Take a fresh look at your lifestyle.

أيها الأهل في مصر: لا يجوز الاستفتاء على الدستور ابتداءً!

في يوم السبت 15 ديسمبر ستعرض مسودة الدستور المصري الذي أعدته اللجنة التأسيسية على الاستفتاء العام لأخذ الرأي عليه، فإن حاز على موافقة أغلبية الأصوات – وهذا هو المتوقع – صار دستورًا نافذًا وحاكمًا لمصر. ومن الواضح أن أهل مصر قد انقسموا إلى فريقين: الأول يرى في هذا الدستور أفضل المتاح، وهو الذي سيجعل من الدولة دولة إسلامية، أو على الأقل سيضع مصر على طريق تطبيق الإسلام كاملاً كما يدعون، ولذا فإنهم سيصوتون بنعم، والفريق الثاني يرى أن هذا الدستور لم تتوافق عليه جميع القوى السياسية، وهو لا يمثل طوائف المجتمع تمثيلا حقيقيا، وبالتالي سيصوتون على هذا الدستور بلا. وبرغم أننا بينا في نشرة سابقة بالدليل الشرعي مخالفة الكثير من مواد الدستور الأساسية للإسلام، إلا أننا ما زلنا نرى أكثر القوى “الإسلامية” تحشد الناس للتصويت بنعم على هذا الدستور، ويُصورون للناس وكأن هذا الدستور قد “خرج من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغًا للشاربين”، وأن هذا الدستور هو أفضل ما حصلت عليه مصر خلال المائة عام الماضية.

وبغض النظر عن المصلحة الوهمية التي قد يتخيلها البعض في ذلك، فإننا كمسلمين علينا أن ننقاد إلى حكم الله، فحيث شرع الله فثَمَّ المصلحة! لذلك فإننا في حزب التحرير نعلن أنه لا يجوز التصويت على الدستور ابتداء! فيأثم من يدعو إلى التصويت ويأثم من يذهب ليصوت.

وذلك لأن الحكم على الأشياء من حيث الحِل والحُرمة، وعلى أفعال العباد من حيث كونها واجباً أو حراماً أو مندوباً أو مكروهاً أو مباحاً، إنّما هو للشرع وحده، ولا حكم للإنسان في ذلك مطلقاً. فإذا حرم الله الربا مثلاً، فلا يجوز لنا أن نصوت على هذا الحكم لنختار هل نحلله أم نحرمه! وإذا فرض الله الصلاة وجعلها واجبة، فلا يجوز لنا أن نصوت على الحكم لنرى هل نفرضها أم نحرمها أم نبيحها! وإذا حرم الله الخمر وجعلها نجساً، فلا يجوز لنا أن نصوت عليها فنختار هل نبيحها في الفنادق أم المطاعم أم الأماكن العامة. فالحذار الحذار أن نقع في الشَرَك فينطبق علينا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾، وقوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾. والإسلام لم يأت بحكم لأعمال معينة فقط، كالتعامل بالربا والصلاة وغيرها، بل أتى بأحكام لجميع أفعال الإنسان، ولم يترك ثغرة إلا وأتى بحكم لها، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ لذا فإنه لا يجوز أن نأخذ أي حكم على أي فعل من أفعال العباد بالتصويت، بل نأخذه بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من إجماع صحابة وقياس شرعي. وإذا ثبت بالدليل الشرعي أن الحكم على فعل من الأفعال هو الإباحة، أي التخيير بين الفعل والترك، فحينئذ يجوز التصويت عليه أنقوم به فعلاً أم لا، أما إذا ثبت أن الفعل فرض أو حرام، فقد حُسِمت مسألة القيام به، فلا يصوت عليه.

 

والدستور هو الأحكام العامة التي تبين شكل الدولة وأعمال كل سلطة فيها، والنظام الأساس الذي يُسَيِّر أعمال الناس كلها في جميع المجالات، من اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها، فمن باب أولى أن تؤخذ هذه من القرآن والسنة، ولا يصوت عليها بحال من الأحوال.

وكذلك لا يجوز الذهاب إلى صناديق الاقتراع للتصويت “بلا”، لأن في هذا قبولاً لمبدأ التصويت على الأحكام، وهذا مرفوض ولا يجوز شرعاً كما بينا، والله تعالى يقول: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾، لذلك يأثم من يذهب إلى التصويت وإن صوت بلا.

أما من يتذرع بالمصلحة الآجلة للذهاب إلى التصويت لإقرار الدستور، فإننا نقول له لا مصلحة فيما حرمه الله، والإسلام لا يقبل بأنصاف الحلول، فإما أن نطبقه كاملاً فيرضى الله عنا ورسوله والمؤمنون، ونفلح بذلك ونعز في الدنيا والآخرة، أو ننحرف عنه – ولو في قليل – فيصيبنا الخزي في الدنيا وأشد العذاب في الآخرة، قال تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ وهذا هو الحاصل اليوم، وسيستمر ما استمررنا في ترك بعضه. والرسول صلى الله عليه وسلم قد عُرض عليه من كفار قريش حل وسط، فعُرض عليه أن يكون ملكاً إن قبل المساومة، ولكنه رفض، ولم يقبل إلا أن يكون التشريع لله وحده، فصبر حتى أذن الله له بأخذ الحكم كاملاً في المدينة، بعد أن أصبح للإسلام رأي عام هناك، فنجح وأنشأ أقوى دولة في ذلك العصر.

ونحن أيضاً إذا أخلصنا لله وبيّنا للناس في كل ربوع الكنانة وجوب إقامة دولة الخلافة الراشدة لنتمكن حقاً من تطبيق شرع الله كاملاً، فإذا انتشرت هذه الفكرة وأصبحت رأياً عاماً بحق، فلن تستطيع قوة في الأرض أن تحول دون إقامتها، كما لم تستطع قوة في الأرض أن تحول دون سقوط المخلوع حينما أصبح وجوب إسقاطه رأياً عاماً عند الناس.

 

أيها المسلمون، أيها الأهل في مصر الكنانة!

إننا في حزب التحرير ندعوكم أن تنبذوا هذا الدستور، الذي لن يقدم شيئاً، ولكنه سيؤخر الكثير، وأن ترفضوه وترفضوا التصويت، وأن تلتفوا حولنا وتعملوا معنا بجد واجتهاد لتصبح دولة الخلافة رأياً عاماً في هذا البلد، منبثقاً عن وعي عام على فرضيتها، وحينئذ ستقوم الدولة كما قامت من قبل، وستعز وتقوى بإذنه تعالى، ولن تستطيع قوة في الأرض أن تقف أمامها. فإلى نصرة الله ندعوكم أيها المسلمون!

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾

 

 

 

2012_12_13_Egypt.pdf