مرحلة استلام الحكم واستحقاقاتها ج1
إنّ حتمية نصر الله لأوليائه ثابتة بنص القرآن القطعي، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }غافر 52-51، وأن يأتي هذا النصر بالتمكين في الأرض والاستخلاف ثابت بالنص القطعي، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} النور55، وأن يكون هذا التمكين والاستخلاف في دولة خلافة على منهاج النبوة أمر وارد في نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: “تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت” رواه أحمد.
أما مسألتا التوقيت والمكان، فهما في علم الله لم يطلع عليهما أحدا، ولكن المقطوع به أننا نمر الآن في مرحلة الملك الجبري الذي ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المقطوع به حسا أننا نعيش مرحلة ترنح الملك الجبري وأيلانه للسقوط، فالمدرك المحسوس أننا على أعتاب دولة الخلافة، ولكن يبقى توقيته في علم الله سبحانه لحكمة يراها، وهو ما يجب أن لا يكون محل سخط أو امتعاض، بل رضا وتسليم بقضاء الله وتدبيره، قال تعالى: {…وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} البقرة 216، فالله سبحانه وتعالى إنما يدبر لعباده المؤمنين ويمكر لهم، وهو خير الماكرين. وكذلك مسألة المكان الذي سيأتي منه النصر، هو أيضا في علم الغيب وبتقدير الله وتوفيقه، وما علينا سوى الصبر والثبات، قال تعالى {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} آل عمران 125. هذا من الناحية الغيبية الخبرية وهي اللازمة لتثبت القلوب، أما من الناحية العملية والأحكام الشرعية الضابطة للسلوك فشأنها آخر.
إذ يجب على حامل الدعوة أن يجد في حمل دعوته وكأنه يتوقع النصر غدا وفي المكان الذي حدده منطقة عمل له، فالرسول صلى الله عليه وسلم بمجرد أن نزل الوحي عليه والتكليف أدرك بأن لا راحة له بعد ذلك اليوم، فقال لخديجة رضي الله عنها لما سألته عن خطبه لما رأت من تغييرات طرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (لا راحة بعد اليوم يا خديجة)، وطوال المرحلة المكية وهو يجد ويجتهد في تقصد الناس والقبائل سعيا منه لإقامة دولة الإسلام، وكان يعمل في مكة عمل المتيقن بنصر الله، وأرسل مصعبا رضي الله عنه إلى المدينة ليعمل عمل المتيقن بنصر الله، وفي كل المرات التي كان يطلب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم النصرة من القبائل كان يرجو أن تأتيه النصرة منهم فلا يألو جهدا في بذل المستطاع من أجل تحقيق الغاية. فحامل الدعوة لا يدري من أين يأتيه النصر ومتى، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتاه النصر من حيث لم يتوقع المتابعون لسيره وعمله، من المدينة المنورة حيث القبيلتان المتناحرتان، ولكن الله إذا أراد أمرا هيأ له الأسباب ودبر الأمور تدبيرا.
ولأنّ حامل الدعوة لا يعرف متى وأين يأتيه النصر لذلك يجب عليه التزاما منه بالفرض والسعي أن يكون دائما مستعدا وجاهزا للخطوة التالية، فالأمة الآن تعيش مرحلة مخاض وهو مخاض عسير ولكنه مبشر بقرب الفرج والنصر، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } الشرح 5-6، فها هي ثورات المسلمين المباركة تطيح بعروش الطغاة وأصنام الغرب واحدا تلو الآخر، وها هي ثورة الشام الميمونة تبشر بخير عميم ونصر عظيم، فالثورة قد حسمت أمرها بأغلب أهلها وأبطالها بأنها ثورة إسلامية بهدف الخلاص من الأسد ونظامه وتحكيم شرع الله بدلا منهم، ورايات العقاب ولواء رسول الله تكاد لا تخلو منها مظاهرة أو كتيبة أو جبهة أو لواء، بل وتتخذها شعارا، وأسماء الألوية والجبهات والكتائب أسماء اختارها أصحابها بعناية شديدة تدل على عمق إيمانهم وتوكلهم على الله، وتصميمهم على كونها ثورة إسلامية بأهداف إسلامية، بل وزاد الأمر مؤخرا صراحة ووضوحا حين أعلنت ما يقارب 14 كتيبة ولواء في حلب عزمها على تأسيس دولة إسلامية في سوريا، وبعدها تتابعت الكتائب والأولوية في إعلانها الهدف نفسه، بل وتأكيدا على ذلك وقعت الأولوية والكتائب والضباط والنقباء على ميثاق الخلافة الذي ينص على قواعد الحكم الأربع في الإسلام، وكذلك على تبني مشروع الدستور المقترح من قبل حزب التحرير، مع قابلية تعديله وفق اجتهادات شرعيّة سليمة، مقترحة من قِبَل أهل العلم. بحسب ما جاء في الميثاق. وهؤلاء يزدادون يوما بعد يوم وشعبيتهم في ازدياد بفضل الله، ومؤخرا تم تشكيل لواء باسم لواء الخلافة.
يتبع الجزء الثاني…..
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس باهر صالح / عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين