عميل لإسرائيل يخرج من السجن بعد شهور، ومئات الإسلاميين يسجنون سنين ظلمًا بلا محاكمة (تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى)
أُخلي أمس سبيل السياسي المدان بالتعامل مع العدو (الإسرائيلي) فايز كرم بعد أن أمضى في السجن عشرين شهرًا فقط. وكان قد حُكم عليه بالسجن مدّة سنتين، ولكنّه استفاد من القانون الذي سُنّ منذ أيام -وشقّ طريقه بسرعة خارقة إلى التنفيذ على خلاف معظم القوانين التي تُسنّ في هذا البلد- ليخرج قبل المدّة المقرّرة بأربعة أشهر.
لا يسع كلَّ ذي طبع سليم وتفكير منصف وموضوعي إلا أن يلحظ المفارقة الهائلة والشائنة والفاضحة بين المعاملة التي لقيها هذا العميل وغيره من المحظيّين والمعاملة التي لقيها -ولا يزال يلقاها- مئات الشبان (الإسلاميين)، وكثير غيرهم من السجناء. وإليكم غيضٌ من فيضِ هذه المفارقات والمقارنات:
1- اتُّهم العميل المذكور بالتخابر والتعامل مع العدو، بينما اتُّهم كثير من الشبان الموقوفين الذين يعاملون معاملة المجرمين بالاتّصال هاتفيًّا مرة أو مرّتين بأشخاص يقاتلون الاحتلال في العراق أو أفغانستان أو غير ذلك من دون أن ينتج عن هذا الاتصال أي عمل مادّي.
2- حوكم العميل وصدر عليه الحكم في أقصى سرعة، وكان الحكم غاية في (الرأفة والرفق والتسامح)، بينما يقبع مئات الإسلاميين في السجون منذ سنوات -وصل بعضها إلى الخمس- دون محاكمة. ما يعني أن من يدان بالجريمة وتثبت عليه التهمة يسعفه القانون في هذا البلد ويكون أوفر حظًّا ممن لم تثبت عليه التهمة، لأن الأخير بكل بساطة سُجن دون محاكمة. بل إن بعض من حوكم من الموقوفين الإسلاميين بعد توقيفه سنوات! حكم له بالبراءة أو صدر عليه حكم أقل بكثير من السنوات التي قضاها في السجن، دون أن يحق له أن يدّعي على من كان سببًا في ظلمه سجنًا وتعذيبًا وتحقيرًا وتدميرًا للحياة الشخصية والعائلية والاجتماعية والمادّية… وسوف ترينا الأيام المقبلة -إن أدركناها!- كم من الموقوفين أُوقفوا دون ذنب أو جريرة تذكر. فهل هذه الممارسة الرسمية هي من العدل في شيء؟! بل هي والله قسمة ضيزى.
3- في شهر كانون الأول من العام الماضي أخلي سبيل أربعة متهمين بالتعامل مع العدوّ الإسرائيلي قبل انتهاء محاكمتهم، ونحن لا نعرف إن كان هؤلاء الأشخاص مرتكبين فعلاً للجريمة أم لا، ولكن لِمَ يُخلى سبيل أشخاص متّهمين بالخيانة العظمى! بالتآمر مع العدوّ (الإسرائيلي)، فيما يبقى من اتُّهم بمجرّد الاتّصال ببعض المطلوبين أو باقتناء أسلحة فردية دون أن يستخدمها ضد أحد من الناس موقوفًا خمس سنين دون حكم محكمة؟! الجواب معروف ونطق به أحدُ مَن بيدهم قرار إخلاء السبيل: “السفارة الأميركية لا تسمح بذلك!” فهل هذه دولة؟!
4- إن الذي أفسح للأجهزة المتورطة في هذا الظلم أن تمضي في غيّها هي القوانين التي لا تضع سقفًا زمنيًّا للتوقيف في تهم معيّنة. وسَنُّ هذه القوانين وتعديلها هما بحسب الدستور اللبناني من صلاحية مجلس النواب الذي سمح لنفسه منذ أيام أن يخفّض السنة السجنية إلى تسعة أشهر كي يستفيد منها فايز كرم وآخرون من مرتكبي الجرائم والجنايات! ولم يفكّر هذا المجلس في تعديل القوانين التي تَسجن الناس تعسّفًا دون تحديد مدّة زمنية، والتي ما زال يستغلها الظالمون لسجن الناس بغير حقّ، لأنّ هذا المجلس أصغر من أن يُقدِم على اختراق الخطوط الحمر التي وُضعت له. فهل هذا المجلس جدير بأن يكون ممثلاً للشعب؟!
الحقيقة أن النواب في هذا البلد ليسوا وكلاء عن الناس، بل هم وكلاء عن زعماء لا يقيمون وزنًا لا للحقّ ولا للعدل، بدليل سكوتهم عن هذه القوانين الجائرة. علمًا بأن بعضًا من أكبر الكتل في البرلمان تتخذ صفة التدين وتظهر احترامًا للشرع، فأين الشرع والدين من إقرار هذه الممارسات الظالمة، والله تعالى يقول في كتابه العظيم: ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا )، ويقول في الحديث القدسي: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرَّمًا فلا تَظالموا”. واتفق جميع فقهاء الشرع على أن البينة على من ادّعى، يقول عليه الصلاة والسلام: “البينة على المدّعي”، ومعروف أن البينة لا تثبت إلا في مجلس قضاء، وقال عليه الصلاة والسلام في امرأة مشتبه فيها: “لو كنت راجمًا أحدًا بغير بيّنة لرجمتها”. فكيف تقبلون يا من تدّعون التديّن في أكبر الكتل البرلمانية، من هذا الفريق أو ذاك، أن يعذب الناس في التحقيق ثمّ يسجنوا سنوات دون بيّنة؟! إنّ هذا والله لظلم عظيم ستُسألون عنه يوم القيامة، يوم يقول قائلكم: ( مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ).