خبر وتعليق انتخابات رئاسة الجمهورية في مصر استهزاء بتضحيات الثورة وتعزيز لسيطرة امريكا على مصر
مر ما يقرب من ثمانية عشر شهرا على سقوط مبارك، ولكن تمكنت أمريكا من خلال عملائها في المجلس الأعلى للقوات المسلحة من اختراق الثورة المصرية، وتجريد جماعة الإخوان المسلمين من سلاحهم، ومن خلال ذلك، تمكنت الولايات المتحدة من النجاح في الحفاظ على النظام الموالي لها سليما بخسارة بعض الوجوه فحسب، على نحو مماثل للنموذج اليمني، حيث عمل الغرب على المحافظة على نظام صالح، وكذا الحال في النظام المصري الحالي، الذي لم يُصِبْ سوى بخروج مبارك من السلطة. وبناء على هذا فإنّ إعلان جماعة الإخوان انتصارَ مرسي في الانتخابات الرئاسية ليس إلا إعلانا أجوفَ وساذجا.
خلال العام الماضي تمكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو من بقايا الفترة الناصرية، من خداع الشعب المصري، حيث روض المعارضة المنقسمة واحتفظ بالسيطرة المطلقة على الشؤون المصرية، وواصل الحفاظ على الهيمنة الأمريكية في المنطقة، فقد كان ترشيح شفيق للرئاسة وتبرئة أبناء مبارك وإعلان المحكمة العليا حلَّ البرلمان بعض الإجراءات الواضحة التي سنها جنرالات الجيش لضمان احتفاظ المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالسلطة، ولكن ربما كان الإجراء الأكثر جرأة من بين كل تلك المناورات السياسية هو إصدار المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرسوما يحد من صلاحيات رئيس الجمهورية.
مثل هذا التصرف يمنح جنرالات الجيش السيطرة الكاملة على جميع المسائل المدنية والتشريعية، وبعبارة أخرى هو تفويض مطلق لكتابة الدستور في البلد على مقاس قادة الجيش، فقد أعطى هذا المرسوم المجلسَ الأعلى للقوات المسلحة حقَّ تعيين أعضاء جمعية كتابة الدستور، والتدخل في صياغة المواد والاعتراض على أي تشريع مقترح يمس مصالح جنرالات الجيش.
ما كان للمجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يكون بهذه الجرأة في القيام بانقلاب عسكري ضد الشعب المصري لولا المعارضة الإسلامية، فالمعارضة الإسلامية لم تتحدث يوما بصوت واحد وقد كانت متناقضة مع نفسها مرارا وتكرارا، في محاولات لإرضاء الغرب والجيش وغير المسلمين والمسلمين في مصر، وقد كانت الأحزاب الإسلامية غير قادرة على التعبير بصراحة عن رأيها في العلاقات ما بين مصر وبين أمريكا و”إسرائيل”، ودور الشريعة الإسلامية في المجتمع، ونظام الحكم وكيفية معاملة غير المسلمين. وفي سعيها لاسترضاء الغرب نسيت أن تتقي الله سبحانه وتعالى القائل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } والقائل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }.
وفي سعيها للظهور بأكثر ليبرالية أمام الغرب، خسرت المعارضة الإسلامية ثقة المصريين، وكثير من الناس الآن يرون النفاق في أعمالها، وبدؤوا في الابتعاد عنها، كما أنّ المسلمين العاديين ليسوا الوحيدين الذين أصيبوا بخيبة أمل، بل إنّ صفوف هذه الحركات وبخاصة الشباب أصيبوا هم أيضا بخيبة أمل من مواقف قادتهم، قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا }.
ومع ذلك، فإنّ أسوأ الأمور بالنسبة للمعارضة الإسلامية كان تمسكها الأعمى بالعملية الانتخابية الديمقراطية، بينما التزمت الصمت حيال تصرفات المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
كان على الأحزاب الإسلامية في مصر أن يعلموا بأنّه من المستحيل إيصال الإسلام إلى الحكم عن طريق مشاركة أنظمة الكفر أو المفاوضات معها، فالتاريخ الحديث حافل بالأمثلة، حيث الأحزاب الإسلامية فشلت فشلا ذريعا في إيصال الإسلام من خلال المشاركة مع الكفر، فمثال الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر في عام 1991 واستغلال المجلس الإسلامي المتحد (MMA) من قبل مشرف في عام 2002 هما مثالان صارخان على هذا.
إنّ الطريقة الوحيدة أمام المسلمين في مصر للتخلص من طغيان الغرب وعملائه هو من خلال إعادة إقامة الدولة الإسلامية، فيجب على الأحزاب الإسلامية أن تحشد قواها مع المسلمين في مصر وبالتعاون مع الضباط المخلصين في الجيش المصري لإعادة إقامة الخلافة الراشدة وإعطاء البيعة للخليفة الذي يحكم بالقرآن والسنة { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }.
أبو هاشم البنجابي