تأملات في كتاب من مقومات النفسية الإسلامية ح89
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق:
عشرون: ومن الأخلاق الذميمة التهاجر والتدابر: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث”. متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس, فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا, إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء, فيقال: اتركوا هذين حتى يصطلحا, اتركوا هذين حتى يصطلحا”. رواه مسلم. وعن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان, فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام”. والهجر إذا كان لله, فهو جائز، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بهجر الثلاثة الذين خلفوا في غزوة العسرة, غزوة تبوك.
واحد وعشرون: ومن الأخلاق الذميمة السب واللعن: لعن المصون حرام بإجماع المسلمين، ويجوز لعن أصحاب الأوصاف المذمومة، كقولك لعن الله الظالمين، لعن الله الكافرين، لعن الله اليهود والنصارى، لعن الله الفاسقين، لعن الله المصورين، ونحو ذلك. والأدلة على تحريم لعن مؤمن بعينه، حديث أبي زيد ثابت بن الضحاك الأنصاري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله”. متفق عليه. وحديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: عن زيد بن أسلم أن عبد الملك بن مروان بعث إلى أم الدرداء بأنجاد من عنده, فلما أن كان ذات ليلة قام عبد الملك من الليل فدعا خادمه, فكأنه أبطأ عليه فلعنه, فلما أصبح قالت له أم الدرداء: سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته, فقالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة”. رواه مسلم. والأنجاد: جمع نجد, وهو متاع البيت الذي يزيـنه.
وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سباب المسلم فسوق, وقتاله كفر”. متفق عليه. وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه, قيل: يا رسول الله, وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل, فيسب أباه ويسب أمه”. رواه البخاري.
وأما جواز لعن من اتصفوا بصفات معينة، فمن أدلتها قوله تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}. (المائدة 78). وقوله: {إن الله لعن الكافرين}. (الأحزاب 64). وقوله: {كما لعنا أصحاب السبت}. (النساء 47). وقوله تعالى: {لعنة الله على الكاذبين}. (آل عمران 61). وقوله: {ألا لعنة الله على الظالمين}. (هود 18). وقوله:{إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى? من بعد ما بيناه للناس في الكتاب? أولـ?ئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}. (البقرة 159).
ومن السنة حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: “لعن الله اليهود والنصارى, اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”. متفق عليه. وحديث ابن عباس رضي الله عنه قال: بلغ عمر أن سمرة باع خمرا فقال: قاتل الله سمرة ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها”؟ متفق عليه. ومعنى جملوها: أذابوها.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده, ويسرق الحبل فتقطع يده”. متفق عليه. وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: “لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة”. متفق عليه. والواشمة من الوشم وهو أن يغرز الجلد بإبرة, ثم يحشى بكحل أو نيل فيزرق أثره أو يخضر. والواصلة هي التي تصل شعر المرأة بشعر آخر.
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. رواه ابن ماجة والترمذي في سننه. وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال, والمترجلات من النساء وقال: أخرجوهم من بيوتكم”. رواه البخاري. وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مثل بالحيوان” رواه البخاري.
وحديث سعيد بن جبير قال: “مر ابن عمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا, وهم يرمونه وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم, فلما رأوا ابن عمر تفرقوا, فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا”. رواه مسلم. وحديث جابر قال: “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء”. رواه مسلم.
فإذا التزم المسلم بالأخلاق الفاضلة, باعتبارها أحكاما شرعية واجبة الاتباع طاعة لله: امتثالا لأوامره, واجتنابا لنواهيه, فإنه يسمو ويرقى في المرتقى السامي من علي إلى أعلى, ومن شاهق إلى شاهق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي