خبر وتعليق الإتحاد الأوروبي ودعم السلام
الخبر:
أصدرت بعثة الاتحاد الأوروبي بالسودان بيانا أوضحت فيه أن الاتحاد يدعم مسيرة السلام في السودان، ويأمل من خلال تشجيع الأطراف المتفاوضة من حكومتي السودان وجنوب السودان إلى إعادة الأمور إلى نصابها مجدداً، ورحب ممثل الاتحاد الأوروبي في السودان السفير (توماس يوليشني) رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في السودان بتوقيع جمهورية جنوب السودان والسودان في أديس أبابا اتفاقاً لتنفيذ الترتيبات الأمنية، ووصف السفير التوقيع بالخطوة الإيجابية نحو التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقيات. وأصدر في يوم 7/5/2013 بياناً بشأن أحداث أبيي التي قتل فيها ناظر قبيلة دينكا نوك، وحث فيه دولة السودان ودولة جنوب السودان بإكمال اتفاقيات السلام، وذلك بالتوصل لحل لمشكلة أبيي.
التعليق:
هل الاتحاد الأوروبي رسول سلام، كما يظن البعض؟ والناظر إلى تاريخ أوروبا يجد أن العلاقة بين الدول الأوروبية في الحقب القديمة هي في الأساس علاقة حرب، وإذا توقفت الحرب فإنها لا تعدو أن تكون استراحة محارب لا تلبث أن تنفجر أخرى أشد عنفا وأكثر ضراوة، كحرب المائة عام بين فرنسا وإنجلترا التي دامت (116) سنة متواصلة من 1337-1453م، تلتها حرب الثلاثين عاماً، والتي نشبت بين النمسا وفرنسا وقد شملت معظم دول المنطقة (إنجلترا- روسيا- كاتلونيا- إيطاليا) واستمرت من 1618-1648م، وكذلك حرب التسع سنوات التي نشبت عام 1763م شاركت فيها كل من البرتغال وإسبانيا وسكسونيا والسويد وروسيا والنمسا وفرنسا، وأيضاً حرب السبع سنوات التي نشبت بين ألمانيا وفرنسا اشتركت العديد من الدول الأوروبية فيها. أما الحروب الصغيرة والمناوشات فهي طابع الحياة الأوروبية في عهدها القديم، فشعوب تاريخها بهذه الكيفية مؤهلة لأن تحمل غصن الزيتون للعالم؟ وفي نهاية القرن الثامن عشر وكل القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، فإن شرور أوروبا وويلاتها اصطلت بها كل أرجاء المعمورة من أقصاها إلى أدناها، ففي أفريقيا مثلا كانت البرتغال في جنوب أفريقيا وبريطانيا في شرق أفريقيا وأجزاء واسعة من الوسط والفرنسيين في شمال أفريقيا وغربها، والألمان في وسطها كانوا يصطادون الناس كالحيوانات ليبيعوهم في أسواق الرقيق في أوروبا وأمريكا. أما في آسيا فحدّث ولا حرج، فقد أرسل أحد القادة العسكريين في منطقة الهند إلى رئيسه رسالة تدلل على وحشية هؤلاء البشر يقول فيها: (لقد أرحت الوحوش وحتى الجوارح في السماء من عناء الصيد)، ولم ينجُ من ويلاتهم حتى أمريكا بشقيها الشمالي والجنوبي قبل أن يتمكنوا من طردهم بثمن بلغ مئات الآلاف من الأنفس.
ويكفي أوروبا من الشر أنها خلال خمسة وعشرين عاماً أشعلت حربين كونيتين، قتل في الأولى (8.5) مليون من البشر، أما في الحرب الثانية فقد قدر عدد القتلى (62) مليون نفس الغالبية منهم من النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب، أما نحن في العالم الإسلامي، فإن لم يفعلوا فينا سوى زرع كيان يهود لكفانا شراً، فبريطانيا هي التي أعطت فلسطين ليهود، وفرنسا هي التي مكنت يهود من امتلاك القنبلة النووية، والاتحاد الأوروبي ما فتئ يساند سياسة كيان يهود في المحافل الدولية، فهل هؤلاء رسل سلام؟
أما في تاريخ أوروبا الحديث فلا توجد حرب ضد المسلمين إلا وشاركت دول الاتحاد الأوروبي فيها أو سكتت عنها؛ فحرب البوسنة والهرسك والتي ارتكبت فيها أكبر مذبحة بعد الحرب العالمية الثانية والتي قتل فيها أكثر من (8 آلاف) مسلم تمت بتواطؤ من جيوش الدول الأوروبية التي كانت تتولى حماية اللاجئين البوسنيين في سربينتشا وسمحت للصرب بارتكاب هذه المذبحة البشعة والتي كان معظم القتلى فيها من الأطفال والنساء وقد شاركت دول الاتحاد الأوروبي في الحرب ضد المسلمين في أفغانستان والعراق، وها هي فرنسا الآن تلعق من دماء المسلمين في مالي بحجة واهية اتخذتها ذريعة للقتل والتنكيل والسيطرة على مقدرات دولة مالي، وشرور هذه الدول ليس قاصرا على المسلمين وإن كان للمسلمين نصيب الأسد فيه، فجزر الفوكلاند قد أخذت حصتها من شرور بريطانيا، ورواندا التي ذبح فيها أكثر من مليونين كان بتواطؤ من فرنسا.
