والمخلصين من الوقوف في وجه ثورة الشعب التونسي، ففر هاربا خارج تونس في أقل من شهر على بداية الثورة، وآوى حكام السعودية الذين يظهرون بمظهر الحامي حمى الإسلام هذا الفاسد عدو الإسلام والمسلمين بكل ما يحمل هذا الإيواء من تحد لمشاعر الأمة. وقد وافق الغرب على تقاسم السلطة بين ما يسمونهم بالمعتدلين من الإسلاميين كحزب النهضة والعلمانيين من الأحزاب والحركات الأخرى، حتى لا تخرج تونس من السيطرة الغربية .

أما في ليبيا فقد اتفقت مصالح أمريكا وأوروبا ممثلة ببريطانيا وفرنسا وايطاليا على فرض حظر جوي والقيام بضربات جوية لإنهاء حكم القذافي وعائلته الذي دام أربعون عاما، والتخلي عن هذا الطاغية الذي سخر موارد ليبيا وثرواتها لخدمة هذه الدول الاستعمارية، وكان اليد المخلصة والأمينة للغرب الكافر التي تحارب المجاهدين والمخلصين من أبناء هذه الأمة بشتى الوسائل والأساليب القذرة التي اقترفها نظامه، إلى أن جازاه الله من جنس العمل الذي اقترفه بحق عباده المخلصين،فسبحان الله جلت قدرته الحق العدل الذي يمهل ولا يهمل.

وأما في مصر فقد كان تطور الأحداث سريعا وفي اقل من شهر، وكان للثورة المصرية زخما قويا خاصة أن هذا الزخم تركز أكثر ما تركز في العاصمة المصرية القاهرة، وكانت أمريكا تراقب الإحداث لحظه بلحظه وخطوه بخطوه فحاولت الإبقاء على الرئيس السابق حسني مبارك ونظامه، ولما وجدت قوة الثورة واستمراريتها بهذا الزخم خلعته ولم تفلح محاولاتها باستبداله برجلها القوي عمر سليمان ولا بأحمد شفيق وهما من المؤسسة العسكرية التي اعتمدت عليها أمريكا منذ ثورة 1952 في تثبيت نفوذها في مصر، عندها أوكلت إلى المجلس العسكري الذي تربى على الولاء لأمريكا مهمة السيطرة على الأوضاع والسير في إجراء الانتخابات ووضع دستور جديد للبلاد كي تبقي وتحافظ على نفوذها في مصر .

وكان الملفت للنظر في السياسة الأمريكية تجاه تطور الإحداث بمصر، هو تعاون أمريكا مع الحركات الإسلامية التي تقبل بالديمقراطية الغربية والتعاون مع القوى السياسية الأخرى العلمانية، وقد وجدت أمريكا نفسها في مصر وجها لوجه أمام جماعة الإخوان المسلمين ممثلا بحزب الحرية والعدالة والتيار السلفي ممثلا بحزب النور بعد حصولهما على ما نسبته 65% من أصوات الناخبين في الانتخابات النيابية التي جرت مؤخرا في مصر، وما دام أن السياسة الأمريكية تؤمن بالبراغماتيه والتعامل مع الواقع لمحاولة التأثير فيه، فقد أجرى المسؤولون الأمريكيون وعلى رأسهم السناتور جون كيري المرشح السابق للرئاسة الأمريكية لقاءات واتصالات مع حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان المسلمين وحصولهم على تضمينات بأنهم يريدون بناء دوله مدنيه والالتزام بالاتفاقيات الدولية وتحديدا اتفاقية السلام مع إسرائيل، وأنهم مستعدون للعمل في المجال الاقتصادي مع الولايات المتحدة والدول الغربية .

