تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” الحلقة الحادية والأربعون
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: “ثبات النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام على حمل الدعوة”.
ثمة مواقف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه يتحدون فيها المشركين، ويظهرون من الثبات ما هم له أهل. ومن هذه المواقف ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن موسى بن طلحة، أخبرني عقيل بن أبي طالب، قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفي مجلسنا فانهه عن إيذائنا، فقال لي: يا عقيل ائت محمدا، فانطلقت إليه فأخرجته من كبس، قال طلحة: بيت صغير، فجاء في الظهر من شدة الحر فجعل يطلب الفيء يمشي فيه من شدة حر الرمضاء، فأتيناهم، فقال أبو طالب: إن بني عمك زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم وفي مجلسهم، فانته عن ذلك فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء، فقال:”ما ترون هذا الشمس؟”قالوا: نعم، قال:”ما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم أن تشعلوا منها شعلة “قال أبو طالب: ما كذبنا ابن أخي قط فارجعوا.
ومنها ما رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرا، قال: فنزل على أمية بن خلف أبي صفوان، وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد، فقال أمية لسعد: انتظر حتى إذا انتصف النهار، وغفل الناس، انطلقت فطفت، فبينا سعد يطوف، إذا أبو جهل، فقال: من هذا الذي يطوف بالكعبة؟ فقال سعد: أنا سعد، فقال أبو جهل: تطوف بالكعبة آمنا، وقد آويتم محمدا وأصحابه؟ فقال: نعم، فتلاحيا بينهما، فقال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم، فإنه سيد أهل الوادي، ثم قال سعد: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام، قال: فجعل أمية يقول لسعد: لا ترفع صوتك، وجعل يمسكه، فغضب سعد، فقال: دعنا عنك، فإني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك، قال: إياي؟ قال: نعم، قال: والله ما يكذب محمد إذا حدث، فرجع إلى امرأته، فقال: أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي؟ قالت: وما قال؟ قال: زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي، قالت: فوالله ما يكذب محمد، قال: فلما خرجوا إلى بدر، وجاء الصريخ، قالت له امرأته: أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي؟ قال: فأراد أن لا يخرج، فقال له أبو جهل: إنك من أشراف الوادي، فسر يوما، أو يومين، فسار معهم، فقتله الله.
وما رواه الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم… فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل معه فسمع من قوله وأسلم مكانه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم “ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري قال والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه وأتى العباس فأكب عليه قال ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار ، وأن طريق تجاركم إلى الشام فأنقذه منهم ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه فأكب العباس عليه”.
وما رواه أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة عن عروة قال: كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا، قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه قال: دعوني فإن الله عز وجل سيمنعني. قال فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها حتى قام عند المقام ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم رافعا بها صوته {الرحمن علم القرآن} قال: ثم استقبلها يقرؤها. قال فتأملوه فجعلوا يقولون: ماذا قال ابن أم عبد؟ قال: ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ. ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك! فقال: ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا، قالوا: لا، حسبك، فقد أسمعتهم ما يكرهون”.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي