خبر وتعليق لماذا أصبحت أفغانستان ملعباً لروسيا والولايات المتحدة
الخبر:
في 6 نيسان/أبريل، أعرب بيان صحفي لوزارة الخارجية الصينية أن دبلوماسيين صينيين وباكستانيين وروس، عقدوا الأسبوع الماضي اجتماعا في بكين، ناقشوا خلاله الوضع في أفغانستان، وأكدوا فيه على الدور الفعال والنشط لمنظمة شانغهاي للتعاون في إعادة إعمار أفغانستان. ونقلت مجلة السياسة الخارجية قبل هذا الاجتماع، في شهر نيسان/أبريل، عن المسؤولين الروس القول بأن موسكو تريد بعد عام 2014 بناء عدد من قواعد عسكرية في أفغانستان. الغرض من هذه القواعد ستكون حماية الجهود الروسية للإعمار وللحفاظ على مصالحها. ومع ذلك، فإن روسيا ترفض حتى الآن وجودها العسكري في أفغانستان. إضافة إلى ذلك، قال رئيس وكالة مكافحة المخدرات الروسي، فيكتور إيفانوفو، في الرابع من نيسان/أبريل أنه نظرا لوجود منظمة حلف شمال الأطلسي في أفغانستان فإن زراعة الخشخاش زادت عن أكثر من 40 في المائة، مما يسبب أضرارا بالغة ليس فقط لأفغانستان لكن لروسيا أيضا.
التعليق:
تعتبر أفغانستان، جيو-سياسيا، قلب آسيا، ولهذا السبب فقد كانت دائماً ساحة معركة بين القوى العظمى في العالم. حتى في الماضي القريب فقد كانت ساحة معركة بين روسيا وبريطانيا العظمى، ثم جاء الولايات المتحدة واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية. ومع ذلك، فمن الحقائق الثابتة أن كل من جاء إلى أفغانستان وحاول احتلالها، قد هزم بشدة؛ ولذلك، اشتهرت أفغانستان أيضا بأنها “مقبرة الإمبراطوريات”.
في عام 1991 وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي، بدأت الولايات المتحدة إضفاء الطابع الديمقراطي والغربي على الدول التي تحررت من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، في وقت كانت فيه روسيا قد تضررت بشدة وكانت تعاني من أزمات شديدة، لدرجة أنها لم تكن تتمكن من التصدي للفوضى الداخلية. لكنها تمكنت في عام 1999، عندما أصبح بوتين رئيسا لروسيا، من وضع خطة استراتيجية طويلة الأجل، ومرة أخرى تمكين روسيا للوقوف على قدميها وجعل روسيا لاعبا فعالاً في السياسة الإقليمية والعالمية. ومع ذلك، فبعد أحداث 09/11 مباشرة استطاعت الولايات المتحدة تشكيل الرأي العام العالمي لصالح شن حرب صليبية أخرى ضد “الأمة الإسلامية”، فغزت أفغانستان في عام 2001 والعراق في عام 2003، باﻻشتراك مع قوات منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو).
أعطى هذا الوضع فرصة ذهبية لروسيا لتطوير أوضاعها الداخلية والخارجية فضلا عن التركيز على أهدافها في السياسة الخارجية والاقتصاد. طوال سنوات الحرب الاثنتي عشرة الطويلة في أفغانستان، اعتمدت روسيا دائماً السياسة الرامية إلى إبقاء قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مشغولة في قضايا المخدرات و ‘الحرب ضد الإرهاب’. أبطلت روسيا دائماً مساعي الولايات المتحدة في التفاوض مع الجماعات المسلحة، وقد وقفت دائماً ضد أي اتفاق سلام من هذا القبيل، في مجلس الأمن الدولي.
من ناحية أخرى، تسعى قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي جاهدة إلى وقف إعادة “الخلافة الإسلامية”، وتكافح من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية، وطرق نقلها، من أجل السيطرة على أوراسيا، وتطويق روسيا والصين.
وعلاوة على ذلك، تحاول المجموعات الشيوعية القديمة مع التصريحات الأخيرة والمواقف الروسية، إعادة ترتيب نفسها في أفغانستان. هذه الجماعات تسعى إلى إعادة تشغيل الحرب الباردة القديمة والبدء في حملة دعائية ضد الأحادية القطبية والاستعمار. كما هو الحال في السنوات الاثنتي عشرة الماضية، فقد فشلت أمريكا في تطهير وكالات الاستخبارات الأفغانية من النفوذ الروسي، كذلك السيطرة على الضرورة الفنية لقوات الأمن الوطني الأفغاني. ومع ذلك، لا تفهم الدوائر الشيوعية حقيقة أن روسيا هذه الأيام ليست هي نفسها الاتحاد السوفياتي، التي كانت تمثل الأيديولوجية الشيوعية، بل أصبحت أيضا دولة رأسمالية، التي هي أمّ الاستعمار.
بعض المحللين البراجماتيين يعتقدون بالتعاون بين حلف شمال الأطلسي وشنغهاي ويعتبرونه مفيداً لأفغانستان، رغم أنهم يعدون الخلاف والصراع الداخلي، مثل وارسو وحلف شمال الأطلسي، هما ضد مصالح أفغانستان. ومع ذلك، فإن الواقع يفرض كون الهدف الرئيسي تحت ستار الحرب على الإرهاب، هو عرقلة توحيد “الأمة الإسلامية” تحت “الخلافة الإسلامية” وإحباط الكفاح السياسي والفكري لهذا الغرض. حتى عندما يتعلق الأمر بهذا، فإن أمريكا، والناتو، وروسيا والصين والحكام الدمى في العالم الإسلامي، يتكلمون جميعهم اللغة نفسها، ويدعم بعضهم بعضا.
أفضل مثال لتوضيح هذا هو المذبحة التي تعرض لها المسلمون الشيشان من قبل روسيا، التي لم تثر من أجلها الولايات المتحدة أي شعار لانتهاك حقوق الإنسان أو أي مخاوف من الخسائر في الأرواح البشرية البريئة. وبالمثل لم تستخدم روسيا حقها في النقض (الفيتو) ضد الغزو الأمريكي، غير القانوني وغير الأخلاقي، في أفغانستان، فقط من أجل نيل نصيبها من المصالح. حتى بعد ذلك، في عام 2005، قتل الآلاف من المسلمين بوحشية من قبل نظام كريموف بالتعاون بين الولايات المتحدة وروسيا. والآن في سوريا، حيث يطالب المتظاهرون بإحياء دولة الخلافة، فإن أمريكا، تختبئ وراء سلطة حق النقض الروسي والصيني، ليتم إعطاء الوقت لبشار الأسد داعما ذلك، حتى تجد لنفسها عميلا آخر له ليحل محله.
من ناحية أخرى، فإن البلدان نفسها الموحدة ضد المسلمين تصارع ضد بعضها البعض لتأمين منافعها الاقتصادية. فنحن نشهد مزيدا من الاهتمام للولايات المتحدة في المحيط الهادئ، وقضايا اليابان والصين، وشمال وجنوب كوريا، وقضية إيران النووية، والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وأوروبا، وأفريقيا والشرق الأقصى، حيث يوجد صراع نفوذ على الأسواق والموارد في جميع هذه المناطق، بين الدول الرأسمالية الكبرى في العالم. لذلك فإن الأهداف الرئيسية للبلدان الأعضاء في شانغهاى للتعاون هو الحفاظ على الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الاطلسي مشغولة في هذا المستنقع لأطول فترة ممكنة، لتمكين روسيا من مواصلة زيادة قوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، خاصة في المنطقة.
ولذلك، حتى يتم توحيد الأمة الإسلامية تحت راية الخلافة، التي حكمت العالم لقرون طويلة، وقامت بحماية الدم، والعرض، والموارد والوحدة بين أبناء الأمة فإن الكفار المستعمرين سيكونون دائماً في صراع مع بعضهم البعض على مواردنا وأراضينا. الماضي القريب قد أوضح لكل مسلم عاقل أنه في غياب الخلافة سيكون لدينا دائما قضايا مثل أفغانستان والشيشان وفلسطين والعراق وغيرها، والتي لا يمكن لأحد أن يحلها بشكل دائم سوى جيش دولة الخلافة. فعلى سبيل المثال، عندما هُزمت بريطانيا العظمى في أفغانستان؛ حلت روسيا محلها وعندما هزمت روسيا، حلت محلها أمريكا. الآن وقد أصبحت أمريكا على وشك الهزيمة فإن قوة استعمارية أخرى سوف تحل محلها، وهذا الحال سيستمر ما لم نُقِمْ دين الله سبحانه وتعالى عن طريق إعادة إقامة دولة الخلافة، التي ستضع حدا للمستعمرين ونضالهم الشرير في الأراضي الإسلامية. قريبا بإذن الله سيقضي نظام العدالة ‘الإسلام’ على نظام القمع والطغيان ‘الرأسمالية’، وسوف تأخذ البشرية جمعاء نحو النجاح في الدنيا والآخرة.
((فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) [البقرة: 137]
سيف الله مستنير
كابول، ولاية أفغانستان