وأما اليمن فبعد أن جعل الرئيس السابق علي صالح اليمن السعيد مزرعة له ولأبنائه ورجالاته وعاث فسادا وقتلا خلال الثورة اليمنية التي دامت عدة شهور، نجد أن مصلحة حكم آل سعود ودول الخليج التقتا على حل وسط بترك علي صالح السلطة لنائبه عبد الهادي منصور مع بقاء أركان حكم علي صالح ومشاركة المعارضة معهم في السلطة، وذلك حفاظا على النظام الذي أوجده صالح والمهيأ للدفاع عن امن الخليج والسعودية إذا اقتضت الضرورة ذلك، وحفاظا على امن دول الخليج والسعودية من أن تمتد إليهم الثورات خاصة وان لإيران أطماع في دول الخليج ولها اذرع تحيط بالسعودية من الجنوب والشرق .

ونأتي الآن إلى الوضع في سوريا لنبين حقيقة موقف الولايات المتحدة من النظام السوري ومن الثورة السورية، وما هو الظاهر والباطن في السياسة الأمريكية تجاه الأحداث الدامية في سوريا … وقبل ذلك لا بد من معرفة مكانة سوريا في المنطقة وتأثيرها على الأحداث وميزان القوى فيها، ومدى الخسارة التي تلحق بالمصالح الأمريكية حال زوال النظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد … إذ يشكل النظام السوري بزعامة عائلة الأسد منذ عهد الأب والابن الحالي العمود الفقري للسياسة الأمريكية في المنطقة، فقد شاركت قوات هذا النظام في العدوان الأمريكي الثلاثيني على العراق عام 1990، وحافظ هذا النظام على وجود كيان يهود واحتلاله للجولان السوري، ولم يحرك ساكنا ولم يطلق رصاصه واحده على العدو المحتل لأرضه طيلة العقود الأربعة الماضية، فكيف يكون هذا النظام مقاوما أو ممانعا وهو لا يقاوم المحتل لأرضه ويحررها من رجس اليهود !! ولقد امن هذا النظام الطائفي جبهة العراق خلال الاحتلال الأمريكي للعراق وان ظهر بمظهر المعارض للاحتلال والمساند للمقاومة العراقية حتى يكون له تأثير عليها، وقدم لتركيا خدمة جليلة بإنهائه قواعد حزب العمال التركي من أراضيه، ودخل الأراضي اللبنانية أواسط سبعينيات القرن الماضي برضى وموافقة أمريكا للمحافظة على مصالحها هناك إلى أن اخرج منها في السنوات الأخيرة … فضعْفْ هذا النظام سيؤدي حتما إلى ضعف النفوذ الأمريكي في لبنان وفي العراق وقد يمتد إلى إيران أيضا بل وسيؤثر ذلك على تركيا لحدودها الطويلة مع سوريا ووجود المشكلة الكردية وحزب العمال الكردستاني … إذا والحالة هذه لا بد من دعم النظام السوري بكل الوسائل الممكنة حتى يصمد ووسائل هذا الدعم كثيرة داخليا وإقليميا ودوليا، أما دوليا فلوحظ الموقف السلبي للإدارة الأمريكية تجاه التحرك الدولي ضد النظام السوري سواء في مجلس الأمن والأمم المتحدة أو منظمات حقوق الإنسان، ولو أرادت أمريكا لأنجحت هذه التحركات والقرارات الدولية ولأثرت على مواقف كل من روسيا والصين في مجلس الأمن، ولكن تركتهما لاتخاذ الفيتو ضد أي قرار أو إجراء يتخذ في مجلس الأمن ضد النظام السوري، ولو أرادت أمريكا لدعمت المعارضة ماديا ومعنويا ودعمت الأعمال العسكرية خاصة بوجود الجيش الحر ثبته الله على الحق وأمده بعون ونصر من عنده وحماه من اندساس عناصر وقاده عسكريون موالون للنظام بين صفوفه .

 

أما إقليميا فقد وقفت الدولة اللبنانية إلى جانب النظام السوري وكذلك حزب الله الذي يبرر أمينه الشيخ نصر الله لهذا النظام أعماله الإجرامية ويدافع عنه ويعتبره – كما اعتبره قادة حماس ويا للأسف – مقاوما وممانعا، وينكر أمين حزب الله وجود القتل والدمار الذي ترتكبه قوات الأسد بالرغم أن ذلك واضحا وضح النهار مع أن الأمانة تقتضي من الأمين قول الحق والحقيقة، إلا لمن كان أعمى البصر والبصيرة والعياذ بالله، وإيران من جانبها تمد هذا النظام بالمال والسلاح وربما بالرجال إذا دعت الحاجة، وتركيا من جانبها بموقفها المنافق والمخادع تقف إلى جانب النظام السوري وتدعمه بالباطن وان ظهر عكس ذلك .

 

إما داخليا فقد أبقت أمريكا على تماسك حلقات النظام والطائفة العلوية الحاكمة، وشجعت الأسد ونظامه على استخدام كل وسائل القمع والقتل والدمار لبقائه واستمراره في السلطة، حتى لا يسقط وتسقط معه أو تضطرب أحجار الدومينو التي تسند وتخدم السياسة الأمريكية في المنطقة بدءا من لبنان ومرورا بالعراق وإيران وتركيا، ومن هنا يظهر أهمية هذا النظام وعائلة الأسد لأمريكا، والتي قد تستبدله في الفرصة الأخيرة إن تهاوت أركان هذا النظام لكي تحافظ على نفوذها إن استطاعت إلى ذلك سبيلا .

وانه بالرغم من العوامل التي ذكرناها الداعمة لهذا النظام، إلا انه بالمقابل فان الشعب السوري المسلم وقد مضى عام على ثورته السلمية، فقد ضرب مثلا فريدا في التاريخ الحديث والقديم في الصمود والتحدي حتى الموت لتحقيق أهدافه في النصر أو الشهادة، بالرغم من كل وسائل القمع والقتل والتدمير التي يستخدمها نظام الأسد والتي ستعجل بزواله إن شاء الله، وأملنا بالله القوي العزيز إلا تطول هذه الشدة والمحنه على الشعب السوري الأبي أحفاد عمرو بن معد يكرب وخالد بن الوليد وصلاح الدين، وان ينعم عليه بالفرج والنصر القريب .

مما تقدم يلاحظ أن الإدارة الأمريكية استخدمت للمحافظة على مصالحها ونفوذها في المنطقة استراتيجيه تقوم على التعامل مع كل دولة على حده فيما يتعلق بطبيعة الثورات والمتغيرات، وأنها في الوقت الذي تدعي فيه زورا وبهتانا حق الشعوب في التغيير كي تركب هذه الموجه وتؤثر فيها، فإنها تدعم النظم القمعية ما دام أن هذه النظم البوليسية تحقق مصالحها وتحافظ على نفوذها، وان أمريكا لا يزال لديها من الإمكانيات والوسائل والنفوذ ما يمكنها من سرعة التعامل مع الواقع ومحاولة التأثير فيه، وأنها وان شاركت في الحظر الجوي على ليبيا وفي الضربات الجوية والصاروخية مع حلف الناتو ضد كتائب القذافي، إلا أننا نجدها لا تستجيب لبعض أصوات المعارضة السورية في الخارج التي نصبت نفسها ناطقة باسم الشعب السوري والثورة السورية سواء المجلس الوطني أو غيره، والتي لا تتقي الله في ألمطالبه بالاستعانة بالكافر المستعمر وطلب الحماية منه، ورب العزة يقول: (( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون )) صدق الله العظيم سورة هود آية 113 .

هذه هي ملامح السياسة الأمريكية الاستعمارية تجاه منطقتنا بأهدافها الظاهرة والباطنة ووسائلها الخفية والمعلنة واذرعها وعملائها في المنطقة، وانه وان تظاهرت بعض هذه الدول والقوى بالعداء للسياسة الأمريكية إلا أنها في حقيقتها تعمل لخدمة أهداف السياسة الأمريكية الاستعمارية، ولن يطول هذا المكر والخداع والظلم بإذن الله وصدق الله العظيم حيث يقول في كتابه العزيز: (( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )) سورة الأنفال الآية30 .

 

ياسر غيث – أبو عمار