لا مرحبا بك يا هولاند في بلد عبد الرحمن الغافقي!
لا مرحبا بك يا هولاند في بلد عبد الرحمن الغافقي!
يقوم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في 3-4/04/2013 بأول زيارةٍ للمغرب منذ تسلُّمه دفة الحكم في فرنسا. وتعتبر فرنسا “الشريك الاقتصادي الأول” للمغرب بقيمة مبادلات تناهز ثمانية مليارات يورو، وينشط في المغرب عددٌ كبيرٌ من الشركات الفرنسية في مختلف القطاعات (حوالي 750 شركة) من بينها 36 شركة مصنفة ضمن الشركات الأربعين الأولى في البورصة الفرنسية. وقد أُعِدَّ للرئيس الفرنسي برنامج “حافل” بشقيه السياسي والاقتصادي. فأما السياسي فهو بحث العلاقات الثنائية والوضع الإقليمي المغاربي، العربي والمتوسطي وخصوصا ما آلت إليه تحولات الربيع العربي. ولن يغيب الملف المالي أو الأفريقي عن جدول المباحثات إذ إن باريس ضالعةٌ في الحرب في مالي كما أن الملك المغربي عاد مؤخراً من جولة أفريقية موسعة. كما ينوي الرئيس الفرنسي إلقاء خطاب أمام مجلس النواب المغربي وآخر في منتدى رجال الأعمال في البلدين. وأما الشق الاقتصادي فيتضمن توقيع عدد كبير من الاتفاقيات الثنائية في ميادين التعاون المؤسسي والاقتصادي والبيئوي والطاقة المستقبلية.
أيها المسلمون، يا أهل المغرب،
هذه هي الرواية الرسمية لأهداف زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب، أما الحقيقة فهاكموها.
إن أوروبا كلها، وفرنسا جزءٌ منها، تعيش على وقع الأزمة الاقتصادية الخانقة، فلا تكاد تُغاث دولةٌ، أو هكذا يبدو لهم، حتى تغرق أخرى، فبالأمس كانت أوروبا تسابق الزمن لإنقاذ إسبانيا والبرتغال وإيطاليا واليونان، واليوم ها هي قبرص تكاد تلفظ النفس الأخير. وفرنسا نفسها ترزح تحت ثقل مديونية بلغت أرقاماً فلكية (حوالي 1910 مليار يورو، ما يمثل حوالي 90% من مجموع الناتج القومي). وبدل أن تنكبَّ فرنسا على دراسة الأسباب الحقيقية لمشكلتها، والكامنة في النظام الاقتصادي الرأسمالي الفاسد، فإنها تلجأ إلى أقصر الطرق، تلك التي أَلِفَتْها منذ قرون، نهب خيرات الشعوب المستضعفة وامتصاص ثرواتها.
نعم، يأتي هولاند إلى المغرب، ويداه لا تزالان تقطران من دماء المسلمين في مالي، التي هاجمها خشية أن تسبقه إليها أطماع المستعمر العالمي الجديد أمريكا التي تطارده من مستعمرة إلى أخرى، ليبحث مع المسئولين المغاربة كيفية تأمين استمرار عمل الشركات الفرنسية، وتأمين وضعية خاصة لها تجعلها في مأمن من المنافسة الأمريكية والآسيوية، بل والأوروبية.
يأتي هولاند وفرائصه ترتعد من تبعات الربيع العربي، فقد أوشكت تونس بعد الثورة أن تخرج من قبضة فرنسا لولا أن تداركها الغرب بمساعدة عملائه المحليين، وكذا الأمر في ليبيا، أما سوريا فرغم مكر الليل والنهار ورغم شلالات الدماء، فإن الثوار يبدون صموداً أسطورياً ولا يزال الغرب عاجزاً عن استمالة المخلصين المؤثرين منهم لكي يتعهَّدوا بحماية مصالحه كما كان يفعل الهالك بإذن الله بشار.
