Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” الحلقة السابعة والأربعون

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو “ثبات حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام”.
في ولاية الأردن ضرب حاملو الدعوة من شباب حزب التحرير أروع الأمثلة في الثبات أمام السلطات الأمنية وأجهزة المخابرات العامة الذين أذاقوا الشباب أشد صنوف العذاب. وأما الموقف الثالث من المواقف التي تدل على ثباتهم فهو موقف وقفه أستاذي الفاضل يوسف أحمد السباتين رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته، فله علي فضل كبير، إذ أشرف على تدريسي فترة طويلة فنهلت من علمه ما أرجو أن ينفعني في دنياي وآخرتي. ولن أتحدث عن موقفه، بل أتركه يتحدث عن ذلك بنفسه من خلال مذكراته التي كتبها قبيل وفاته؛ لينتفع الناس بها عموما، وحاملو الدعوة على وجه الخصوص!

يقول رحمه الله: في عام أربعة وستين وتسعمائة وألف ميلادية، تم تدشين الصخرة المشرفة في القدس، وجاءت الوفود من كافة الأقطار الإسلامية للاحتفال، وتهنئة الأردن بتلك المناسبة، فدعا الحزب كثيرا من شبابه للقاء في المسجد الأقصى، وقرر زيارة الوفود الإسلامية، وإبلاغهم الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية، والكشف لهم عن عدم جدوى الاحتفال بالصخرة، وليت النقود التي أنفقت عليها أنفقت في شراء الأسلحة لحمايتها! ووزع الشباب على الوفود،كل اثنين منهم لزيارة وفد، وكان نصيبي وواحدا من الشباب الوفد السوداني، وتم تزويدنا بالأفكار الآتية لعرضها عليهم:

1. إن حكام الأردن جواسيس لليهود في البلاد العربية.
2. إن حكام الأردن نواطير لكيان يهود على الحدود.
3. إن تقدم يهود في منطقة الطوري مسافة أربعمائة متر على مسمع ومرأى من الحكومة الأردنية، ولم تحرك ساكنا هو خيانة.
4. بغير قيام دولة الخلافة تبقى هذه المشاكل دون حل.

لأجل القيام بهذه المهمة ركبنا نحن الاثنان سيارة أوصلتنا إلى فندق يسمى “إنتركونتنانتل” حيث يقيم الوفد السوداني، وهناك اعتقلنا، وضبطت المعلومات معي وأودعنا سجن القدس. وجاء مدعي المحكمة العرفية العسكرية “فائق الغضبان” للتحقيق. وقال لي: أنا ضابط تحقيق، وأساعد كل من يتعاون معي، وأبرز المستمسكات التي ضبطت معي، وكانت الأولى تحتوي على النقاط الأربعة التي ذكرنا. والثانية فيها هجوم عنيف على الحكام، وتسفيه تصرفاتهم، وكان قد كتبها واحد من أعضاء اللجنة المحلية، والثالثة فيها برنامج الحلقات الليلية والنهارية، وفي أي ساعة تعقد كل واحدة. فسألني: هل هذه الأوراق ضبطت معك؟ قلت: نعم. قال: من أي حزب أنت؟ قلت: من حزب الله. قال: هل أنت من حزب التحرير؟ قلت: من حزب الله. قال : هل حزب التحرير من حزب الله؟ قلت: عرف حزب التحرير. قال: أجب بـ “نعم” أو “لا”. قلت: أنت تملك السؤال، وأنا أملك الإجابة، فإن أردت أجبتك بآية من كتاب الله، أو بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو ببيت شعر. فكرر القول، وكررت الإجابة، فنهض من خلف الطاولة منفعلا، ووقف على يساري وأنا جالس على كرسي وضربني ثلاث لكمات. فقلت له: لقد صرت شرطيا، ولجأت إلى”المرافصة” التي هي أسلوب الحمير! ألك علي دين؟ ألا تستحيي، وقد كنت تقول بأنك محقق؟ لقد جعلتني أستحيي من عملك! عد إلى مجلسك، وحافظ على رزانتك الأولى.

فوقف منبهرا فاغر الفم، ولم ينبس ببنت شفة أي لم يتكلم بأية كلمة، إذ لم يكن يتوقع أن يسمع ما سمع، فعاد إلى مجلسه، وسأل السؤال نفسه، فقلت له: غير سؤالك، فقد أقمت عليه معركة. فقال: هل تستنكر حزب التحرير؟ فقلت: السؤال خطأ. فقال ما الصحيح؟ قلت: السؤال يكون كالآتي: هل تستنكر أعمال حزب التحرير وتتبرأ من أشخاصهم؟ قال: فليكن السؤال كذلك. أجب. قلت: إنني مسلم، وأمتثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”. فقل لي ما هي أعمال حزب التحرير المنكرة حتى أستنكرها!

إنني حينما أرى منكرا أستنكره استجابة لله ولرسوله، لا لطلبك مني أن أستنكره، ولا أنتظرك حتى تطلب مني أن أستنكره. وأما البراءة من الأشخاص، فالله تعالى يقول في الآية الرابعة عشرة بعد المائة من سورة التوبة: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ? إن إبراهيم لأواه حليم} فدلني على أعداء الله لأتبرأ منهم. قال: هل انتهيت؟ قلت: لا، بقيت الإجابة القانونية. قال: أجب إذا. قلت: هل في القانون الأردني مادة تقول: “إن من لا يستنكر حزب التحرير يعاقب؟” فلم يجب. فقلت: الجواب يحتمل أن يكون كلمة واحدة من اثنتين لا ثالث لهما: إما “لا” وإما “نعم”. فإن كان الجواب “نعم” يكن القانون الأردني أهمج قانون وجد على وجه الأرض، لأنك يا محقق لم تستنكر حزب التحرير، فتكون في نظر القانون الأردني مجرما تستحق العقوبة، وكل أفراد الجيش وضباطه كذلك. بل كل الموظفين والعمال والفلاحين وإن شئت قل: كل أفراد الشعب الأردني مجرمون لأنهم لم يستنكروا حزب التحرير. وهذا غير معقول! ولذلك فالجواب الصحيح هو “لا”. فسؤالك مردود قانونيا. فقال: ماذا تعمل؟ قلت: مدرسا. قال: ما تحصيلك العلمي. قلت: ما زلت أدرس في كلية الشريعة في جامعة دمشق. فقال: لقد مضى علي ستة وعشرون عاما في هذا العمل، وقد جن جنوني من حزب التحرير، وأنت قد قضيت علي!

فقلت له: لا أعطاك الله العافية، ستة وعشرون عاما أمضيتها في خدمة النظام، وما زلت رئيسا برتبة ثلاث نجوم. وقلت محرضا إياه على ترك عمله: “إنهم يأتون بالراعي من وراء الجمال، لا يعقل شيئا ويضعونه في وظيفة بمثل وظيفتك، ورتبة ثلاث نجوم بمثل رتبتك! “ستة وعشرون عاما وأنت تظلم الناس؟ ألا تترك هذه الوظيفة، وتفتح لك مكتبا، وتعمل محاميا تدافع عن حقوق الناس المظلومين بدلا من اتهامهم، ونصب الفخاخ لهم لتوقعهم في شرك وحبائل الظالمين.
أجل أيها المسلمون هكذا كان موقف حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام! لم يكتفوا بالثبات على الحق أثناء حمل الدعوة، بل يطمحون إلى أن يكونوا ثابتين أيضا أمام الكفار في ساحات القتال، وفي ميادين الجهاد في سبيل الله! وقد صدق فيهم قول الشاعر:

قف دون رأيك في الحياة مجاهدا      إنما الحيـاة عقيـدة وجهـاد

 

عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد احمد النادي