خبر وتعليق سيناريوهات ما بعد الأزمة في مصر
اتكأ العسكر على الملايين التي خرجت لعزل مرسي، وقاموا بالانقلاب عليه، ولم تعلن أمريكا صراحة أن ما حصل هو انقلاب خشية أن يترتب عليها أن تقطع المعونات عن مصر ما بعد الانقلاب والتي سيتسلمها العسكر إلى حين قد يطول.
ثم اتكأ العسكر على ردود الفعل التي قد يقوم بها المتحمسون الغاضبون الرافضون لهذا الانقلاب، والتي قد تصل إلى استعمال السلاح والقتل، فما لبثنا أن رأيناهم يوجهون الاتهام لقادة الإخوان بالتحريض على القتل، وادعوا أنهم أمسكوا ببعض القناصة الذين كانت لديهم أوامر من قيادات الإخوان بالقتل لمن يتقدم.
ولا يستبعد أن يقوم العسكر بدس ملثمين يقومون باستعمال السلاح لتأجيج الأمر فتزيد نقمة الناس على أنصار مرسي، فتتهيأ لهم الفرصة كي يستعملوا القوة لضرب الجماهير الحاشدة الرافضة.
والآن على العسكر أن يحسبوا حساب الملايين التي خرجت رافضة لهذا الانقلاب، والتي هي واحد من اثنين: إما مؤيد لمرسي، معتبرا إياه ممثلا لما يسمى بالشرعية، وأنه جاء بانتخابات، وعليه أن يكمل مدته، أو قسم ثان رافض لانقلاب العسكر واستئثارهم بالحكم خصوصا وأن الأمس منهم ليس ببعيد حين خرجت الملايين تصيح يسقط يسقط حكم العسكر.
ثم على العسكر أن يحسبوا حساب المرحلة القادمة، والتي قد يتطور فيها الصراع فيتسع الخرق على الراتق، فتدخل مصر في دوامة نسأل الله أن يقي من شرها.
وأخيرا فإن على العسكر أن يحسبوا حساب من فرح لهم اليوم بفعلتهم فإن أهل مصر لن يرضوا استئثار العسكر بالحكم ثانية، وهم الذين أجبروا العسكر وألزموه بالأمس القريب على الانصياع لرغبة الجموع الحاشدة بإيصال رئيس منتخب لسدة الحكم، وما فرغت صدور العسكر يوما من رغبة العودة للاستئثار بالحكم، فلا شك أن هناك فرقا شاسعا بين ما يضمره العسكر وما في صدور من أرادوا تنحية مرسي، وحين تنكشف للجموع نية العسكر فإنهم سيثورون على العسكر. فهذه كلها حسابات على العسكر أن يحسبها ليعلم يقينا أن الأمر لن يدوم له، وأن السير في ركاب المشاريع الأمريكية ضد الأمة لا يلبث أن يسقط ويسقط معه دور العسكر ليعود لما يجب أن يكون عليه وهو أن يكونوا مع الأمة، ومع هذا لا شك أنه ستسقط رؤوس كبيرة من العسكر كما سقطت من قبل نظراؤهم.
وما زالت أمريكا تتخبط في سياساتها وفي تياساتها، فإنها كانت ترى الغليان الإسلامي في العالم الإسلامي والتوق للدولة الاسلامية، والرغبة في الانعتاق من التبعية لأمريكا، فكانت أمام خيارات اتخذتها في أفغانستان، والعراق، باستعمال القوة العسكرية، ففشلت أيما فشل، ثم رأت النموذج العلماني التركي الذي يتمسح بمسوح الإسلام نموذجا يحتذى ويمرر في العالم الإسلامي ليضمن لأمريكا بقاء مصالحها ويؤخر الإسلام السياسي التغييري الانقلابي الجذري الذي يقوم على فكرة الخلافة وتطبيق شريعة الله وتوحيد المسلمين في دولة واحدة تحكم بالإسلام.
فسمحت بأن يصل ما يسمى بالإسلام المعتدل للحكم في تونس ومصر وأن يتولى الحكومة في المغرب وهكذا يظن الناس أن الذي يحكم هو الإسلام، وتبقى العلمانية في تحكمها، وتضمن لأمريكا مصالحها وللأمة الاسلامية أن تبقى مرتعا لمصالح أمريكا تحرم منها أبناء الأمة وتعطيها لأعدائها.
إلا أن أمريكا التي ما انفكت تحاول أن تجد لدولة محورية ركن في المنطقة هي سوريا، أن تجد لأزمتها حلا يبقي على المصالح الأمريكية (الإسرائيلية) على ما كانت عليه في ظل الحكم العلماني الخاضع لأمريكا، فما كانت تخرج من محاولة تفشل فيها إلا وتدخل في محاولة أخرى وتفشل، والناس في سوريا يزيدهم الضرب إصرارا على الإسلام، وتوجها نحو الانعتاق من التبعية للغرب، وهذا يشكل كل الخطر على مصالح أمريكا في المنطقة، فرأت أن تضرب فكرة قدرة الإسلام السياسي على الحكم مستغلة ظن الناس بالإخوان أنهم إسلاميون يعملون لإيصال الإسلام إلى الحكم، ولو بعد حين، رغم عدم تصريح أو تلميح أو قيام الإخوان بأي أمر يدل على هذا أو يمت إليه بصلة، ولكن أمريكا تكتفي بأن تجربة الحكم في مصر فشلت في إيصال رغيف الخبز للجائع، وأن يخف الغلاء والبلاء عن المستضعفين والفقراء لأن السياسات استمرت في النهج السابق: ديون ربوية، ومعونات أمريكية، وضرائب، ولا سياسات اقتصادية حقيقية تقيم الصناعات والمصانع وتستقل بمصر عن التبعية لأمريكا.
فكانت فرصة مهمة لأمريكا عجلت بها لهدم رغبتها بضرب الإسلام السياسي بالإسلام المعتدل القابل بالعلمانية إطارا.
ولكن أمريكا لم تحسب الحساب للمرحلة القادمة التي أبت إلا أن تحولها معركة إسلام وعلمانية، ولم تحسب حساب أن يفهم القاصي والداني فشل الديمقراطية، وانقلاب الغرب وأتباعه على الديمقراطية التي يتغنون بها صباح مساء، وأن يفهم القاصي والداني أن الديمقراطية تحمل في أحشائها ديكتاتورية تأبى وترفض أن يحكم معها وفيها ومن خلالها غيرها، حتى وإن كان بالاسم، دون الرسم.
لم تحسب أمريكا حسابا أن هذا سيفضي إلى أن يمتاز المسلمون منتصرين لإسلامهم، فيتشبثوا بالإسلام إسلاما، ولربما لم يستطع قادتهم فيما بعد أن يسوقوا عليهم حلولا وسطا.
وأما هؤلاء الذين خرجوا على مرسي، فقلة قليلة منهم لا تعد على أصابع القدم اليسرى علمانيون، ولكن جلهم كرهوا من الإخوان أن لم يروا التغيير الحقيقي، ولم يكرهوا الإسلام بل هم مسلمون غيورون على دينهم فالإسلام متأصل في قلوب أهل مصر.
وما هي إلا سكرة إسقاط مرسي تعقبها فترة تحكم العسكر وحينها سينفض جل هؤلاء عن العسكر وتقوم مصر عن بكرة أبيها مطالبة بالتغيير.
الدور الآن أكبر من أي وقت مضى للوعي الصحيح على الحل الجذري لا الترقيعي، فإن مصر لن يخرجها من مرضها الذي هي فيه إلا التغيير الجذري، فتنعتق مصر من التبعية لأمريكا أس البلاء ورأس الأفعى.
ولن يحصل هذا الانعتاق بحكم إمعات مثل البرادعي أو عمرو موسى أو صباحي أو أضرابهم، فإنهم ليسوا رجال سياسة ولا رجال دولة وليسوا سوى عبيدٍ لأمريكا ليس لديهم ولا عندهم لمصر وأهلها ولأمة الاسلام أي خير، ولن يستطيعوا إحداث أي تغيير، فلئن جاءت بهم أمريكا فإن هي إلا أقل من سنة فيثور عليهم الفقير والجائع واليائس وكل من لا يرى تغييرا حقيقيا.
وهذا مما يدل على جهل وغباء أمريكا، فإنها تريد لمصر أن تبقى في مرضها الاقتصادي وهي التي دخلت في غيبوبة اقتصادية لا يخرجها منها إلا نظام إسلامي حقيقي يقوم على الصناعات الثقيلة، وتوحيد مصر مع باقي بلاد الاسلام لينتفع المسلمون بخيراتها ويرضوا رب العالمين فيعمهم ما أقامه الله لهم في بلادهم من خيرات وينطلقوا ناشرين الخير للبشرية كافة.
ليس للمرحلة القادمة يا مصر الكنانة إلا حزب التحرير، بما لديه من مشروع سياسي إسلامي متكامل وبما لديه من رجال دولة، تمرسوا على السياسة، وقد عملوا في كافة أقطار المعمورة ليهيئوها لتكون جزءا من الدولة الإسلامية العالمية الكبيرة.
فالتفي يا مصر الكنانة حول هذا الحزب الرائد وأعطيه قيادتك، وأرضي رب العالمين بتطبيق شريعته لتكون مصر هي نواة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة وهو شرف ما بعده شرف.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو مالك