Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات في كتاب من مقومات النفسية الإسلامية الحلقة الرابعة والتسعون

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أيها المسلمون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق:

ومن الأخلاق الذميمة الرياء والتسميع: والتسميع قد يكون بقربة قد فعلها في السر، كمن قام الليل وأصبح يحدث الناس بذلك، كما يكون بقربة فعلها علنا في مكان فحدث بها في مكان آخر، كل ذلك بقصد نيل رضا الناس.

ومن أحسن ما نقل إلينا عن القرن الأول وابتعادهم عن التسميع ما نقله أبو يوسف في الآثار عن أبي حنيفة عن علي بن الأقمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر برجل وهو يأكل بشماله، وعمر يقوم على الناس وهم يأكلون فقال له: كل بيمينك يا عبد الله، قال: إنها مشغولة. ثم مر به الثانية فقال مثل ذلك، ثم مر به الثالثة فقال مثل ذلك، فقال: شغل ماذا؟! قال: قطعت يوم مؤتة، قال: ففزع عمر لذلك فقال: من يغسل ثيابك؟ من يدهن رأسك؟ من يقوم عليك؟ قال: فعدد عليه بمثل هذا، ثم أمر له بجارية وراحلة طعام ونفقة. قال فقال الناس: جزى الله عمر عن رعيته خيرا. وما رواه البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه قال: “خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه, فنقبت أقدامنا ونقبت قدماي, وسقطت أظفاري, وكنا نلف على أرجلنا الخرق, فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا, وحدث أبو موسى بهذا ثم كره ذاك. قال: ما كنت أصنع بأن أذكره؟ كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه”. والرياء والتسميع كلاهما حرام بلا خلاف، والأدلة على ذلك كثيرة منها: قوله تعالى: {الذين هم يراءون}. (الماعون6) وقوله تعالى: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}. (الكهف110) وقوله صلى الله عليه وسلم من حديث جندب عند البخاري ومسلم: “من سمع سمع الله به، ومن يراء يراء الله به” واللفظ للبخاري. وحديث ابن عباس عند مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من سمع سمع الله به, ومن راءى راءى الله به”.

وحديث أبي هريرة عند مسلم والنسائي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة: رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمته فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ فقال: قاتلت في سبيلك حتى استشهدت، قال: كذبت. إنما أردت أن يقال: فلان جريء. فقد قيل فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته, وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت وإنما تعلمت ليقال: عالم, وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ. فقد قيل, ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله, فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ فقال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال: هو جواد. فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار”.

وحديث أبي هند الداري عند البيهقي والطبراني وأحمد واللفظ له أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “من قام مقام رياء وسمعة رايا الله به يوم القيامة وسمع”. قال المنذري: إسناده جيد. وقال الهيثمي: رجال أحمد والبزار وأحد أسانيد الطبراني رجال الصحيح.

وحديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني والبيهقي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه وصغره وحقره”. قال المنذري: أحد أسانيد الطبراني صحيح. وحديث عوف بن مالك الأشجعي عند الطبراني بإسناد حسن قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من قام مقام رياء رايا الله به، ومن قام مقام سمعة سمع الله به”. وحديث معاذ بن جبل عند الطبراني بإسناد حسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعة ورياء, إلا سمع الله به على رؤوس الخلائق يوم القيامة”.

وعند ابن ماجة والبيهقي بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال فقال: “ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم من المسيح الدجال؟ فقلنا: بلى يا رسول الله، فقال: الشرك الخفي أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل”. اللهم جنبنا التسميع والرياء في النـية والقول والعمل, آمين.

فإذا التزم المسلم بهذه الأخلاق الفاضلة, باعتبارها أحكاما شرعية واجبة الاتباع طاعة لله: امتثالا لأوامره, واجتنابا لنواهيه, فإنه يسمو ويرقى في المرتقى السامي من علي إلى أعلى, ومن شاهق إلى شاهق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

محمد أحمد النادي