الخلافة والأسئلة الكبرى الحلقة الثانية
ـ الخلافة والأقليات :
إن مصطلح الأقليات موجود عند الأنظمة الوضعية التي جعلت رعايا الدول في درجات مختلفة غير متساوية في الحقوق والواجبات تبعاً لأديانهم أو أعراقهم، فترى الهندي الأحمر في أمريكا مواطناً من الدرجة الثانية أو الثالثة، وكذلك الزنجيّ وكذلك المسلم.
وهذا المعنى غير موجود في الإسلام، ولا يوجد في الدولة الإسلامية أقليات لها امتيازات خاصة ولا أقليات حقوقها منقوصة، فجميع أفراد الرعية في الإسلام تربطه رابطة التابعية من حيث الرعاية والحقوق التي حددها الشرع، ويمكن العودة إلى الأحكام الشرعية التي تبين كيفية تطبيق الإسلام على جميع رعايا الدولة الإسلامية نوجزها فيما يلي:
1ـ ُيخلى بين أهل الذمة ومعتقداتهم وعباداتهم ودور عباداتهم ولا يتعرض لهم.
2ـ يقَّر أهل الذمة على مطعوماتهم ومشروباتهم دون انتهاك للحياة العامة، أكلو الخنزير أو شربوا الخمر.
3ـ يقَّر أهل الذمة وأحوالهم الشخصية من زواج وطلاق ومواريث وغير ذلك وتعين لهم الدولة خبير منهم يفصل بينهم ما شجر بينهم في هذه الأمور حسب أديانهم.
4ـ تطبق سائر أحكام الشريعة عليهم وعلى المسلمين سواء، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وعليهم أن يلتزموا بالتشريعات باعتبارها قوانين ملزمة ولا يطالبون بها باعتبارها دين يؤمنون بمصدرها بخلاف المسلم الذي يعتبرها جزءاً من دينه واجب الالتزام بها.
ـ الخلافة وتوحيد المسلمين في دولة واحدة:
إن المسلمين أمة واحدة من دون الناس يجب أن يستظلوا بظل دولة واحدة يحرم عليهم أن يتفرقوا في كيانات سياسية متعددة، وقد وردت الأدلة الشرعية التي تغلظ أمر الافتراق حتى وصفته النصوص بالكفر والأدلة في هذا الباب مستفيضة يكفينا منها، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :” إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الاخر منهما” .
وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض “.
إلا أن ما قام به الكافر المستعمر من تقسيم بلاد المسلمين إلى دويلات هزيلة وتسليم هذه الدويلات لحكام مستبدين جعلوا مما صنعه الكافر من حدود أمراً مقدساً لا يجوز التعرض لها.
هذا الأمر جعل من كثير من المسلمين يرون صعوبة توحيد المسلمين بل استحالة ذلك حتى استبعد توحيد المسلمين في دولة واحدة من فكر المسلمين عالمهم وجمهورهم علما بأنهم يرون سعي دول لا تملك مقومات الوحدة تسعى للوحدة لمجرد مصلحة ما، فكيف إن كان هذا مطلباً عقائديا وله من المقومات أهمها الدين فعقيدتهم واحدة وقبلتهم واحدة ورسولهم واحد وكتابهم واحد وديارهم واحدة ومقدساتهم واحدة.
ولغتهم لغة القرآن واحدة، ثم لا ننسى أيضاً أنّ الشعوب تتحرق شوقاً لإزالة الحدود فيما بينهم، وليس أدل على ذلك من تطوع المسلمين للدفاع عن إخوانهم في البلقان وفي الشيشان وفي أفغانستان وفي العراق وفي فلسطين، ولولا الحدود وإجرام الحكام لما تجرأ كافر على الاعتداء على مسلم وهو يعلم أنه سيدخل في حرب مع كل المسلمين في أقطار المعمورة.
ـ الخلافة والاقتصاد:
عند الحديث عن الاقتصاد يفرّق بين علم الاقتصاد الذي يبحث في تكثير المال وزيادة الإنتاج، وتوفير السلع والخدمات، وبين نظام الاقتصاد الذي يبحث في المال من حيث الحيازة (الملكية) ومن حيث التوزيع ومن حيث الانتفاع به.
فعلم الاقتصاد متروك للناس يطورون وسائل إنتاجهم والأساليب المتبعة في زيادة الإنتاج الزراعي أو الصناعي أو التقني، وهذا يؤخذ من مسلمين وغير مسلمين وللناس أن يبدعوا ويخترعوا ويطوروا وسائلهم وأساليبهم، أما نظام الاقتصاد فلا يؤخذ إلا من الإسلام، ورسم الإسلام سياسته فحدد الإسلام تملك المال وجعله مرتبطاً بإذن الشارع فلا يمتلك مال إلا إن أذن الشارع بامتلاكه، فلا يعتبر المال مملوكا إذا لم يأذن الشارع بامتلاكه، وحدد أسباب التملك من تجارة وإجارة واستصناع وزراعة وغير ذلك من أسباب التملك.
