Take a fresh look at your lifestyle.

مع الحديث الشريف الفقر

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

روى البخاري في صحيحه قال: حدّثنا محمّد بن مقاتلٍ أخبرنا عبد اللّه أخبرنا زكريّاء بن إسحاق عن يحيى بن عبد اللّه بن صيفيٍّ عن أبي معبدٍ مولى ابن عبّاسٍ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمعاذ بن جبلٍ حين بعثه إلى اليمن إنّك ستأتي قومًا أهل كتابٍ فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدًا رسول اللّه فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ اللّه قد فرض عليهم خمس صلواتٍ في كلّ يومٍ وليلةٍ فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ اللّه قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإيّاك وكرائم أموالهم واتّق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينه وبين اللّه حجابٌ.

جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر:

قوله: ( ستأتي قومًا أهل كتابٍ ) هي كالتّوطئة للوصيّة لتستجمع همّته عليها لكون أهل الكتاب أهل علمٍ في الجملة فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهّال من عبدة الأوثان، وليس فيه أنّ جميع من يقدم عليهم من أهل الكتاب بل يجوز أن يكون فيهم من غيرهم، وإنّما خصّهم بالذّكر تفضيلًا لهم على غيرهم.

قوله: ( فإذا جئتهم ) قيل عبّر بلفظ إذا تفاؤلًا بحصول الوصول إليهم.
قوله: ( فإن هم أطاعوا لك بذلك ):أي شهدوا وانقادوا.
قوله: ( خمس صلواتٍ ) استدلّ به على أنّ الوتر ليس بفرضٍ وقد تقدّم البحث فيه في موضعه.
قوله: ( فإن هم أطاعوا لك بذلك ) قال ابن دقيق العيد: يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد إقرارهم بوجوبها عليهم والتزامهم لها، والثّاني أن يكون المراد الطّاعة بالفعل، وقد يرجّح الأوّل بأنّ المذكور هو الإخبار بالفريضة فتعود الإشارة بذلك إليها، ويترجّح الثّاني بأنّهم لو أخبروا بالفريضة فبادروا إلى الامتثال بالفعل لكفى ولم يشترط التّلفّظ بخلاف الشّهادتين، فالشّرط عدم الإنكار والإذعان للوجوب انتهى.
قوله: ( صدقةً )( تؤخذ من أغنيائهم ) استدلّ به على أنّ الإمام هو الّذي يتولّى قبض الزّكاة وصرفها إمّا بنفسه وإمّا بنائبه، فمن امتنع منها أخذت منه قهرًا.
قوله: ( على فقرائهم ) استدلّ به لقول مالكٍ وغيره إنّه يكفي إخراج الزّكاة في صنفٍ واحدٍ.
قوله: ( فإيّاك وكرائم أموالهم ) كرائم منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ لا يجوز إظهاره قال ابن قتيبة: ولا يجوز حذف الواو، والكرائم جمع كريمةٍ أي نفيسةٍ، ففيه ترك أخذ خيار المال، والنّكتة فيه أنّ الزّكاة لمواساة الفقراء فلا يناسب ذلك الإجحاف بمال الأغنياء إلّا إن رضوا بذلك كما تقدّم البحث فيه.
قوله: ( واتّق دعوة المظلوم ) أي تجنّب الظّلم لئلّا يدعو عليك المظلوم. وفيه تنبيهٌ على المنع من جميع أنواع الظّلم
قوله: ( حجابٌ ) أي ليس لها صارفٌ يصرفها ولا مانعٌ، والمراد أنّها مقبولةٌ

ذكر الحديث أحد مصارف الزكاة وهي الفقراء. فما هو الفقر ومن هو الفقير؟ الذي يستحق أخذ الزكاة؟

من المهم أن نفهم معنى الفقر حتى نتمكن من أداء هذا الحق لأهله, ولا نخطئ فنعطيه لمن لا يستحق.

الفقر في اللغة: الاحتياج, يقال فقر وافتقر: ضد استغنى. وافتقر إليه: احتاج إليه. فهو فقير وجمعه فقراء.

والفقير في الشرع: هو المحتاج الضعيف الحال الذي لا يسأل، عن مجاهد قال: الفقير الذي لا يسأل، وعن جابر بن زيد قال مثل ذلك: الفقير الذي لا يسأل. وعن عكرمة: الفقير: الضعيف وقال تعالى: ((ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خيرٍ فقيرٌ)) فقير أي محتاج، وقال تعالى: ((وأطعموا البائس الفقير)) والبائس الذي أصابه البؤس, والفقير الذي أضعفه الإعسار.

فمجموع الآيات والآثار تدل على أن الفقر هو الاحتياج.

فما هي الحاجات التي إذا افتقدها الانسان كان فقيرا يستحق الصدقة؟

يدعي الرأسماليون أن الفقر( أي الاحتياج ) شيئاً نسبياً وليس وصفا لشيء معين ثابت ….فالفقر عندهم هو عدم القدرة على إشباع الحاجات من سلع وخدمات.

ولما كانت الحاجات تنمو وتتجدد كلما تقدمت المدنية, لذا كان إشباع الحاجات يختلف عندهم باختلاف الأشخاص والأمم.

فالأمم المنحطة تكون حاجة أفرادها محدودة, فيمكن اشباعها بالسلع والخدمات الضرورية، ولكن الأمم الراقية المتمدنة المتقدمة مادياً تكون حاجاتها كثيرة ولذلك يحتاج اشباعها إلى سلع وخدمات أكثر، فيكون اعتبار الفقر فيها غير اعتباره في البلاد المتأخرة، فعدم إشباع الحاجات الكمالية مثلا في أمريكا أو أوروبا يعتبر في نظرهم فقرا، بينما لا يعتبر فقرا في دولة مثل العراق أو الأردن إن توفرت لأفرادها الحاجات الأساسية.

وهذا خطأ محض؛ لأن التشريع هو للإنسان من حيث هو إنسان وليس للإنسان في بلد معين أو زمن معين.

فالدولة التي تحكم بلداناً متعددة لا يصح أن تختلف نظرتها للفقر بين بلد وآخر؛ لأن كلاً من أهل تلك البلدان إنسان قد وضع العلاج لأجله.

ولذا فإننا نرى أن الاسلام قد اعتبر الفقر اعتبارا واحدا للإنسان بغض النظر عن بلده أو جيله.

فالفقر في نظر الاسلام هو عدم إشباع الحاجات الأساسية للإنسان إشباعا كاملا حيث حدد الشرع الحاجات الأساسية بثلاث حاجات هي: المأكل والملبس والمسكن، يقول تبارك وتعالى:

((وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفسٌ إلّا وسعها لا تضارّ والدةٌ بولدها ولا مولودٌ له بولده وعلى الوارث مثل ذلك)) وقال: ((أسكنوهنّ من حيث سكنتم من وجدكم)).

هذه هي الحاجات الأساسية التي يجب أن تتوفر لكل إنسان وأن تشبع إشباعا كليا. وإلا كان فقيرا يحتاج إلى من يكمل له تلك الحاجات.

فمن المسؤول عن توفير تلك الحاجات للفرد؟

بين الشرع أن الفرد هو المكلف بتوفير ما يحتاجه من حاجات أساسية من مأكل وملبس ومسكن له ولمن يعول، كما جاء في الآية السابقة، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب فيبيع فيأكل خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ).

 

فإن عجز الفرد عن كسب كفايته: فعلى أقاربه ممن يستحقون ميراثه كالأبناء والآباء والإخوة. أي العصبة, فإن انعدم الأقارب أو كانوا عاجزين عن كفايته, فكفايته على بيت المال “من ترك مالا فلورثته, ومن ترك كلاً فإلينا “.

أما من أين تنفق الدولة على الفقراء؟ فإنها تنفق عليهم من أموال الزكاة التي محلها هو حرز خاص في بيت المال لأن الزكاة ليست من أموال الدولة فلا تخلط أموالها بأموال الدولة من غنائم وفيء وخراج وجزية، إلا أن الشرع كما ذكر الحديث الشريف قد خول للدولة إنفاق أموال الزكاة على مستحقيها، وهم الأصناف الثمانية الذين ذكروا في القرآن الكريم والفقير هو أحد هؤلاء الثمانية، كما تنفق عليهم من أملاك الدولة من الغنائم والجزية والخراج والفيء …. بل إنها تفرض لأجلهم ضريبة على الأغنياء إن لم تكف أموال الزكاة ولم يكن في بيت المال من الأموال ما يكفي لسد حاجتهم.

إن أهمية تحديد معنى الفقر ومن هو الفقير ترجع لضرورة إحسان تطبيق أحكام الله ومنها أحكام الزكاة ومسؤولية الدولة تجاه رعاياها، فلا يجوز أن يبقى فقير في دولة الاسلام دون حصوله على كفايته من المأكل والملبس والمسكن, ولا يجوز المساواة بين حاجة الفقير للحياة وحاجة الغني للكماليات, لذا فإن من الخطر تبني معنى الفقر عند الرأسماليين؛ لأنه يلبس علينا ديننا.

حمانا الله من الرأسمالية ومفاهيمها الضالة المضلة، وأنعم علينا بدولة الاسلام الحامية الراعية، لتعود مفاهيم الاسلام تسيّر المسلمين وتضبط سلوكهم دولة وأفرادا.

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.