نعم، إن فرنسا تريد أن تطمئن على استقرار المغرب، ليس حُبّاً في أهله ولا نظامه ولا مَلَكِيته، ولكن فقط، حرصاً منها على ضمان تدفق خيرات هذا البلد نحوها، ألم “يجبر” ساركوزي المغرب على اقتناء الترامواي والقطار فائق السرعة من شركات فرنسية، مع أن كل المنصفين قد اتفقوا على عدم جدواه التقنية والاقتصادية، فقط لأنه سينعش اقتصاد فرنسا؟
في هذا الإطار يأتي اهتمام وإشادة فرنسا بالإصلاحات السياسية في المغرب من تعديل الدستور وتنظيم الانتخابات النيابية وتشكيل الحكومة من أحزاب المعارضة السابقة، فهي تعلم مدى الاحتقان الذي يعرفه الشارع المغربي نتيجة الظلم والفقر والتهميش، وترى أن الطريقة الوحيدة لتنفيس هذا الاحتقان، بما يضمن استمرار النظام الحالي، هي إعطاء جرعة من الحريات لإيهام الشعب بأنه شريكٌ في القرار، وأن شيئاً ما قد تغير. وقد شجع فرنسا ما رأته من خفوت حدة غليان الشارع منذ مجيء حكومة العدالة والتنمية، لذلك فمن المرجح أن توحي إلى المسئولين بزيادة جرعة الحريات لعلها تستطيع أن تقضي بالكامل على هذه الثورة.
أيها المسلمون، يا أهل المغرب،
إن فرنسا بلد استعماري منذ قرون، يشهد على ذلك تاريخها الدموي هنا في المغرب وفي جارتنا الجزائر وأينما حلت في أفريقيا وآسيا، وهي لا تعرف شيئاً غير الخطاب الاستعماري، فقد كانت أكبر داعم للنظامين الفاشيين في تونس وليبيا، ولم يتورع ساركوزي عن تمويل حملته الانتخابية بالأموال التي نهبها القذافي من خيرات ليبيا، ولم يكن المسئولون الفرنسيون يضيعون فرصة للإشادة بديمقراطية ابن علي وعِظَم إنجازاته، وحتى عندما بدأت إرهاصات الثورة في تونس، عرضت وزيرة الخارجية الفرنسية، ميشيل إليو ماري على النظام التونسي الاستفادة من «المهارات» الفرنسية وإمداده بمعدات متطورة لقمع المظاهرات. كما ثبت أن فرنسا قد دربت ضباط الشرطة المصرية على عهد نظام مبارك البائد على السيطرة على المظاهرات.
هذا دون الحديث عن سجل فرنسا المخزي في الإساءة إلى نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، حيث تضيق حرية صحافتها بالممثل الكوميدي الذي ينتقد يهود، وتتسع لكل أفّاكٍ يسيء إلى سيد الخلق، ودون الحديث عن سجلها المخزي في التضييق على النساء المسلمات في ارتداء غطاء الرأس فضلاً عن النقاب.
أيها المسلمون، يا أهل المغرب،
سيأتيكم هولاند ليحدثكم باستعلاء من موقع الأستاذ، وليقدم لكم النصائح في الاقتصاد والديمقراطية والحكم الرشيد، ولو كان صادقاً لنصح بلاده وهي تئن تحت وطأة المديونية والبطالة والأزمات الاجتماعية والأخلاقية، فقولوا له: ادَّخر نصائحك لنفسك، وكُفَّ يديك عن دمائنا وأعراضنا وخيراتنا، واعلم أنه لولا رهطك الذين نصّبت فوق رؤوسنا لكنا نعيد أمجاد عبد الرحمن الغافقي الذي وصل مدينة بواتييه (300 كلم جنوب باريس) في 721م، واسأل التاريخ عنا إن كنت جاهلاً.