Take a fresh look at your lifestyle.

خبر وتعليق متى تنهي القيادة الفلسطينية طهي الحجارة؟

بينما كان رئيس السلطة الفلسطينية يلملم أمتعته للعودة من حجه الباطل إلى محفل الأمم المتحدة، كان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس منشغلا في أداء مناسك أخرى في المحفل التركي، حيث ألقى خطبة، قد تكون خطبة الوداع بعدما رشح من أخبار حول عدم ترشحه لرئاسة الحركة من جديد: وأكد مشعل “تمسك حركته بتحرير فلسطين وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة “حقيقية”، وأنهم “جادون في إنهاء الانقسام لان فلسطين ليست لحماس”، واصفا “الانقسام” بأنه “شرٌ فُرض” على حماس، كما أورد موقع فلسطين برس. وتزامن هذا المشهد مع إسدال الستار على مشهد رئيس السلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة، الذي أتم “مناسكه” الباطلة في شهر أيلول لهذا العام، كما أتمها في أيلول من العام الفائت: ألقى خطابا رنّانا كما ألقى خطابه في عامه المنصرم.

وهكذا ظلّت القيادات الفلسطينية تسعى بين العواصم العربية وتطوف على المحافل الغربية تلقي الخطابات، وتَعدُ الناس بالتغيير (والتحرير!) وتعديل المسير، ولكنها في حقيقة أمرها ظلّت ترقد حول قدر فارغ إلا من حجارة تطهوها أُلهية، لتسكين أهل فلسطين عن قلب الطاولة على رؤوس من خطف قضية فلسطين واحتكرها، وظلّت تتراكض ضمن حراك كاذب، يشد الناس فيه خلف سراب ووهم “الدولة ذات السيادة” المكذوب والباطل، ويصرف أنظارهم عن مواجهة الحقيقة.

وأمام هذه الحالة البشعة من استخفاف القادة بشعوبهم، يبرز السؤال: ماذا أنجزت القيادة الفلسطينية خلال العام وفي كل الأعوام السابقة غير طهي الحجارة؟

إن الحقيقة المرة أن هذه القيادات تقوم بكل شيء إلا ما يتعلّق بالتحرير والتحضير لمعركة الجيوش وجهادها من أجل خلع الاحتلال من جذوره، وهي قيادات متمسّكة بثوابت هذه الحال، وتصر على حشر قضية فلسطين في نفق المصالحة (الكاذبة)، التي لا تعني سياسيا إلا اتفاق الفرقاء على محاصصة السلطة، وعلى برنامج سياسي يمرر نهج المفاوضات بينما يحفظ للقيادات “الإسلامية” ماء الوجه أمام أتباعها.

إن رئيس السلطة يكذب على الناس عندما يعدهم ويمنّيهم “بدولة”، يتحرك لتحقيقها عبر استجداء أمريكا، وهو يعلم علم اليقين أنها في سنتها الانتخابية هذه تكون بطة عرجاء، أو كما قرر في كتابه “طريق أوسلو” تكون “في حالة انعدام الوزن”. إذ طالما أن عباس لا يتقن غير استجداء الحلول من أمريكا العرجاء، فما هذا الحراك الكاذب الذي يسعى فيه من محطة لأخرى؟ ثم إن الفاهم للموقف الدولي، يُدرك أن أمريكا اليوم في حالة “فقدان الوعي” أمام احتدام ملحمة الأمة في سوريا التي توشك أن تقلب قوانين “اللعبة” الدولية، وتعيد للإسلام حضوره السياسي والعسكري كقوة ذاتية، لا أنظمة تابعة كما هو حالها قبل الثورات وبعدها حتى الساعة.

إن هذا “التخدير السياسي” الذي تمارسه القيادات هو جريمة لا تغتفر، وهو لا يقل عن جريمة احتكار “العلاج”:

صحيح ما قاله مشعل بأن فلسطين ليست لحماس، وهي ليست لفتح، ولكن السلطتين تتصرفان وكأن كل قسم منهما هو شركة حصرية خاصة بالحركة، وأن إعادة الاندماج بين الشركتين (أو ما يسمونه إنهاء الانقسام) مرهون فقط بموافقة أصحاب الامتياز في الشركتين، إذا لا اعتبار لأهل فلسطين ولا للقضية ومشروع تحريرها في مفاوضاتهما لمشروع الاندماج بعدما حصل من انشطار سلطوي.

وإذا كان “الانقسام” شرا فُرض على حماس، كما يقول مشعل، فإن مشروع السلطتين -مندمجتين أو منشطرتين- هو شر فُرض على أهل فلسطين أجمعين، وإن احتكار الحركتين لملف القضية هو الشر الأكبر الذي فُرض على الأمة الإسلامية، إذ يمنع رجوع القضية إلى سياقها الجهادي وإلى تحريك الجيوش، الذي هو الطريق الوحيد الموصل للتحرير الكامل ولعودة فلسطين كاملة وقضيتها إلى حضن أمها الحنون.

 

وإذا صحت الأخبار بأن مشعل لن يترأس الحركة من جديد، فإن الأجدر بهذه القيادات الفلسطينية -جملة وتفصيلا- أن تتخذ قرارات تقديم استقالات جماعية من العمل السياسي، وتستسمح الأمة عمّا اقترفته من جرائم بحقها، وتستسمح أهل فلسطين عما أراقت من دماء في صراعها على السلطة، وأن تستغفر الله عن مشاركتها في المؤتمرات والمحافل الدولية التي لا يحاك فيها غير المؤامرات على فلسطين وأهلها.

 

الدكتور ماهر الجعبري – عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين