بلقنة باكستان: هل جاء دور التنازل عن بلوشستان؟
بدأ بعض كبار السياسيين الأمريكيين مؤخرا ببذل جهودٍ لدعم فصل بلوشستان عن باكستان. يقود الحملة الجمهوري “دانا روهراباتشر” من ولاية كاليفورنيا، من أجل تقطيع أوصال باكستان، وقد التحق بهذه الحملة زميلاه الجمهوريان في الكونغرس “لوي جومرت” و “ستيف كينج”. وبتاريخ 18/2/2012، طرح هؤلاء الثلاثة مشروع قانون أمام الكونغرس يفيد بأنّ بلوشستان في الوقت الحاضر مقسّمة بين باكستان وإيران وأفغانستان وعدم الحق لها في السيادة الذاتية، ويوضح القرار بأنّ “شعب بلوشستان التابع لباكستان يتعرض للعنف والقتل خارج نطاق القضاء”، وبالتالي فإنّ “للشعب الحق في تقرير مصيره وفي الحكم الذاتي، ويجب ان تتاح له الفرصة في اختيار مصيره.”
ليس هؤلاء السياسيون الثلاثة وحدهم من يتعدى على سيادة باكستان، ففي وقت سابق، بتاريخ 8/2/2012، عقدت لجنة الولايات المتحدة الفرعية “للمراقبة والتحقيق التابعة لمجلس النواب للشؤون الخارجية” جلسة استماع حول عمليات القتل خارج نطاق القضاء ووضع حقوق الإنسان في بلوشستان. وقد دعا “روهراباتشر” الذي ترأس الاجتماع الكولونيل المتقاعد “رالف بيترز” للإدلاء بشهادته. وتجدر الإشارة إلى أنّ “رالف بيترز” كان مهندس خارطة الشرق الأوسط الجديد سيئة الذكر في سنة 2006، وهو من الداعين لتقسيم العالم الإسلامي على أساس مذهبي وديني. وتُظهر خارطته عددا من البلاد الإسلامية (بما فيها باكستان) مقطّعة. تحدث بيرز أمام اللجنة بالقول “نريد أن نسأل بصراحة، لماذا لا يحق للبلوشيين بلوشستان حرة؟ ولماذا لا يحق للبشتون -على الرغم من عاداتهم المقيتة- في أن تكون “باختونخوا” لجميع البشتون؟ ولماذا لا يحق لأربعين مليون كردي بكردستان حرة؟….”
ومن جهة أخرى فإنّ حكومة الولايات المتحدة سرعان ما نأت بنفسها بعيداً عن جلسة الاستماع للكونغرس التي عقدها “روهراباتشر” وشهادة “بيترز”، حيث صرّحت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند بالقول: “إنّ نظرتنا لبلوشستان لم تتغير. نحن على علم بهذه الجلسة، وكما تعلمون فإنّ الكونغرس يعقد الكثير من الجلسات حول قضايا تتعلق بالشؤون الخارجية، وإنّ هذه الجلسات لا تعني بالضرورة أنّ الولايات المتحدة ترجح رأياً على آخر. ويهمني التأكيد على أنّ الخارجية الأمريكية لا تشارك في هذه الجلسات.” إنّ نفي حكومة الولايات المتحدة هذا لا يتفق مع الأدلة الدامغة على أنّ الولايات المتحدة ومن خلال كبار مفكريها ومن خلال المنظمات غير الحكومية والمواقع التي ترعاها الولايات المتحدة والحركات المشبوهة في بلوشستان، أنها تُحرّض على قيام ثورة في إقليم بلوشستان.
في سنة 2006، نشر معهد “كارنيغي للسلام” تقريرا بعنوان، “باكستان: عودة ظهور حركة البلوش القومية”. ألقى التقرير الضوء على غنى إقليم بلوشستان بالمصادر الطبيعية، ثم جعل القضية تكمن في استخدام ثوار بلوشستان ضدّ إسلام أباد وطهران. بالإضافة إلى ذلك، موّلت وزارة الخارجية الأمريكية المؤسسة الوطنية للديمقراطية وكان لصوت بلوشستان دور أساسي في إثارة الفتن والمشاعر القومية. والمؤسسة الوطنية الديمقراطية تموّل معهد بلوشستان للتنمية، الذي يدّعي أنّه الداعم الرئيس للديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان في بلوشستان، في الوقت الذي ينشط فيه صوت بلوشستان برسائل دعائية نيابة عن الحكومة الأمريكية. وهناك أيضاً المجتمع البلوشي لشمال أمريكا والذي يحمل رسائل دعم من “روهراباتشر” بصراحة. وفي السنوات القليلة الماضية كانت الحكومة الأمريكية تضغط على باكستان لتسمح لها بفتح قنصلية في كويتا عاصمة بلوشستان.
لا شك في أن القنصلية أمر أساسي للمخططات الأمريكية، ليكون لديها عيون وآذان على أرض الواقع لتنفيذ نواياها الشريرة ضد باكستان.
لكن على الرغم من كل العلامات الواضحة من إثارة أمريكا للمشاعر القومية في بلوشستان، فإنّ القيادتين المدنية والعسكريةفي باكستان ترفضان قبول هذه الإخبار وتعتبران أمريكا صديقا لهما وهما مستمرتان في الحفاظ على دعمهما غير المحدود لواشنطن.
هل نسي هؤلاء القادة أنّ هذه هي أمريكا نفسها التي تخلّت عن باكستان خلال حربها مع الهند في سنة 1971 التي كان نتيجتها تقطيع أوصال باكستان؟ وتكرر الشئ نفسه بعد انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان ما أدّى إلى نزوح ملايين الأفغان الذين لجأووا إلى باكستان.
إنّها أمريكا نفسها التي خرقت سيادة باكستان مراراً وتكراراً مُنذ أيلول/2001. ولا ننسى ذبح الآلاف من المواطنين الباكستانيين الأبرياء من خلال هجمات الطائرات من دون طيار، وإذلال الجيش الباكستاني خلال عملية أبوت أباد وإطلاق سراح ريموند ديفيس، وفقدان الأموال الطائلة من خلال نشاطات اقتصادية والتجارة الدولية، بسبب العلاقة غير المتوازنة.
إنّ علاقة أمريكا مع باكستان لم تضعف البلد فقط، لكنها قوّت عدوتها اللدود ومنافستها الهند. وأصبحت محنة الشعب الكشميري على وشك النسيان، وحرص قادة باكستان على التوصل إلى اتفاق من شأنه إبقاء السيطرة للهند على كشمير. وبفضل أمريكيا، تواجه باكستان الآن حالة عداء على حدودها الغربية التي تنتشر فيها القنصليات الهندية حيث تشكل خطرا قاتلا لباكستان. سوف لن يعترف حكام باكستان بأنهم ساعدوا أمريكا على تحويل باكستان إلى منطقة بلقان جديدة في آسيا، وأنهم كانوا يعلمون ذلك طوال الوقت. فعلى سبيل المثال، اعترف المبعوث الباكستاني السابق للمملكة المتحدة واجد شمس الحسن، أنّه من المقرر أن تتحول باكستان إلى “دولة فاشلة” بحلول سنة 2015، “كما أنها ستتأثر بحرب أهلية و”طَلْبَنة” كاملة وصراع من أجل السيطرة على أسلحتها النووية”.
وبدلاً من مواجهة هذا الاتجاه، فإنّ حكام باكستان يتواطئون مع أمريكا لبلقنة البلاد، فسلّموا باكستان ومقاطعاتها للأمريكيين. قال الله تعالى: “وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً“.
لقد فقدوا بوصلة أخلاقهم، وخانوا شعب باكستان واختاروا الطريق الذي يرضي أمريكا. إنّهم بالتأكيد يقودون الناس إلى حياة بائسة. قال تعالى: “وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً“.
إنّ السبيل الوحيد أمام شعب باكستان للحفاظ على وحدة كاملة غير منقوصة، تكمن في الابتعاد عن النوايا الأمريكية الشريرة والقوى الرئيسية الكبرى، وصياغة وحدتهم على أساس القرآن والسنة فقط. قال تعالى: “وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ”. وإنّ الطريقة العملية لتحقيق الوحدة السياسية، تكون عن طريق العمل لإقامة الخلافة، فعندها فقط سيجد الشعب الباكستاني الوحدة والسلام وسيكون في وضع يمكنه من التغلب على الهيمنة الأمريكية.
أبو هاشم البنجابي