الإرهاب الأمريكي في أرض الشام.. ما هي نهايته؟! الحلقة الأولى
إن الناظر والمتابع لما يجري على أرض الشام في الأسابيع القليلة الماضية، يرى أن أمريكا ومن يساندها من المجتمع الدولي، ومن يحالفها من دول المنطقة بالإضافة إلى عميلها وأداة بطشها في أرض الشام، يرى أنها قد زادت من إجرامها وبطشها وتنكيلها بأهل الشام الصابرين المرابطين المحتسبين لله عز وجلّ..
والسبب في زيادة البطش والإجرام ضد أهل الشام هو مخاوف أمريكا وشعورها بقرب انهيار النظام نتيجة قسوة الضربات من قِبَل الثورة، ونتيجة الوهن الذي أصاب جيش الطاغية ووحداته الخاصة، ونتيجة الانهيار الاقتصادي داخل الشام، ومع هذه المخاوف فإن أمريكا لم ترتب الأمور لما بعد النظام، ولم تنجح حتى الآن في ضمان سير الأمور؛ بحيث لا تخرج عن السيطرة، وذلك لأسباب عدة منها:-
1- ضعف فرق الجيش الحر الموالية لها داخل سوريا، مقابل الكتائب والألوية الكثيرة من المجاهدين الخارجين عن سياستها وسيطرتها.
2- تعدد الولاءات السياسية داخل الائتلاف السوري، وضعف التأييد الشعبي له داخل الشام، وقلة الفرق العسكرية المحسوبة عليه داخل الشام، وقد ورد هذا على لسان أكثر من مسئول أمريكي وأوروبي؛ فقد ذكرت وزيرة خارجية أمريكا كلينتون في 30-10-2012؛ أي قبل ترتيب مؤتمر الدوحة لتوسيع المعارضة.. “أن المجلس الوطني السوري يواجه فشلا كبيرا في استقطاب الداخل السوري، ولذلك يجب توسيع المعارضة وإشراك قيادات من الداخل..”، ثم أضافت: “أن هناك تزايداً ملحوظاً لنفوذ الجماعات الإسلامية والجهادية، في التطورات النوعية التي شهدتها سوريا خلال الأسابيع الأخيرة.”
ونقلت عنها وسائل الإعلام في 15-11-2012 قولها: “أنها تنتظر من المعارضة السورية أن تقاوم بشكل أقوى محاولات المتطرفين لتحويل مسار الثورة السورية، فالمعلومات حول متطرفين يتوجهون إلى سوريا، ويعملون على تحويل مسار – ما كان حتى الآن ثورة مشروعة ضد نظام قمعي- لصالحهم، مما يثير قلق الولايات المتحدة، ويحتم إجراء إصلاح جذري للمعارضة السورية”.
3- وقد زاد الطين بلة ما جرى في جبل قاسيون قبل أيام، وأخفت الحكومة السورية حقيقته؛ حيث تسربت أخبار من داخل اللواء (104-105) الذي قصفته أمريكا وكيان يهود؛ بالصواريخ والطائرات من الجو والبر والبحر، هذه الأخبار توحي بأن تذمرا كبيرا كان يسود داخل هذين اللواءين وألوية أخرى من جنسها…، فأرادت أمريكا ونظام بشار أن يسكت مثل هذا التذمر نتيجة استمرار الحرب، وكثرة الدمار والخراب، وخرق قوانين الحرب بالمذابح الجماعية وغير ذلك.. وخاصة بعدما جرى في مذابح بانياس..
وأرادت كذلك أن تقضي على ترسانة الأسلحة المتطورة داخل هذه المنطقة الحساسة.
وقد أرادت أمريكا أن تحقق أكثر من هدف -بالإضافة إلى ما ذكر- تحت غطاء ضربة يهودية لأسلحة تنقل إلى حزب الله..
ومن أهداف أمريكا التي أرادت تحقيقها من هذه العملية الإجرامية:-
1- أرادت أمريكا أن ترسل رسالة إلى فرق الجيش السوري؛ بأن أية عملية تململ أو انشقاق لصالح الثوار المخلصين المناوئين لسياسات أمريكا، سيكون مصيرها المصير نفسه كما حصل للألوية في جبل قاسيون، وذلك قبل إجراء الحل السياسي الذي تريده هي عن طريق الائتلاف السوري والجيش الحرّ الموالي لسياساتها..
2- أرادت أن ترسل رسالتين؛ الأولى إلى دول العالم بشكل عام؛ أن أمريكا يدها طويلة وتستطيع أن تناور على أكثر من صعيد في الموضوع السوري وتستطيع -في حال فشلها بالطرق السياسية- أن تفرض الحلول بالقوة عن طريقها وبمساعدة حلفائها الدوليين والإقليميين، لذلك بدأت أمريكا تلوّح بالحل السياسي أو العسكري إذا فشل الحل السياسي، وذلك تحت غطاء وذريعة استخدام السلاح الكيماوي من قبل النظام أو المعارضة، وأن جميع الخيارات مفتوحة إذا استخدم هذا السلاح، فقد جاء في تصريح للرئيس الأمريكي في 26/4/2013 قال فيه: (إن استخدام أسلحة كيماوية يمكن أن يؤدي إلى “تغيير قواعد اللعبة”، وصرح في مؤتمر صحفي مع الرئيس التركي في 17/5/2013 فقال: (إن استخدام السلاح الكيماوي هو «خط أحمر»، وقال بأن الولايات المتحدة على استعداد لاتخاذ «تدابير إضافية» عند الضرورة، “سواء دبلوماسية أو عسكرية“، لأن هذه الأسلحة الكيميائية في سوريا تهدد أيضاً أمننا على المدى البعيد، وكذلك أمن حلفائنا وجيراننا.”
والرسالة الثانية هي لدول أوروبا بالذات؛ مفادها أن هناك خطراً يتهدد كيان يهود، وهذه العملية إشارة واضحة، فعلى المجتمع الدولي -وخاصة أوروبا- أن تتحرك لإنقاذ الوضع بالحلول السياسية، وقد جاءت حركة رئيس الوزراء اليهودي بعد العملية مباشرة إلى عدة دول لإثارة الأمر، وحث المجتمع الدولي للتحرك السريع لدرء الخطر عن كيان يهود، حيث صرح نتانياهو في (منتجع سوتشي) الروسي 15-5-2013 في لقاء مشترك مع الرئيس الروسي فقال: (المصلحة المشتركة في استقرار الوضع في المنطقة، وفي إيجاد سبل التعاون مع موسكو للوصول إلى الاستقرار المنشود… وقال أيضا: (إن السبيل الوحيد لمنع تنفيذ السيناريو السلبي (في سورية) هو الوقف الفوري للنزاع المسلح والتحول للحل السياسي، ومن المهم في هذه المرحلة الامتناع عن القيام بأي أعمال تؤدي إلى تعقيد الوضع أكثر).
فقصة الأسلحة هذه التي تذرع بها كيان يهود لم تكن سوى ذريعة دولية، وغطاء دولي لما قامت به أمريكا من مناورة سياسية بالطريق العسكري للأهداف التي ذكرنا، وهناك عدة مؤشرات تدلل على هذا الأمر بالإضافة لما تسرب من أخبار من داخل اللواء، ولما ورد على ألسنة الخبراء والمحللين السياسيين والعسكريين؛ من هذه المؤشرات:
أولا: أن عملية القضاء على نقل الأسلحة، لا تحتاج إلى تدمير لواء كامل، وتدمير مخازنه ومعداته العسكرية بشكل شبه كامل، فمثل هذا العمل بهذا الحجم في هذه المنطقة الحساسة، والتي تعتبر عرين الأسد، هو أبعد من مسألة نقل أسلحة إلى حزب الله أو غيره.
الأمر الثاني هو: لماذا هذا اللواء بالذات، فهناك ألوية أخرى في جبل قاسيون، فلماذا لم تضرب، ولم تخش حكومة اليهود من تسرب الأسلحة منها؟!
الأمر الثالث: إن هناك عملية مشابهة جرت قبل هذه العملية؛ عمل كيان يهود على ضرب الأسلحة أثناء حملها إلى لبنان داخل البقاع اللبناني، وليس داخل معقل النظام، وفي النقاط الحساسة والمهمة له.
الأمر الرابع: أن بعض الخبراء العسكريين مثل اللواء الأردني المتقاعد (فايز الدويري) قد أكد مشاركة صواريخ كروز الأمريكية وتوما هوك بعيدة المدى من البحر في هذه العملية حيث ذكر في تصريح لوسائل الإعلام بتاريخ 7/5/2013 (…أن الغارة “الإسرائيلية” الأخيرة شاركت في القيام بها 10 مقاتلات، وتم إطلاق حوالي 40 صاروخًا.. وأوضح أن من بين تلك الصواريخ المستخدمة صواريخ “كروز وتوماهوك” الأمريكية بعيدة المدى، حيث طالت موقع قرب جبل قاسيون، الذي يعد ثكنة عسكرية كبيرة، توجد فيه ألوية للحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، ومخازن أسلحة كبيرة… ولفت الخبير الإستراتيجي إلى أن الأقمار الاصطناعية “الإسرائيلية” والغربية تتابع بصورة مستمرة ودقيقة الساحة السورية طوال الوقت… وقال: إن وجود طائرات مقاتلة بهذا التشكيل كان من الطبيعي أن ترصده رادارات النظام السوري، ويتم إنذار الدفاع الجوي للقيام بالردّ، وأشار مراقبون إلى أن عدم حدوث ذلك يضع علامات استفهام حول الموقف الحقيقي لنظام بشار من مثل هذه الغارات… ولفت الدويري إلى أن تنفيذ هذه الغارات ربما يكون له هدف آخر متعلق بالجانب الأمريكي الذي أراد أن يعرف رد فعل النظام السوري إذا ما فكر الغرب القيام بتدخل عسكري في سوريا وسط مخاوف من وقوع خسائر…).
يتبع….
حمد طبيب