Take a fresh look at your lifestyle.

صراع الحكومة والمعارضة تكريس للنّظام الفاسد

صراع الحكومة والمعارضة تكريس للنّظام الفاسد

 

 

يتساءل النّاس في تونس، إلى أين؟ ماذا بعد؟ ماذا بعد الثورة على النّظام؟ فهل سقط النّظام؟ وماذا بعد الثورة على الظّلم؟ فهل زال الظّلم حقّا؟ وهل زال الفساد؟ وهل تحسّنت الأحوال؟…

لم يعد خافيا على أحد ما آلت إليه الأمور بعد سنتين من الثورة، إذ الأوضاع تسير من سيّئ إلى أسوأ مع قصور شديد وعجز من الحكومة في رعاية شؤون الناس حتّى صرنا نسمع من يتحسّر على زمن بن علي. وزاد من تعقيد الأمر ما تشهده الساحة السياسية هذه الأيّام من أزمات وصراعات بين أطراف سياسيّة سواء في قاعة مجلس تّأسيسيّ (خلت أغلب مقاعده) أم في الشارع في عمليّات استعراض للقوّة يحاول كلّ طرف إثبات موقعه ومقدار تأثيره في النّاس.

أيّها المسلمون، إنّ الصّراع الدّائر هذه الأيّام يكشف:

1- التضليل: فالحكّام الجدد يُغطّون عجزهم عن رعاية شؤون النّاس الرّعاية الكريمة فيرمون خصومهم بالتشويش على عملهم بتأليب النّاس وبثّ الفوضى، وأمّا المعارضة واتّحاد الشغل فيتّهمون الحكومة بالسعي إلى تكريس ديكتاتوريّة “دينيّة” وتركيع الاتّحاد والنّيل من هيبته ومكانته. ويسوّقون أنفسهم بالمتاجرة بآلام النّاس وادّعاء الدّفاع عن مصالحهم. مع أنّهم جميعا – حكومة ومعارضة واتّحاد الشغل – متّفقون على طبيعة النّظام الدّيمقراطيّ الرأسمالي وعلمانية الدولة، سبب البلاء كلّه، بدليل الحوارات الدّائرة بينهم التي لا تظهر بينهم خلافا إلا في بعض آليّات تنفيذ النّظام، هذا مع السّعي المحموم لشخصيّات تريد أن يكون لها نصيب في غنيمة الحكم والسّلطة. ممّا ينهض دليلا على أنّ هذه الأزمات هي مفتعلة وغير جادّة في تغيير النّظام تغييرا جذريّا.

2- تكريس النّظام الرّأسماليّ الذي لم يكن الظّلم والقهر والاستغلال إلا من ثماره الخبيثة، فالحكومة التي تزعم الثّوريّة تتبنّى بقوّة النّظام الرأسمالي العلماني ذاته والبرامج المنبثقة عنه التّي سطّرها الكافر المستعمر لبورقيبة ومن بعده بن عليّ، فالمخطّط الثاني عشر الذي اعتمده بن علي هو ذاته البرنامج الذي تبنّته حكومة السبسيّ ثمّ ورثته عنها الحكومة الحاليّة، فلم تنفكّ المنظّمات الدّوليّة (حكوميّة وغير حكوميّة، أذرع الأخطبوط الرأسمالي العالميّ الخبيث) تعقد اجتماعات مع الحكومة والمعارضة على حدّ سواء لترسم لهم سياسة البلاد وتحدّد مصيرنا على نحو ما حدث منذ أيّام قليلة في اجتماع لمنتدى دافوس الاقتصادي (في بلدنا حيث عقد فيه ورشات عمل تحدّد سياسة البلد، وتضعه على طريق التّبعيّة المحتّمة للغرب ونظامه،) أو ما سيحدث في اجتماعات في نطاق “منتدى المستقبل” الذي تشرف عليه مجموعة الثماني، بحضور هيلاري كلينتون. هذا إلى جانب إغراقنا في ديون متراكمة ترهن البلاد والعباد. أمّا الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل الطّرف الآخر في الصّراع هذه الأيّام، فشأنه شأن النّقابات العُمّاليّة في البلدان الرّأسماليّة، فقد نشأ كما نشأت، للمحافظة على النّظام الرّأسماليّ بتخفيف حدّته على النّاس وامتصاص غضبهم من ظلم الرّأسماليّة وحيف حيتان المال فتصرف النّاس عن التّغيير الحقيقيّ ببعض الفتات تأخذه تحت مسمّى مكاسب ونضالات عمّاليّة في دورة لا تعرف التّوقّف؛ فكلّما انكشف ظلم رؤوس الأموال وحيفهم يسارع الاتّحاد في تغطيته تحت مسمّى المفاوضات الاجتماعيّة فيستنزف طاقة العمّال والأجراء في نضال رخيص لا يحصّلون منه سوى فتات يكون الاحتكار والاستغلال والتّضخّم قد استهلكه مسبّقا.

3- الخيانة: قد كشفت هذه الصّراعات وجه العمالة في الأطراف المتصارعة، فالذين يخشون الإقصاء من الحياة السياسيّة بعد أن أجرموا في حقّ البلاد والعباد يهدّدون باللجوء إلى المحاكم الأوروبيّة (هكذا). أمّا الأمين العامّ للاتّحاد المرضيّ عنه أمريكيّا (وقد نال في ماي 2012 جائزة أكبر اتحاد نقابات في أمريكا وهي الفدرالية الأمريكية للشغل المنصهرة مع مؤتمر المنظمات الصناعية أو ما يعرف اختصارا باللغة الإنجليزية بـ AFL CIO. الذراع اليُمنى لوكالة الاستخبارات الأمريكيّة.)، فيهدّد باللجوء إلى منظّمات دوليّة ليشكو الحكومة ويستقوي بالاتحاد النّقابي الدّولي الذي تزور أمينته العامة “شارن بورو” تونس في وفد كبير لتدعم إضراب الاتحاد العام التونسي للشغل. أمّا حكومتنا “العتيدة” فتباهي الجميع بأنّ الغرب راض عنها يدعمها ويشهد لها فيهرول زعماؤها الجدد إلى شاتام هاوس المنظّمة البريطانيّة المشبوهة يتسلّمون جائزة لمحافظتهم على النّظام وعلى مصالح الغرب في بلادنا.

هكذا كشفت هذه الأزمات كلّ طرف سياسيّ والجهة التي يستند إليها أو يعمل لحسابها في بلدنا، وظهر للعيان أنّ تونس ما زالت ساحة للصّراع الدّولي خاصّة بعد أن أطلّت أمريكا برأسها تحاول أن تقتفي أثر أوروبا العجوز. وأنّ الطبقة السياسيّة -إلاّ من رحم ربّي- ليسوا سوى تجّار شعوب لا يرون السياسة سوى الامتثال للدّول العظمى وخدمة مصالحها. ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)﴾.

أيّها المسلمون يا أحفاد القادة الفاتحين المجاهدين:

إنّ المؤمن لا يُلدغ من جحر مرّتين، فبالأمس القريب حطّمتم حاجز الخوف وأسقطتم الطّاغية ثمّ انتخبتم من أحسنتم به الظّنّ أن سينبذ الغرب وعملاءه ويحكّم فيكم شرع ربّكم، وها هم يجعلون كتاب الله وراء ظهورهم والغرب قبلتهم، واليوم يريدون منكم أن يقف بعضكم ضدّ بعض وأن يُبغض بعضكم بعضا. وإنّنا لنربأ بكم أن تكونوا إمّعات وأن تميلوا مع هؤلاء السياسيّين الرّويبضات المتخاذلين المستنصرين بأعدائكم. فالواجب الملحّ اليوم أن تتحرّوا القيادات المخلصة الواعية التي تُعبّر عن تطلّعاتكم المنبثقة عن عقيدتكم أصدق تعبير فتكونوا بحقّ جزءا من أمّة الإسلام العظيمة. واعلموا أنّ الثورة الحقيقيّة تكون أوّلا بقلع النّظام الرّأسمالي وقوانينه التي يضعها عدوّكم بأيدي أبنائكم، وأنّ التغيير يبدأ بقلع أدوات الاستعمار الكافر في بلادنا وإغلاق سفاراته أوكار التجسس وصناعة العملاء، وطرد شركات نهبه بعد استرداد ما نهبوه والضّرب على أيدي عملائه من الطبقة السياسيّة. ثمّ اعلموا أنّ ثورتكم وتضحياتكم لن تؤتي أكلها وأنّ ربيعكم لن يُزهر إلا بإقامة نظام ينبثق من إيمانكم بأنّ الله ربّكم وخالقكم وبالوحي الذي أنزل على نبيّكم فيه عزّكم في الدّنيا والآخرة، موقنين بوعد ربّكم الصّادق ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. فـــ: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)”.

 

 

2012_12_11_Tunis.pdf