أما السودان موضوع الحديث فقد اتسمت سياسة الاتحاد الأوروبي تجاهه بالعدوانية، ففي صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 27/7/2004، وتحت عنوان (الاتحاد الأوروبي يوصي الأمم المتحدة بإنزال عقوبات على السودان بسبب أزمة دارفور) واصل الاتحاد الأوروبي ممارسة الضغط على الحكومة السودانية بشأن أزمة دارفور.. ودعا وزراء الخارجية في بيان إثر اجتماعهم في بروكسل الأمم المتحدة إلى تهديد السودان بإنزال عقوبات ما لم ينزع أسلحة الجنجويد المتهمة بارتكاب أعمال عنف في دارفور، واستدعت الخارجية السودانية سفيري ألمانيا وبريطانيا وأبلغتهما احتجاجها على مواقف بلديهما تجاه الأزمة في دارفور، ووصفت مواقف برلين ولندن بالعدائية. وأبلغ السفير (الخير) وزير الدولة بوزارة الخارجية الصحافيين أنه عكس للسفير البريطاني بالخرطوم (ريك قيرالد استون) أن الحكومة السودانية تعتبر أن المواقف البريطانية تجاه الأزمة في دارفور فيه تصعيد لا يساعد على حل المشكلة، وقال السفير: (أنه أبلغ السفير البريطاني احتجاج الحكومة على تصريحات رئيس الأركان في الجيش البريطاني (مايك جونسون) التي أبدى فيها استعداد بلاده لإرسال “5” آلاف جندي لدارفور إذا تطلب الأمر، باعتبارها تصريحات تهديدية وتسعى للنيل من السيادة السودانية!!)، وقال (الخير): (أنه أبلغ السفير الألماني في الخرطوم أن بلاده تستضيف المتمردين من دارفور وتوفر لهم مناخاً لممارسة نشاط معادي للحكومة السودانية بصورة تتنافى مع قوانين اللجوء السياسي).
وكما نعلم فإن بريطانيا تستضيف قادة العدل والمساواة، وفرنسا تستضيف عبد الواحد محمد نور. وقد أجريت دراسة على حجم الإعلام الأوروبي الذي اهتم بشأن دارفور مقارنة باهتمامه بالقضية الفلسطينية، فكانت النتيجة أن المساحة الإعلامية التي أعطيت لقضية دارفور خلال سنتين في الإعلام الأوروبي تعادل (50) مرة المساحة الإعلامية التي أعطيت لقضية فلسطين خلال (50) عاماً. وفي إطار التصعيد المستمر إلى درجة العداء السافر الذي تمثل بالمطالبة بمحاكمة رئيس جمهورية السودان من قبل المحكمة الجنائية الدولية؛ ومن المعلوم أن هذه المحكمة أداة من أدوات الاتحاد الأوروبي السياسية وإن كان وجهها قانونياً.
أما دولة الجنوب التي هي موضوع السلام المزعوم من قبل الاتحاد الأوروبي، فمن الذي بذر بذور مشكلة جنوب السودان، أليست هي بريطانيا أحد أركان الاتحاد الأوروبي الأساسيين؟!
وبعد كل هذا التاريخ الحافل بالصراع الدموي وتلك المواقف المجاهر فيها بالعداء، هل يمكن أن نتصور أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون رسول سلام! إن الدول الأوروبية المكونة لهذا الاتحاد هي دولٌ رأسمالية تبني سياستها الخارجية على أساس المصلحة، ولا يهمها إذا مات أهل الأرض جميعا أو عم السلام، فإن مركز تنبهها هو مصالحها فحسب، وتدور السياسة الخارجية لهذه الدول مع المصلحة أينما دارت، وإذا اقتضت هذه المصلحة إشعال حرب أشعلتها، وإذا اقتضت إثارة الفتن والقلاقل والأزمات خلقتها، وإذا كان السلم هو الذي يحقق المصلحة سعت له بكل قوة، لذلك فليس من الحكمة، ولا من الوعي السياسي أن ننظر إلى هذا الاتحاد الأوروبي باعتباره صديقاً أو محبًّا للسلام، بل هو عدو يتربص بنا الدوائر، كشفهم لنا القرآن الكريم وبيّن حقيقة نفسياتهم في كثير من الآيات منها قوله تعالى: (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) وقوله تعالى: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
إن الدول الأوروبية وأمريكا دول مبدئية تعمل على نشر النظام الرأسمالي الديمقراطي ليمكنها من بسط سيطرتها على العالم، ولا نستطيع نحن المسلمين أن نقف في وجههم إلا إذا توحدنا حول مبدأ الإسلام العظيم، الذي يوحد طاقات الأمة ويجمعها على صعيد واحد، في دولة واحدة هي دولة الخلافة العائدة قريباً بإذن الله، ويومئذ لا يستطيع الاتحاد الأوروبي ولا غيره من دول البغي والاستعمار أن ترفع إصبعاً ناحيتنا، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
المهندس حسب الله النور سليمان / ولاية السودان