خبر وتعليق الموت من أجل الجمال
سيطرت قصص عدة تتعلق بصناعة الجمال على عناوين الصحف خلال الأسبوع الفائت، بما فيه نشر كتاب بعنوان: “عامل الموضة” بقلم رئيسة تحرير مجلة “فوغ” السابقة، كيرستي كليمينتس. وقد وصفت كليمينتس في هذا الكتاب المقاييس المثلى التي تتخذها عارضات الأزياء للمحافظة على حجم الجسم المثالي المطلوب من صناع الجمال والموضة. وذكرت أن الضغط على عارضات الأزياء حتى يبقين نحيلات قد كان كبيرا لدرجة أن بعضهن كنّ يأكلن الأنسجة لتحمل الجوع، وبعضهن الآخر يتجنبن الأغذية الصلبة ليخسرن من حجم لباسهن مما يؤدي إلى دخولهن إلى المستشفى، بينما تصوم الأخريات لأيام حتى لا يكدن يستطعن الوقوف.
إن هذه الحرب التي تشنها عارضات الأزياء على أجسادهن قد أنتجت مصابا خطيرا على حياتهن وعواقب قاتلة في بعض الأحيان، وكل هذا من أجل السعي لتحقيق قالب غربي للجمال غير عقلاني وُضع من قبل زمرة من المصممين وشخصيات الجمال والموضة وصناعة الترفيه، هؤلاء الذين فرضوا على المرأة نظرتهم غريبة الأطوار عن مثالية الجسد الذي يجب أن تلتزم به! غير أن هذا القالب المصطنع غير الواقعي للجمال، “وهذا الهاجس لفقدان الشهية وعارضات أزياء بقياس صفر”، كما وصفه صحافي بريطاني مستقل، هذا القالب كان له تأثير كارثي على النساء والبنات العاديات في المجتمعات الغربية اللواتي يزلزلن باستمرار بصور ما يسمى بالوجه وحجم الجسد والشكل المثالي على شاشات التلفاز واللوحات وصفحات المجلات. هناك سبعة ملايين امرأة جائعة في أميركا، ومليون جائعة في بريطانيا. إن هؤلاء لسن ضحايا مجاعة بل ضحايا للموضة في الأصل. إنهن نساء يعانين من اضطرابات في الأكل، ويعملن على تجويع أنفسهن ليلائمن القالب الجائر لحجم الجسم ويشعرن بقيمتهن، مما قد يؤدي إلى فشل عضوي، وفشل في القلب، والموت. لقد تأثرن بالرسائل الفتاكة التي تُحفر في عقولهن عن طريق المجتمع المتحرر الذي يعشن فيه حول ما يكوّن الجمال، وأن تحقيق هذا القالب المشروط للجمال يعادل النجاح، وأن قيمة المرأة تقاس بوجهها ومظهرها.
هذه الظاهرة من المخاطرة بالموت للحصول على الجمال ليست محصورة بالغرب. بل إنها، وللأسف، نزعة هامة ومتزايدة بين النساء في العالم الإسلامي اللواتي تأثرن أيضاً بالصور الغربية التأثير للجمال التي تملأ المجلات ومراكز التسوق، ووسائل الإعلام العامة داخل مجتمعاتهن- صور تعطي أهمية كبرى للحصول على الشكل المثالي وتحقيق الذات.
لقد أعدت الجزيرة، هذا الأسبوع، تقريرا حول نيجيريا حيث ورد فيه أنها البلد الذي يملك أعلى نسبة في العالم للنساء اللواتي يستعملن مستحضرات تفتيح البشرة، لأن البشرة فاتحة اللون تعتبر مرغوبة من قبل الكثيرين في المجتمع. بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية، فإن ٧٧٪ من النساء في نيجيريا يستعملن هذه الكريمات أو المبيّضات، والتي يسبب الكثير منها فشلا في الكِلية، وسرطانا في الدم، وسرطانا في الكبد والكلى. وهناك منتجات لتفتيح البشرة تستعمل من قبل النساء في بلاد إسلامية أخرى. علاوة على ذلك، فقد ذكرت الجمعية الدولية لجراحي التجميل، في وقت سابق من هذه السنة، أن هناك ارتفاعا ملحوظا في الطلب على عمليات التجميل في تركيا والسعودية؛ هذان البلدان اللذان يصنفان ضمن أعلى ٢٥ دولة في العالم في أسعار عمليات التجميل. هذه العمليات التي تحمل بالطبع مخاطر على الصحة وأحيانا ارتفاعا في الوفيات.
كل هذا قد ساقه النظام الرأسمالي عديم الرحمة الذي جعل انعدام الأمن المادي وسيلة تسويق للربح. كلما يتقلص شكل المرأة، تتوسع هوامش ربح المليارات من الجمال والموضة وصناعات الحِمْية بشكل غير مسبوق، وذلك من خلال الترويج الدائم لوهم الجمال المثالي الذي لا يمكن الوصول إليه والذي يعتمد على المحاولة المستمرة لإقناع المرأة “بأنها ليست جيدة بشكل كاف”! سكان بريطانيا ينفقون أكثر من ١١ بليون جنيه بريطاني كل عام على منتجات تخفيف الوزن، وفي أميركا ينفقون بين ٤٠-١٠٠ بليون دولار أميركي. وقد أصدرت مجلة “الإيكونوميست” أنه من المتوقع أن تكلف منتجات تبييض البشرة ١٠ بليون دولار في الصناعة في العام ٢٠١٥. وكتبت إحدى المناديات الغربيات بمساواة المرأة بالرجل، كات بانيارد، “طالما بقيت مثالية الجمال، ستبقى التجارة تنتقي ما يجرَّب وتبيعنا الضمادات”.
إن التأثير الكارثي لاستمرارية أسطورة الجمال هذه على احترام الذات وحياة المرأة، وما يتضمن ذلك من تأجيج في إضطرابات الأكل، لا يقارن بأيديولوجية الرأسمالية عديمة الرحمة والضمير، التي تعرف الأخلاق بالمال. إن أي فرد عاقل سيعتبر أن التجويع والإفساد والأذى البدني الخطير للمرأة، هو شكل من أشكال الاعتداء، غير أن الرأسمالية قد دبرت الأمر لتسوّيه من أجل مكاسب مالية للتمكين والتحرّر والجمال. ولكنْ أيُّ نوع من التمكين هذا عندما يجب على المرأة أن تجوع لتشعر بقيمتها أو أن تفسد جسدها من خلال العمليات المؤلمة والمهددة بالموت لتحقيق قالب غير عقلاني للجمال؟ أيُّ نوع من التحرير هذا وعلى المرأة أن تعتمد على لفت أنظار الناس لتشعر بتقدير ذاتها، أو تساق لتدفع الآلاف لتشارك في الاحتيال الذي لا نهاية له للبحث عن الجمال؟ كلا! بل إن هذا هو اضطهاد مادي ونفسي وعاطفي!
في المقابل، فإن الإسلام يحرر المرأة من هذا الهاجس المعطِّل حول الوجه والشكل وتناسب البشرة، فهو لا ينظر إلى شكل المرأة وإنما إلى تقواها وشخصيتها وسلوكها.
((إن أكرمكم عند الله أتقاكم)) [الحجرات: ١٣]
والإسلام يحرر المرأة من الاضطرابات وقلة احترام الذات المرافقة لمظهرهن، لأنه لا يضع توقعات ومقاييس للجمال تكون سطحية وغير عقلانية وغير واقعية ومن صنع البشر. إنه يحدد قواعد بسيطة وواقعية للباس المرأة في الحياة العامة وهو بمتناول أي امرأة -الخمار والجلباب- الذي يركز اهتمام المجتمع على شخصية المرأة وذكائها وقدراتها وإسهاماتها في مجتمعها بدلا من حجم وسطها ووزنها، بالإضافة إلى نقل رسالة هي أن جمال المرأة ليس للنقاش العام ولا للتحليل. هذه هي النظرة للمرأة التي ستروج في ظل نظام الخلافة. أليس هذا ما يتعلق بتمكين المرأة؟
د. نسرين نواز
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير