المؤامرة الأمريكية تجاه سوريا الجزء الأول
ما زالت أمريكا تواجه الفشل الكبير في حل الأزمة السياسية السورية، وركوب موجتها كباقي الثورات في البلاد العربية، ولا تلقى مبادراتها السياسية قبولاً لدى الشعب السوري الثائر في وجه الظلم والطغيان، رغم أنها تحاول تغليفها وتزيينها بالثوب الوطني وبقوى المعارضة، وبالضباط المنشقين الموالين لها في تركيا.. أو بعض المجالس العسكرية.. وغير ذلك..
وفي الوقت نفسه فإن أمريكا تواجه معضلة كبيرة تتمثل في تنامي المخلصين من القوى الإسلامية، الساعين للتغيير الجذري داخل سوريا، وتوشك هذه القوى أن تُسقط النظام، وتحل محله.. فلم تفلح كل محاولات الغرب -وعلى رأسه أمريكا- في ثني أهل الشام عن هدفهم السامي العظيم؛ في السعي لإسقاط الطاغية عميل أمريكا، والسعي بجدٍ واجتهاد وإخلاص وعمل متألقٍ دؤوبٍ، نحو تطبيق شرع الله عز وجل، وإقامة دولة الإسلام، في حاضنة الإسلام وعقر داره..
واليوم ازداد تأييد المشروع الإسلامي العظيم -الخلافة- بين أوساط الكتائب المجاهدة، وبين عامة الناس من أهل سوريا في المدن والقرى والأرياف، وفي الوقت نفسه اقترب النظام المتهاوي من نهايته بإذن الله، ولم تستطع أمريكا ولا عملاؤها، ولا حلفاؤهم في الداخل والخارج، من ترتيب أي وضع يدرأ عنهم هذا الخطر، وهذا الزحف العظيم نحو الإسلام، فجنّ جنون الغرب وخاصة أمريكا، واعتراها الخوف الكبير من صعود الجماعات المجاهدة المخلصة، وقرب تسلّمها مقاليد الأمور، وبالتالي تصبح سوريا الشام قاعدة يصعب النيل منها، أو تجييرها، أو القضاء على المخلصين فيها!!…
فقد ذكرت وزيرة خارجية أمريكا كلينتون في 30-10-2012؛ أي قبل ترتيب مؤتمر الدوحة لتوسيع المعارضة.. “أن المجلس الوطني السوري يواجه فشلا كبيرا في استقطاب الداخل السوري، ولذلك يجب توسيع المعارضة وإشراك قيادات من الداخل..”، ثم أضافت: “أن هناك تزايداً ملحوظاً لنفوذ الجماعات الإسلامية والجهادية، في التطورات النوعية التي شهدتها سوريا خلال الأسابيع الأخيرة.”
ونقلت عنها وسائل الإعلام في 15-11-2012 قالت: “أنها تنتظر من المعارضة السورية أن تقاوم بشكل أقوى محاولات المتطرفين لتحويل مسار الثورة السورية، فالمعلومات حول متطرفين يتوجهون إلى سوريا، ويعملون على تحويل مسار -ما كان حتى الآن ثورة مشروعة ضد نظام قمعي- لصالحهم، مما تثير قلق الولايات المتحدة، ويحتم إجراء إصلاح جذري للمعارضة السورية”.
هذا الأمر ما بين الفشل السياسي في الحل، وتنامي قوة المسلمين المخلصة، دعا أمريكا للتفكير بشكل جدّي للإسراع بحل هذه الأزمة الخطيرة، والتي قد تهدّد وجودها السياسي في المنطقة المحيطة بسوريا..
فما هو تفكير أمريكا، وما هو توجهّها لحل هذه المسألة الخطيرة المستعصية، بطريقة تحفظ وجودها السياسي، وتحقق نجاحا للسيطرة على الثورة وتجييرها، وركوب موجتها، وهل ستنجح أمريكا في هذا التوجه؟!
إن من الأمور المهمة في النظر للثورة السورية، ومؤامرة أمريكا تجاهها؛ هي أولا: أن أمريكا لا يمكن أن تنتظر حتى سقوط النظام، -لتنظر بعد ذلك في الحلول في ظلّ أمورٍ معقدة وخطيرة؛ وخاصة إذا كانت القوى الإسلامية هي المسيطرة على الوضع،- دون أن تكون قد رتبت الأمر بطريقة تضمن عدم تهديد نفوذها السياسي المهم داخل سوريا، الأمر الثاني: هو أن أمريكا تريد أن تحافظ على هيكلية النظام، ولا تريد إسقاط النظام بشكل كامل، وإنما يمكن أن تضحّي برموز النظام كالرئيس وبعض حاشيته، من أجل عملية تغيير ناجحة تحفظ نفوذها السياسي، ولا تسمح لدولٍ أخرى بالتدخل لحرف عملية التغيير عن طريقتها، وفي الوقت نفسه لا تضطرها للتدخل العسكري المباشر بقوات عسكرية، كما جرى في العراق؛ لأن سقوط النظام بشكل كامل يضطرها للبقاء في سوريا لأجلٍ طويل لبناء وسط سياسي جديد وحمايته كما حصل معها في العراق، وهذا عمل باهظ التكاليف، ولا يحظى بموافقة الساسة في أمريكا وخاصة الكونغرس، ولا الشعب الأمريكي… لذلك فهي تنظر إلى أمور معينة للتعامل مع هذه الأزمة، قبل سقوط أو إسقاط هذا النظام، وذلك بأعمال سياسية ومتابعاتٍ دولية وإقليمية على أعلى المستويات؛ لدرء هذا الخطر المحدق بوجودها السياسي وعملائها في المنطقة وفي الوقت نفسه يحفظ وجودها ونفوذها السياسي بأقل التكاليف…
وهذه الأعمال والمتابعات تتمثل بالأمور التالية:-
1- الإيعاز لطاغية النظام وزمرته بمواصلة المجازر ضد الشعب السوري، عن طريق أيدي النظام؛ ليكون ذلك وسيلة ضغطٍ على الشعب السوري والقوى الثائرة للقبول بما يطرح من حلول… وربما تزداد وتتنوع أساليب النظام في القتل والتنكيل أكثر مما مضى في الأيام أو الأسابيع القادمة.. وهذا الأمر قد عبر عنه الأخضر الإبراهيمي -المبعوث المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا- بطريقة مبطّنة؛ حيث ذكر في تصريح بتاريخ 30-12-2012 لقناة (سي إن إن) الأمريكية أن الأزمة السورية أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما التوصل إلى حل سياسي يرضي طموحات الشعب السوري، وإما مواجهة الجحيم، الذي قد يودي بحياة مئات الآلاف.. وقال هذا المبعوث الدولي في مؤتمر صحفي مشترك مع الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، في العاصمة المصرية القاهرة، إن الوضع في سوريا سيئ جداً ويتفاقم، وإنه إذا كان الصراع في سوريا قد أدى إلى الآن، إلى مقتل 50 ألفاً، فإن استمرار الصراع لمدة عامين قادمين، سيؤدى إلى مقتل 200 ألف آخرين!!..
2-العمل مع الدول المجاورة وخاصة تركيا من أجل إيجاد منطقة عازلة تشكل قاعدة للحكومة السورية المؤقتة التي تسعى أمريكا لتشكيلها، وتهيئ لإنزال قوات حماية عربية ومن العالم الإسلامي في هذه المنطقة لهذه الحكومة، وتكون تركيا هي الفاعلة في هذا الموضوع.. وتسعى أمريكا على إيجاد منطقة حظر طيران لمساحة معينة في هذه المنطقة، وقد تساهم صواريخ الباتريوت المنصوبة على حدود تركيا في فرض هذه المنطقة، بالإضافة إلى الرقابة من البحر والأجواء عن طريق قوات رقابة دولية.. “فقد أوردت قناة روسيا اليوم في برنامج (الصحافة الروسية) في 19/11/2012 بأن بعض الصحف الروسية، قد نشرت خبرا مفاده بأن العسكريين الألمان سيباشرون بنشر صواريخ باتريوت، العائدة لحلف الناتو، وبتماس مع الحدود التركية السورية، وذكرت تلك الصحف بأن تلك الصواريخ مضادة للطائرات والصواريخ أيضا، كما ذكرت بأن مثل هذا التوجه يخشى أن يكون ذريعة للتدخل العسكري الغربي في الشأن السوري، مثلما حصل في ليبيا؛ حيث إن تركيا عضو في ذلك الحلف، وإن نشر الصواريخ على حدودها، لا يراد له استصدار موافقة مجلس الأمن، “كما إن الغاية من ذلك التصرف هو إيجاد شريط حدودي اعتبارا من حلب غربا تمنع الطائرات السورية من ولوجه كحضر جوي لإيجاد منطقة عازلة..”
وفي الوقت نفسه فقد كشفت صحيفة “تقويم” التركية في 18-3-2012 “..أن 700 عسكري تابعين لقوات الدرك الخاصة في العاصمة أنقرة نُقلوا بشكل تدريجي إلى الحدود مع سوريا، لتولي مهامهم في المنطقة العازلة المحتملة، وأن الجيش التركي سيعمل على تأمين حماية اللاجئين السوريين الفارين من بطش النظام وإيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري في حال إنشاء المنطقة العازلة. وقد أعلن رئيس الوزراء التركي (رجب طيب أردوغان) في16-3-2012: “أن تركيا تبحث إقامة منطقة عازلة على الحدود مع سوريا للتصدي لتدفق اللاجئين بأعداد هائلة هربًا من المجازر التي يرتكبها نظام بشار الأسد بحق الشعب السوري..”.
3-الاستعانة بقيادات الجيش السوري المنشقين الموجودين داخل تركيا، وببعض القوى الثائرة من الكتائب العسكرية لإنشاء الحكومة الانتقالية برئاسة شخصية من الائتلاف الوطني السوري، أو شخصية يتفق عليها الائتلاف عن طريق التعيين أو الانتخاب أو غير ذلك.. فقد صرح (هيثم المالح)، عضو الائتلاف، لـ«جريدة الشرق الأوسط» في 17-1-2013 “إن اجتماعات الائتلاف ستبدأ في مدينة إسطنبول اليوم باجتماع على مستوى المكتب التنفيذي لجدولة عمل اجتماعات يومي السبت والأحد، على مستوى الهيئة العامة للائتلاف، والتي ستناقش ترتيب البيت الداخلي، واستكمال بناء المكتب السياسي، والنظر في أمر تشكيل الحكومة المؤقتة، والتشاور حول المبادرة التي قدمها المجلس الوطني..” وكان (جورج صبرا) قد صرح قبل ذلك قائلا: “أن تشكيل الحكومة المؤقتة مرتبط بالدعم الدولي، والحظر الجوي، لأنه من الضروري أن يوفر للحكومة المؤقتة منطقة آمنة يمكن أن تمارس عليها مسؤولياتها وحياتها داخل البلاد….”.
يتبع…