بيان صحفي لم يتغير شيء في المحاكم؛ الأساس هو ذاته، ولكن الأسماء تغيرت! “مترجم”
إن محاكم “أمن الدولة” التي رفعت عام 2004 في إطار قوانين ملائمة الاتحاد الأوروبي وضع مكانها “محاكم العقوبات الثقيلة ذات الصلاحية الخاصة”. فبالرغم من ضغوط جماعة معينة فإنه بناء على تعليمات رئيس الوزراء الخاصة فقد رفعت هذه المحاكم بإدخالها في الحزمة الثالثة للقضاء. فبناء على الاقتراح الذي قبل في اللجنة العامة للمجلس وقد قدم هذا الاقتراح من قبل الحكومة وحصل حوله عراك بين النواب، فقد تقرر تأسيس “محاكم العقوبات الثقيلة المحلية” في 29 ولاية مكان تلك المحاكم ذات الصلاحية الخاصة، وذكر فيه بأن القضايا التي تتابع من قبل الرأي العام باهتمام كبير كقضية الباليوز (المطرقة) وقضية اركناغون فإنها لن تتأثر من هذه التغييرات، وذكر فيه أيضا بأن المحاكم الموظفة حسب المادة 250 من قانون محاكم العقوبات ستكون صاحب صلاحية حسب المادة العاشرة من قانون مكافحة الإرهاب.
إن سبب رفع المحاكم ذات الصلاحية الخاصة التي افتخر بها حزب العدالة والتنمية الحاكم عندما قال “حكومتنا هي التي أقامتها” على إثر رفع محاكم أمن الدولة، إن سبب ذلك هو استدعاء موظفين من ذوي الرتب العالية في جهاز المخابرات الوطنية للإدلاء بإفادات فيما يتعلق بالتحقيق بقضية “تنظيم القواعد الشعبية الكردستانية” والهدف الحقيقي من ورائها رئيس الوزراء نفسه. فكما هو معلوم فإن إردوغان قد رأى خطورة من استدعاء المدعي العام للمحاكم الخاصة لمستشار جهاز المخابرات الوطنية بصفته مشتبها به في تورطه في تلك القضية، فرأى أنه هو الهدف المباشر من هذا الاستدعاء، فقام في إحدى الليالي من فراش المرض ومنع إجراء هذا التحقيق وذلك بتغيير القانون الذي وضعه سابقا.
هذا هو السبب الحقيقي من وراء رفع المحاكم ذات الصلاحية الخاصة، بالإضافة إلى ذلك فإن الإجراءات المحتملة التي ستطبقها محاكم العقوبات الثقيلة المحلية التي ستقام لن تختلف عن الإجراءات التي كانت تطبقها المحاكم ذات الصلاحية الخاصة التي رفعت. فدولة الجمهورية التركية لم تشعر بالأمن على مدى تاريخها، ولذلك كانت تؤسس ما يشبه هذه المحاكم في كل فترة من فتراتها في سبيل المحافظة على بقائها. ففي أولى سنوات عهدها أسست هذه الجمهورية محاكم الاستقلال فحكمت على الآلاف من الناس بالإعدام، وبعد سنوات من ذلك أسست محاكم الحكم العسكري، وبعد ذلك محاكم الطوارئ القصوى، ومن ثم محاكم أمن الدولة وتبعها محاكم العقوبات الثقيلة ذات الصلاحيات الخاصة. فبفضل هذه المحاكم بقي هذا النظام الفاسد قائما على قدميه، حيث حكمت على عشرات الآلاف من المسلمين ظلما وعدوانا بعقوبات مختلفة. فقد رأت هذه المحاكم أن كل شخص أُجلس على كرسي الاتهام من أجل المحافظة على الدولة وعلى النظام عدوا لهم وقد حملت مرافعات الدفاع معنى خارجا عن الأصول. فالمحاكمات التي أُجريت للمئات من شباب حزب التحرير قد جرت على هذا الصعيد من قبل تلك المحاكم. فبالرغم من أن أعضاء حزب التحرير لا يستخدمون الشدة والعنف قطعيا ولا بأي شكل من الأشكال، ولم يتبنوا طريقة حمل السلاح في دعوتهم ويستمرون في حمل دعوتهم بالفكر وبالكفاح السياسي الخالص فإنهم حوكموا في هذه المحاكم ويحاكمون حتى اليوم على أساس مخالف للأصول وللحقوق وعلى أساس أنهم أعداء، وكلهم تقريبا قد صدرت بحقهم عقوبات.
بالإضافة إلى ذلك فإن رفع هذه المحاكم يثبت مرة أخرى بأن مبدأ فصل السلطات الذي يعتبر أحد الأسس للدولة الديمقراطية الحديثة ما هو إلا مغالطة كاذبة. فالسلطة التنفيذية تتدخل كيفما تشاء في السلطتين التشريعية والقضائية. فالقوانين التي هي من وضع البشر تستبدل حسب الأهواء والمصالح، في الوقت الذي ينتظر فيه من الإنسان العاجز المحتاج والمحدود أن يصنع القوانين المثالية! فنذكّر رئيس الوزراء الذي قال “إننا على وشك الوصول إلى المثالية” وذلك عندما رفع المحاكم ذات الصلاحية الخاصة، نذكّره قائلين: إنه لا يمكن الوصول إلى المثالية إلا بتطبيق نظام الإسلام الذي أنزله الله سبحانه وتعالى. والمهم ليس أسماء المحاكم وإنما هو بماذا تحكم هذه المحاكم؟ وإنه لا يمكن أن تجري محاكمات عادلة إلا في ظل دولة تحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى وتجعل الإسلام مهيمنا على الحياة. وهذه الدولة هي دولة الخلافة الراشدة الثانية التي تُسمع أصوات قدومها بإذن الله عز وجل.