تأملات في كتاب من مقومات النفسية الإسلامية الحلقة الثامنة والتسعون
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق:
ثلاثون: ومن الأخلاق الذميمة الكبر والعجب: أخرج مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس”. ومعنى بطر الحق دفعه ورده على قائله، وغمط الناس ازدراؤهم واحتقارهم. وقيل في معنى الكبر: إنه المخيلة, وقيل: العظمة، وقيل: رفع النفس فوق الاستحقاق، وقيل: أن يعجب المرء بنفسه بحيث يراها أكبر من غيرها. ومحل الكبر القلب بدليل قوله تعالى: {إن في صدورهم إلا كبر}. (غافر 56) وقوله صلى الله عليه وسلم السابق: “من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر”.
أما العجب فهو نظر المرء إلى نفسه بعين الاستحسان، بحيث يتصور أنه في رتبة وهو ليس أهلا لها. والفرق بينه وبين الكبر أن العجب لا يتعدى صاحبه إلى غيره، فيعجب وهو بين الناس ويعجب خاليا. بخلاف الكبر، فإنه يكون تكبرا على الناس وخيلاء ودفعا للحق ورده وتعظما على الناس.. والكبر والعجب كلاهما حرام، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة. أما من الكتاب فقوله تعالى: {ثاني عطفه}. قال مجاهد في تفسيره: “عطفه: رقبته. وثاني عطفه أي أنه مستكبر في نفسه.
وأما من السنة فما رواه البخاري ومسلم في باب الكبر عن الحارثة بن وهب الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ألا أخبركم بأهل الجنة، كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبره. ألا أخبركم بأهل النار، كل عتل جواظ مستكبر”. رواه مسلم في الصحيح, والبخاري في الأدب المفرد كلاهما عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار”. وروى الترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه وابن ماجة والحاكم في المستدرك وصححه عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”من مات وهو بريء من ثلاث من الكبر والغلول والدين دخل الجنة”. وروى البخاري في الأدب المفرد، والترمذي وقال حسن صحيح، وأحمد والحميدي في مسنديهما، وابن المبارك في الزهد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صورة الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن من جهنم يسمى: بولس، تعلوهم نار الأنيار، ويسقون من عصارة أهل النار، طينة الخبال”. وروى البخاري في الأدب المفرد والحاكم في المستدرك وصححه, وأحمد بإسناد قال عنه الهيثمي: رجاله رجال الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من تعظم في نفسه، أو اختال في مشيته، لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان”. وروى البزار بإسناد جيد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه: العجب”. وروى ابن حبان في روضة العقلاء وأحمد والبزار، وقال المنذري: رواتهما محتج بهما في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “إن العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمته، وقال: انتعش نعشك الله، فهو في نفسه صغير وفي أنفس الناس كبير، وإن العبد إذا تعظم وعدا طوره وهصه الله إلى الأرض، وقال: اخسأ خسأك الله، فهو في نفسه كبير وفي أنفس الناس صغير”. وروى الماوردي في أدب الدنيا والدين عن الأحنف بن قيس قال: “عجبت لمن جرى مجرى البول مرتين كيف يتكبر!!”. وروى النووي في المجموع عن الشافعي أنه قال: “من سام بنفسه فوق ما يساوي، رده الله إلى قيمته”. وقال: “أرفع الناس قدرا من لا يرى قدره، وأكثرهم فضلا من لا يرى فضله”. وحدث وكيع قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إن أخوف ما أتخوف عليكم شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء برأيه، وهي أشدهن”.
وانظروا إلى تواضع وورع الأمير المؤسس الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله! لما سمعت بريطانيا بالشيخ وعرفت أنه يريد تأسيس حزب إسلامي يدعو إلى إقامة الخلافة فأرسلت إليه رجلا من السفارة البريطانية في ولاية الأردن يعرض عليه مساعدة مالية لجس نبض هذا الشيخ وهذا الحزب الجديد لعلها تخترقه وتجند مؤسسه لخدمتها, فأخرج الشيخ تقي الدين النبهاني من درج مكتبه حبة من نبات البندورة, ورغيف خبز, وقال للرجل: قل لبريطانيا: هذه تكفيني!
فإذا التزم المسلم بهذه الأخلاق الفاضلة, باعتبارها أحكاما شرعية واجبة الاتباع طاعة لله: امتثالا لأوامره, واجتنابا لنواهيه, فإنه يسمو ويرقى في المرتقى السامي من علي إلى أعلى, ومن شاهق إلى شاهق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد أحمد النادي