خبر وتعليق الإسلام السياسي أعطى للأمة هويتها وفتح أمامها مستقبلها
الخبر:
نشر طلال سلمان رئيس تحرير جريدة السفير في 26/6 مقالاً له في جريدته تحت عنوان: “الإسلام السياسي والعروبة: الماضي يقاتل الهوية والمستقبل”، يلخص مشهد حركات الإسلام السياسي الطامحة إلى السلطة، ويصور حالة الدول التي رفعت شعار الإسلام، بيما تخلت عن مضمونه وجوهره، ليخلص إلى أن مزج الإسلام بالسلطان مفسدة، الذي يحارب “راية العروبة، بوصفها الهوية الجامعة لشعوب هذه المنطقة”. ثم يُدلي للقارئ بعلاجه “الساحر” بقوله: “فإن العروبة دعوة إلى توكيد الهوية الحقيقية لشعوب هذه المنطقة بالذات، في صراعها من أجل استقلالها وسيادتها على أرضها وحماية مصالحها… وهي في كل ذلك، لا تفرط بالدين”، و”العروبة قد حمت أبناء هذه الأرض مشرقاً ومغرباً، من خطر التتريك حين حاولت الإمبراطورية العثمانية، وتحت شعار الخلافة، سلب هذه المنطقة وأهلها هويتهم الأصلية وجعلهم من رعايا السلطان”.
ثم يسوق بعض الأدلة، فيوضح تهافت الحركات الإسلامية، وكيف “استغلت الدين للوصول إلى السلطة”، ودول تغطت وراء “الإسلام السلفي”، بينما فتحت أرضها وأجواءها للغرب، وأهدت خيراتها للغزاة المحتلين، بينما حكامها “هربوا من العروبة إلى الإسلام الملكي” وأخيراً يستدل “بالنموذج التركي للإسلام السياسي” الذي “يستبطن الالتحاق بالمشروع الأميركي للمنطقة”، ليقدم الكاتب البديل عن الإسلام السياسي ودولته، المتمثل في دولة المشروع القومي، حيث “تلاقى المسلمون بدولهم ذات الهويات المختلفة خلف القيادة العربية وكان مركزها مصر، مسلّمين بشرعيتها، وكان التلاقي على قاعدة سياسية لا دينية، وهذا ما يسر أمر التوحد على الأهداف المتماثلة للشعوب الممهورة بالتخلف والتبعية، والنضال المشترك ضد قوى الاستعمار والامبريالية”.
التعليق:
يبدو أن الأخ -وما زلنا نحسبه كذلك- طلال سلمان يقرأ حقب ما قبل التاريخ بدل الواقع، أو يحاول معالجة المشكلات لكوكب آخر. فبداية كان عليه الفصل بين الإسلام ومن يدعي الإسلام، ثم ليحدد حقيقة هوية الأمة ثانياً.
إن الاستشهاد بحركات “الإسلام المعتدل” ودول “الإسلام السلفي” بوصفها ممثلاً للإسلام فهذا لغط كبير. من الواضح أن هذه الحركات وتلك الدول، قد تخلت عن الإسلام جوهراً ومظهراً، وهو ما أكده الكاتب في مقاله، فلِمَ يعود ليعتبرهم ممثلين عن الإسلام، والإسلام منهم براء؟! إن النقاش حول “الإسلام السياسي” بحاجة لتحديد أي إسلام ذاك؟ فهل هو إسلام “حركات الإعتدال”؟ أم “إسلام الدول النفطية المتأمركة” أم “الإسلام السياسي” بنقائه وصفائه، الذي يحمل الإسلام مبدأ ورسالة خير للبشرية؟
نعم، لا تملك حركات الإسلام المعتدل برنامجاً لتطبيق الإسلام، بل إن بعضها صرح بملء فيه، أن “لن يطبق شرع الله”، فلمَ يكون هؤلاء مركز نقاش؟! أما دول “الإسلام السلفي” الأمريكية، فالأمر بحقها غريب عجيب! فأين رأى الكاتب في هؤلاء الإسلام حتى يظهره لنا؟! أم عساه قصد تزين المساجد وإقامة مشاريع العمارة حول الكعبة المشرفة، لتيسير الحج على الناس؟! فكيف يصح هؤلاء ليكونوا مناط البحث حول “الإسلام السياسي”!
الإسلام السياسي هو إسلام دولة الفاروق عمر رضي الله عنه، الذي خاف من أن يسأله ربه عن طريق لم يعبدها لبعير تتعثر في العراق. هو إسلام دولة صلاح الدين، الذي لم تنهضه “كرديته” لنصرة “عروبة” غيره، بل الذي أنهضه إسلام يتفجر وجعاً وألماً لما آلت إليه حال المسلمين. هو إسلام دولة محمد الفاتح، الذي أذاب “تركيته” في بوتقة الإسلام الحنيف، ليفتح أعظم المدن وأمنعها. هو إسلام الخليفة عبد الحميد الثاني، الذي دافع بكل قوة وجرأة وبسالة عن أرض فلسطين، بينما رمى الكاتب دولة الخلافة العثمانية بصنوف التهم. هل أضحت الخلافة العثمانية دولة محتلة غازية، “تسلب هذه المنطقة وأهلها هويتهم الأصلية وجعلهم من رعايا السلطان… تحت شعار الخلافة”؟! أم هي من ذادت عن حياض المنطقة لمئات من السنين، وضحت بشبابها لرفع لواء الإسلام في منطقتنا، ثم فتحت شرق أوروبا، لتنشر إليه النور والهداية؟! دون أن ننكر أن لوثة أصابها في آخر عهدها، لما أفسده فيها الماكرون.
عن أي عروبة وهوية يتحدث محرر جريدة السفير؟! عروبة رمتنا في أحضان فرنسا وبريطانيا تحت نير حراب “الانتداب”؟! ثم أحالتنا أمما وأقواماً ممزقة الأوصال مفتتة البنيان، يستعدي بعضنا بعضاً، قبل أن يأكلنا الغرب قضمة وراء قضمة، دون أي حس من دولة “قومية وطنية عروبية” مجاورة؟! والقبيح في الأمر، أن ما جاء به الكاتب من دليل، يندى له جبين القارئ. فأي مشروع عروبي ذاك الذي قام بين مصر وسورية؟! لم يصمد سوى لأشهر، ولم يحقق للأمة حتى القليل، بل قام بحرب مسرحية فاضخة سلمت ليهود ما تبقى من فلسطين! فأي عروبة وأي هوية تلك؟!
الإسلام بوصفه مبدأ ودولة، ها هو اليوم يمثل للبشرية من جديد بحول الله، ليكشف زيف العروبة الساقط، فليس للأمة هوية سوى إسلامها، الذي أحالها من رعاة للماشية لرعاة للبشرية، وهو من صنع لنا ملاحم التاريخ، حتى صرنا سادة الأرض، وهو من سيصنع لنا المستقبل المشرق بنور الإسلام، ولولاه لبقينا نتقاتل عن غنم هائمة هنا، أو بئر ماء هناك. فالإسلام والعربية طاقتان هامتان لا غنى لنا عنهما، في طريق نهضتنا وتحررنا، لكن “العروبة” بوصفها هوية جامعة، ما هي إلا هوية التمزيق والتفتيت والتشتيت والتجزئة، لم تأت إلا بالخبيث السيء، وحروب أهلية لم تبق ولم تذر. فما بالك كيف “تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير”؟!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
خليل عبد الله