الثورة الصناعية في دولة الخلافة من إعداد الدكتور أبو أسامة الحلقة الثالثة والأخيرة
ذكرنا في الحلقة السابقة أن السياسة التي لا بد من اتخاذها للنهوض ماديا بالبلاد إنما تتمثل في السياسة الزراعية والسياسة الصناعية وقد تحدثنا عن السياسة الزراعية في الحلقة السابقة.
في هذه الحلقة سيكون الحديث إن شاء الله عن السياسة الصناعية.
السياسة الصناعية لا بد أن تقوم على أساس جعل البلاد الإسلامية بلادا صناعية، والطريق الوحيد الموصل لهذا الغرض هو أن يباشر أولاً وقبل كل شيء بإيجاد المصانع الثقيلة، أي إيجاد صناعة الآلات أولا، ومنها توجد باقي الصناعات. فالحقيقة أنه لا علاج للدولة المتخلفة صناعيا إلا الثورة الصناعية، والثورة الصناعية هي تسلم زمام رأس الصناعة ومنبعها وهي صناعة الآلات بعملية انقلابية في الصناعة وعدم التلهي بأي صناعة قبل تسلم زمام رأس الصناعة، وجعل الجهود الاقتصادية كلها موجهة لإيجاد صناعة الآلات ولا يقام بأي شيء سوى الضروريات وسوى ما لا بد منه لإيجاد صناعة الآلات. وصناعة الآلات تعني إيجاد المصانع التي تصنع الموتورات والمحركات والمولدات بكافة أنواعها وأشكالها، وإيجاد مصانع قطع الغيار لمختلف المعدات والآليات والمركبات، وإيجاد الصناعة الالكترونية، وإيجاد صناعات الهندسة الثقيلة الكيميائية وغيرها، وإيجاد صناعات الحديد والفولاذ والنحاس والبرونز وباقي صناعات التعدين والصلب. وكذلك الحال في كل المجالات حتى تمتلك الأمة القاعدة الصناعية المتينة.
و الشواهد على ذلك كثيرة قديما وحديثاً:
1. أن المسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صنعوا المنجنيق وهو من الصناعات الثقيلة في وقته ودكوا أسوار الطائف به ودولتهم حينها دولة فتية في السنة الثامنة للهجرة.
2. في الدولة العثمانية كانت الصناعة المتميزة للمدافع وملح البارود والسيوف والسفن من الخشب والحديد هي المستخدمة في تسليح جيشها الذي أرهب أوروبا كلها. فقد صنعوا المدفع العملاق في عهد محمد الفاتح رحمه الله ودكوا به أسوار القسطنطينية. ولم يُرَ مثله من قبل، كان يزن (700) طن، وتزن القذيفة الواحدة (1500) كيلوغرام، وتسمع طلقاته من مسافات بعيدة، ويجره مئة ثور يساعدها مائة من الرجال الأشداء.
3. إن الثورة الصناعية التي حدثت في أوروبا إنما حدثت بعدما تم اختراع الموتور وعليها بنيت كافة الصناعات.
4. إن روسيا القيصرية حين خرجت من الحرب العالمية الأولى كانت عالة على أوروبا، ولم تكن قد نشأت لديها صناعة الآلات، وفي مدة ليست بالطويلة وجدت صناعة الآلات فيها، وقد كانت الأولى صناعياً فيما يتعلق بالفضاء.
5. أن الولايات المتحدة الأمريكية كذلك كانت مستعمرة لعدة دول لكنها تقدمت ماديا حين حصلت فيها الثورة الصناعية بصناعة الآلات.
6. تسلط الكافر المستعمر على الأمة الإسلامية لإلهائها بالصناعات الهامشية العابرة والاستهلاكية. وتتكون هذه الصناعات من قطع مستوردة ليعاد تجميعها وتصديرها. فتحصل الدول الغربية على مرادها بثمن بخس، وبذلك تكون البلاد الإسلامية سوقاً استهلاكيا للمنتجات الغربية. وهذا يفسر خلو جميع البلاد الإسلامية من الصناعات الثقيلة التي من شأنها إحداث التقدم المادي على الرغم من توفر المواد الخام التي تلزم لإنشائها.
وعليه لا بد من الشروع فور إقامة الخلافة قريبا إن شاء الله بالأمور التالية:
أولاً: إنشاء مصانع الآلات الثقيلة التي تقوم بتصنيع الموتورات والمحركات والمولدات والصناعات الإلكترونية والنووية وصناعات الصلب … وغيرها. ولا بد على أن تكون على أساس حربي. لأنه وإن وجدت الصناعات الأخرى، فبغياب التصنيع الحربي لا تكون الدولة مؤثرة في السياسة الدولية كما هو الحال مع ألمانيا واليابان.
ثانياً: إن لم تتوفر الخبرات اللازمة عند أبناء الأمة الإسلامية في هذا المجال، تقوم الدولة بإرسال الألوف من المسلمين لتعلم هذه الخبرات أو تقوم باستقطاب خبرات خارجية. على أن الواقع يثبت أن المصانع والمختبرات والجامعات الغربية تعج بالمئات إن لم يكن بالآلاف من أبناء المسلمين.
ثالثاً: المصانع القائمة التي تحتاج في عملها للآلات تستمر في عملها ولكن دون التوسيع في ذلك ودون إنشاء جديد إلى أن نقوم نحن بصناعة الآلات.
لذلك كله يجب أن تقوم الدولة الإسلامية بنفسها بصنع سلاحها، وكل ما تحتاج إليه من آلة الحرب، ومن نقطع الغيار. وهذا لا يتأتى لها إلا إذا تبنت الصناعة الثقيلة، وأخذت تنتج أولاً المصانع التي تنتج الصناعات الثقيلة، الحربية منها وغير الحربية. ويجب أن يكون لديها مصانع لإنتاج الآلات، والمحركات، والمواد، والصناعةالإلكترونية، كذلك المصانع التي لها علاقة بالملكية العامة، والمصانع الخفيفة التي لها علاقة بالصناعات الحربية. كل ذلك يقتضيه وجوب الإعداد المفروض على المسلمين بقوله تعالى: { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ }.
الدكتور أبو أسامة