تأملات في كتاب من مقومات النفسية الإسلامية ح111
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: “قيمة العلم, وقدر العلماء”.
هذه مجموعة من المقولات, قالها بعض العلماء من الصحابة وغيرهم من أهل العلم الذين آتاهم الله علما جما, وفصاحة في اللسان, جمعتها لكم, وقد أحببت أن أضعها بين أيديكم فهي مليئة بالفوائد والعبر, يأنس بها القلب, وتفرح بها النفس, وتشحذ بها الهمم, وتغذى بها العقول, فأرجو الله أن ينفعنا بها وإياكم. أقول: لما دخل الحجاج بن يوسف الثقفي البصرة قال: من سيد البصرة؟ فقيل له: الحسن البصري، قال: كيف وهو من الموالي؟! فقيل له: لأن الناس احتاجوا إلى علمه, وزهد هو عما في أيدي الناس. نعم، إنه العلم الذي يرفع الله به صاحبه مهما كان شكله أو لونه أو صنعته أو حالته.. إنه سيد التأثير.. تأثير موصول بالسماء.. تأثير عابر للقارات، بل وعابر للقرون والأحقاب، إذ لازال الناس يتأثرون بأقوال العلماء الأفذاذ الذين بليت أجسادهم منذ أمد بعيد وما بليت أقوالهم وأعمالهم ولا تبدد تأثيرهم ونفعهم. ولذلك قالوا: عوامل الفوز والنجاح والتأثير ثلاثة: أن تكون صاحب مواقف وقناعات راسخة. وأن تكون صاحب علم ومعرفة. وأن تكون صاحب مهارات فائقة. ولقد تأملت في واقع كثير من المؤثرين, فوجدت أن أغلبهم وقفوا موقفا مبدئيا أملته عليهم عقيدتهم التي يؤمنون بها, أو تمكنوا في علم من العلوم أو في فن من الفنون، فاستطاعوا أن يفرضوا أنفسهم، وأن يلووا أعناق الناس إليهم، فاقتدى بهم خلق كثير, وتأثروا بأفكارهم ومبادئهم رغم أنهم لم يكونوا من أعيان الناس ووجهائهم. لقد رفع الله من قيمة هؤلاء العلماء المؤثرين قبل أن يرفعهم البشر، فقال تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات * والله بما تعملون خبير}. (المجادلة 11) وقال تعالى: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه * قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون * إنما يتذكر أولو الألباب}. (الزمر 9) ويقول الإمام الشافعي رحمه الله:
العلم مغرس كل فخر فافتخـر | واحذر يفوتك فخر ذاك المغرس | |
واعـلم بأن العلم ليـس يناله | من همه في مـطعـم أو ملبس | |
إلا أخـو العلم الذي يعنى بـه | في حالتيـه عاريـا أو مكتسي | |
فاجعل لنفسك منه حظا وافـرا | واهجـر له طيب الرقاد وعبس | |
فلعل يومـا إن حضرت بمجلس | كنت الرئيس وفخر ذاك المجلس |
قال أبو الأسود الدؤلي: “ليس شيء أعز من العلم، الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك”.
إن الأكابر يحكمون على الورى وعلى الأكابر يحكـم العلمـاء
ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “أيها الناس عليكم بطلب العلم، فإن لله رداء محبة، فمن طلب بابا من العلم رداه الله بردائه ذاك”. ويقول الحسن رحمه الله: “لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم. أي أنهم بالعلم يخرجون الناس من حد البهيمية إلى حد الإنسانية”. ويقول يحيى بن معاذ: “العلماء أرحم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من آبائهم وأمهاتهم، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا، وهم يحفظونهم من نار الآخرة”. ويقول الحسن البصري: “موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اطرد الليل والنهار”. ويقول سفيان الثوري: “ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم”. ويقول الحسن البصري: “يوزن مداد العلماء بدماء الشهداء, فيرجح مداد العلماء”. ويقول الشاعر:
رضينـا قسمـة الجبـار فينا | لنـا علـم وللجهـال مـال | |
فعـز المـال يفنـى عن قريب | وعـز العلـم بـاق لا يـزال |
وقال ابن وهب: كنت عند مالك قاعدا أسأله، فجمعت كتبي لأقوم، فقال مالك: أين تريد؟ قلت: أبادر إلى الصلاة، قال: “ليس هذا الذي أنت فيه دون ما تذهب إليه إذا صحت فيه النـية”.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي