Take a fresh look at your lifestyle.

في ذكرى سقوط الأندلس ماذا خسرَ المسلمونَ بسقوطِ الأندلسِ؟ ج5

 

أما على جانب المدنية والعلوم والعمران، فحدث ولا حرج، كان من المعالم المهمَّة في قرطبة (قنطرة قرطبة)، والتي تقع على نهر الوادي الكبير، وقد عُرفت باسم: (الجسر)، وأيضًا: (قنطرة الدهر)، وكان طولها أربعمائة متر تقريبًا، وعرضها أربعين مترًا، وارتفاعها ثلاثين مترًا!

 

وقد شهد لها ابن الوردي والإدريسي بأنها «القنطرة التي عَلَتِ القناطرَ فَخْرًا في بنائها وإتقانها”

 

كان عدد أقواسها سبع عشرة قوسًا، بين كل قوس والآخر اثنا عشر مترًا، وسعة القوس الواحد اثنا عشر مترًا، وكان عرضها حوالي سبعة أمتار، وارتفاعها عن سطح ماء النهر بلغ خمسة عشر مترًا.

 

إن هذه الأبعاد كانت لقنطرة بُنِيَت في بداية القرن الثاني الهجري (101هـ)؛ أي منذ ألف وأربعمائة عام، على يد السمح بن مالك الخولاني الذي كان والي الأندلس من قِبَل عمر بن عبد العزيز، أي في وقت لم يكن فيه الناس يعرفون من وسائل الانتقال إلاَّ الخيل والبغال والحمير، ولم تكن وسائل وأساليب البناء على المستوى المتطور حينئذٍ؛ مما يجعل هذه القنطرة بهذا الشكل واحدة من مفاخر الحضارة الإسلامية.

 

لم يقتصر دور جامع قرطبة على العبادة فقط، وإنما كان -أيضًا- جامعة علميَّة تُعَدُّ من أشهر جامعات العالم آنذاك، وأكبر مركز علمي في أوربا، ومن خلاله انتقلت العلوم العربية إلى الدول الأوربية على مدى قرون، وكان يُدرس في هذه الجامعة كل العلوم، وكان يُختار لها أعظم الأساتذة، وكان طلاب العلم يَفِدُون إليها من الشرق والغرب على السواء؛ مسلمين كانوا أو غير مسلمين. وقد احْتَلَّتْ حلقات الدرس والعلم أكثر من نصف المسجد، وكان للشيوخ راتبٌ جيد ليتفرَّغُوا للدرس والتأليف، وكذلك خُصِّصَتْ أموال للطلاب، ومكافآت ومعونات للمحتاجين؛ وهو الأمر الذي أثرى الحياة العلميَّة بصورة ملحوظة في ذلك الوقت وفي تلك البيئة، واستطاعت قرطبة أن تُخْرِجَ للمسلمين وللعالم الجمَّ الغفير من العلماء، وفي جميع مجالات العلوم، وكان منهم: الزهراوي (325-404هـ= 936-1013م) أشهر جَرَّاح، وطبيب، وعالم بالأدوية وتركيبها، وهناك -أيضًا- ابن باجه، وابن طفيل، ومحمد الغافقي (أحد مُؤَسِّسِي طبّ العيون)، وابن عبد البر، وابن رشد، والإدريسي، وأبو بكر يحيى بن سعدون بن تمام الأزدي، والقاضي القرطبي النحوي، والحافظ القرطبي، وأَبو جعفر القرطبي، وغيرهم كثير.

 

وجدير بالذكر أن هذه النهضة العلمية والحضارية في مدينة قرطبة في ذلك الوقت، واكبها -أيضًا- نهضة إدارية؛ وذلك من خلال عدد من المؤسسات والنُّظُمِ الرائدة في الحكم؛ منها: الإمارة والوزارة، وقد تطوَّرَتْ أنظمة القضاء والشرطة والحِسْبة، وغيرها، وواكبتها -أيضًا- نهضة صناعية عظيمة؛ إذ تطوَّرت فيها الصناعة كثيرًا، واشتهرت صناعات مثل: صناعة الجلود، وصناعة السفن، وآلات الحرث، والأدوية.. وغيرها، وكذلك استخراج الذهب والفضة والنحاس!

 

بانقضاء عهد المنصور، دخلت الأندلس في عصر ملوك الطوائف، فكانت الفرقة والتنازع والضعف، والإقبال على الدنيا، ودخلت الأندلس في مرحلة ما قبل السقوط، إلى أن سقطت.

 

وبعد، فقد خسر المسلمون بسقوط هذه الدولة العظيمة، بعد عهد المنصور بن أبي عامر، منارة أضاءت الدنيا علما وفقها وجهادا، ورغد عيش.

 

خسروا حاضرة للمسلمين كان جل هم الأوروبيين أن يتعلموا منها العلوم والآداب ويتشبهون بالعرب في لباسهم وعاداتهم ليرتقوا في معارج المدنية.

 

خسروا قاعدة كادت أن تفتح أوروبا كلها أمام نور الإسلام، قادها رجال رجال،

 

وخسروا بابتعادهم عن أسباب عزتهم وقوتهم، خسروا بلدا إسلاميا، أضحى ينأى ويئن تحت وطأة حقد الكاثوليك الذين أقاموا فيه محاكم التفتيش الرهيبة، وقلبوا حضارته بشاعة، وملؤوه بعد العدل حقدا وضغينة ملأت صدورهم.

 

وكأني بالأندلس تئن، ويئن مسجد قرطبة وسائر تلك المساجد فيها مشتاقة لإقامة الأذان وإقامة الصلاة فيها، وإن هي إلا ساعة، فتعود الأندلس لحضن الأمة الإسلامية، تحت إمرة أمير المؤمنين، يقيم فيها العدل وينشر منها الإسلام إلى أوروبا التي تئن الآن تحت وطأة الرأسمالية الآيلة للسقوط، وإن دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة.

 

 

كتبه العبد الراغب رحمة ربه أبو مالك،

مستقيا جل مادته من موقع قصة الإسلام.