وحدد نوعية الملكيات وجعل الملكيات ثلاث:
ـ ملكية فرد : أذن فيها للفرد بالامتلاك ومنع من التعدي عليها بالتأميم أو المصادرة أو المنع.
ـ ملكية عامة : وهي ما جعلها الله وقفاً على الجماعة يشتركون ويتساوون في الانتفاع منها، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار أمثالها شواطئ البحار والأنهار والمراعي والمعادن المختلفة، ولا يجوز أن تملك لفرد أو لشركة كما هو في الخصخصة وإنما تقوم الدولة باستثمارها فتقوم الدولة بامتلاك أو استئجار المعدات والخبراء والعمال كأجراء وتسوّق الناتج وتقدم المنفعة للناس جميعا على السواء.
ـ ملكية دولة : وهي ما جعل المشرّع التصرف بها على رأي الإمام واجتهاده وجعل ريعها في نفقة مصالح الدولة المتعددة. وجاء المشرّع فحدد موارد بيت المال وأبواب صرفها، فبيّن كيف يتم توزيع الأموال على الناس فيعطى الفقراء دون الأغنياء حتى لا يكون دولةً بين الأغنياء فتتركز الثورة في يد فئة معينة كما هو الحال في الرأسمالية. وكذلك بيّن كيفية الانتفاع بهذا المال فحدد الانتفاع المحرّم والانتفاع الحلال. ثم جاء وحدد النظام المالي وأساس النقد وجعل النقد الذي لا يجوز للدولة أن تعتمد غيره هو الذهب والفضة وعند الرجوع للأحكام الشرعية وللأسس التي قام عليها اقتصاد الإسلام نجد أن الإسلام في اقتصاده يختلف اختلافاً كلياً عن النظام الاقتصادي الرأسمالي والاشتراكي وحرّم حرمة قطعية على المسلمين السير في النظام المالي الرأسمالي والمتمثل في النظام الربويّ الذي يقوم على الإقراض والتمويل بالفوائد وحرّم كل ما يجري في الأسواق المالية التي تقوم على المضاربات والمراهنات سواءً كانت على الأسهم والسندات أم على العمُلات وحرّم بيع السلع التي تباع قبل التقابض مرات ومرات مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل فاحش.
مما جعل هذا الاقتصاد يقوم على المقامرة والغش والاحتكار فأدى إلى الاقتصاد الوهمي والقيمة الدفترية التي جعلت من السهم عند التأسيس بمقدار محدد وعند دخوله في الأسواق المالية يتضاعف أضعافاً مضاعفة مما أوقع الأزمات المالية المدمرة ليس على مستوى الأفراد فحسب بل على مستوى الدول .
وبالرجوع إلى الأحكام الشرعية التفصيلية التي تبين الأموال في دولة الخلافة وتبين النظام الاقتصادي في الإسلام وتبين السياسة الاقتصادية المتبعة في تنمية الأموال وتنشيط الزراعة والصناعة والتجارة وزيادة الإنتاج لاستصلاح الأراضي وتكثير إنتاجها إذ يقول صلى الله عليه وسلم: من أحيا أرضا مواتاً فهي له، ويقول أيضاً : من كانت له أرضا فليزرعها أو يمنحها أخاه، ويقول: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ويقول صلى الله عليه وسلم: التاجر الصدوق يُحشرُ مع النبيين والصديقين والشهداء .
من هذا نجد روعة ورُقي سياسة الإسلام في الاقتصاد التي أوصلت المسلمين إلى حالة من الرفاه الاجتماعي حيث لم تجد الدولة من يستحق الزكاة ونثرت الحبوب على رؤوس الجبال حتى لا يجوع طيرٌ في بلاد المسلمين. فشتان بين نظام يقوم على نهب الثروات ومص دماء الناس وسرقة جهودهم بالقمار والربا والغش والاحتيال ودور الدعارة، وبين نظام من عند الله العليم الخبير الذي جعل الاقتصاد يُعنى بالإنسان بوصفه إنسان وإشباع حاجاته الأساسية إشباعا تاماً وأخذ بيده لإشباع حاجاته الكمالية على أرفع مستوى .
هذا في الوضع الأصيل أما الحالة الاستثنائية في أوقات المجاعات والكوارث والحروب فلم تعرف البشرية حالةً من التكافل في المجتمع كما هو في الإسلام إذ يتسابق الناس جميعاً أغنياؤهم وفقراؤهم كلٌ بما يستطيع فرأينا اندفاعاً من المسلمين جميعاً لتجهيز جيش العُسرة فجهّز عثمان رضي الله عنه ـ ثلث الجيش وقدم أبو بكر كل ماله وتبرع المسلمون بصفوة أموالهم مرضاةً لله وأرسل والي مصر الأموال العظيمة إلى الحجاز في عام الرمادة فنُصبت الموائد في الساحات العامة وأفواه السكك ونادى المنادي كلوا واحملوا لأهليكُم. وهذا ليس قاصراً على الرعيل الأول فقد شهدنا بأم أعيُننا في الأزمات نساء المسلمين الطاهرات يلقين بحليّهنّ ويتبرعن دعماً للمسلمين في الأزمات حتى تجمعت أكوامٌ من الذهب في ساحات المساجد، فأمةُ الإسلام أمة ٌ معطاءة.
اللهم أعد لنا عز الإسلام ورحمته.
ـ الخلافة والعلاقات الدولية:
إن الأساس الذي تقوم عليه السياسة الخارجية في الدولة الإسلامية هو حمل دعوة الإسلام إلى العالم وكل ما يقتضيه حمل هذه الرسالة.
فكل ما يجري من أعمال وتُرسم من سياسات تكون مبنية على ما يخدُم حمل الإسلام عقيدةً ونظاماً وضم البلاد للدولة الإسلامية بالجهاد ليعيش الناس في ظل الإسلام وعدله.
ومن هنا ينقسمُ العالم إلى دار إسلام ودار كفر، دار إسلام مجسدةً في دولة الخلافة ودار كفر مجسدة في باقي دول العالم، ولذلك يجب إبعاد كل عمل سياسي أو اتفاقية دولية تتعارض مع هذه الإستراتيجية فيُمنع الدخول في أي منظمة إقليمية أو دولية تُعارضُ ذلك فيحرُم على المسلمين الدخول في الاتفاقيات الدولية التي تحظُر على المسلمين التسلُح بشتى أنواع الأسلحة المعروفة أو أي اتفاقية تفرض على المسلمين المشاركة في حروب مع الكفار أمثال اتفاقيات الدفاع المشترك والعُضوية في حلف الناتو، وكذلك يُمنع الدخول في المنظمات الإقليمية والدولية أمثال جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وهيئة الأمم والمؤسسات التابعة لها وغير ذلك من الأحلاف والمعاهدات والمؤسسات الدولية.
وكذلك لا بد من دراسة واقع الدول في بلاد الكفر والتفريق بين الدولة المُحاربة والتي تُحارب المسلمين وصاحبة الأطماع الاستعمارية في بلاد المسلمين وبين الدُول المعاهدة وليست من الدول الاستعمارية والتي يمكن أن تُبرم معها اتفاقيات على ضوء الشريعة الإسلامية ومصلحة المسلمين.
فالدول المُحاربة أمثال أمريكا وبريطانيا وروسيا وفرنسا لا يجوز أن تقوم بيننا وبينهم أي علاقة إلا على أساس حالة الحرب ولا يجوز أن يكون لها سفارات في بلاد المسلمين والتي هي أوكارٌ للمؤامرات وتجنيد الجواسيس والعملاء الخونة فلا بد من التخلص من هذه الأورام السرطانية على الفور.
وفي الختام يجب التأكيد على أن الدولة الإسلامية والشرع الحنيف لم يُهمل أي جانب من جوانب المجتمع، فقد جاء بتشريعات لبناء مجتمع عظيم صاحب رسالة، وإن للدولة سياسةٌ متميزة في بناء قوة عسكرية عقائدية تُزوّد بأحدث ما تصل إليه إبداعات العلماء والمفكرين والمخترعين وسياسة متميزة في التصنيع وتحويل البلاد ونقلها من دولة استهلاكية إلى دولة صناعية تقوم سياسة التصنيع فيها على الصناعة الثقيلة وليس كما هو مُشاهد في العالم الإسلامي الآن كما أن لها سياسة متميزة في بناء الموارد البشرية من سياسة تعليم تبني عقليات إسلامية إلى تزويد المجتمع بكل ما يلزم من طاقات.
وللدولة سياسة متميزة في توفير السلع الإستراتيجية لسد حاجات المجتمع الأساسية للاستغناء عن الآخرين فلا يُرتهن قرار الدولة من أجل رغيف خبز.
أي أن لدينا سياسات قادرة على تفجير طاقات المجتمع لخدمة الإسلام والبشرية.
وإننا بصفتنا دعاةٌ لعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي وعد الله بها وبشّر بها رسولُهُ صلى الله عليه وسلم نمتلك هذا المشروع الحضاري الإسلامي النهضوي الذي لا مثيل له .
اللهم أعزنا بنصرك وأيدنا بالمخلصين من أمة الإسلام واشرح صدر سعد هذا الزمان لنُصرة الإسلام ورفع رايته نتشرف بها في الدُنيا والآخرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سعيد رضوان- أبو عماد