معالم الإيمان المستنير القضاء والقدر ح4
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
مسألة القضاء والقدر مسألة مهمة من مسائل العقيدة الإسلامية, لا بد من فهمها فهما صحيحا, ولا بد من بحثها على أساس صحيح. فكثيرا ما يتساءل الناس في مجالسهم, وأثناء حديثهم, ومن خلال مناقشاتهم هذا التساؤل: هل الإنسان مخير في أفعاله, أم هو مسير فيها؟ بمعنى: هل الإنسان مجبور على أعماله التي يقوم بها, أم يقوم بها مختارا؟
هذه المسألة “مسألة القضاء والقدر” بهذا الاسم, وبهذا المسمى لم ترد لا في الكتاب ولا في السنة, ولم يعرفها المسلمون لا في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم , ولا في عصر الصحابة الكرام, ولم يتطرقوا إليها بالبحث إلا في العصور المتأخرة, بعد عصر الفتوحات الإسلامية, وهي مسألة سبق للفلاسفة اليونان أن بحثوها واختلفوا فيها. فإن هذه المسألة تسمى: (القضاء والقدر). أو (الجبر والاختيار). أو (حرية الإرادة) وكلها أسماء تعني مسمى واحدا يتضمن معنى السؤال الآتي: وهو أن ما يحدث من الإنسان من أفعال هل هو حر في إحداثها أو هو مجبور عليها؟ وهذا المعنى لم يخطر ببال المسلمين أن يبحثوه قبل ترجمة الفلسفة اليونانية, وإنما بحثه الفلاسفة اليونان واختلفوا فيه على النحو الذي سنبينه لاحقا.
أما الأبيقوريون فهم يرون أن الإرادة حرة في الاختيار, والإنسان يفعل جميع الأفعال بإرادته واختياره دون أي إكراه.
وأما الرواقيون فإنهم يرون أن الإرادة مجبرة على السير في طريق لا يمكنها أن تتعداها, والإنسان لا يفعل شيئا بإرادته, وإنما هو مجبور على أي شيء ولا يملك أن يفعل وألا يفعل.
أيها المؤمنون:
نأتي الآن إلى نشأة المتكلمين ومنهجهم في علم الكلام فنقول: آمن المسلمون بالإسلام إيمانا لا يتطرق إليه ارتياب, وكان إيمانهم من القوة بحيث لا يثير فيهم أية أسئلة مما فيه شبهة التشكيك, وقد خرجوا إلى العالم يحملون رسالة الإسلام للناس كافة, ويقاتلون في سبيلها, وفتحوا البلاد ودانت لهم الشعوب.
وقد انصرم القرن الهجري الأول وتيار الدعوة الإسلامية يكتسح العالم, والأفكار الإسلامية تعطى للناس كما تلقاها المسلمون نقية صافية, في فهم مشرق, وإيمان قطعي, ووعي منقطع النظير!
إلا أن حمل الدعوة الإسلامية في البلدان المفتوحة أدى إلى الاصطدام الفكري مع أصحاب الأديان الأخرى ممن لم يدخلوا الإسلام بعد, وممن دخلوا فيه حديثا. وكان هذا الاصطدام الفكري عنيفا, فقد كان أصحاب الأديان الأخرى يعرفون بعض الأفكار الفلسفية, وعندهم آراء أخذوها عن أديانهم, فكانوا يثيرون الشبهات, ويجادلون المسلمين في العقائد, لأن أساس الدعوة مبني على العقيدة, فكان حرص المسلمين على الدعوة, وحاجتهم للرد على خصومهم, قد حمل الكثيرين منهم على تعلم الأفكار الفلسفية لتكون بيدهم سلاحا ضد خصومهم. وقد أثرت عليهم الأفكار الفلسفية التي تعلموها تأثيرا كبيرا في طريقة استدلالهم, وفي بعض أفكارهم, فتكون من جراء ذلك علم الكلام وصار فنا خاصا, ونشأت في البلاد الإسلامية بين المسلمين جماعة المتكلمين.
أيها المؤمنون:
نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.