خبر وتعليق الرأسمالية أخذت الغذاء من أفواه الأطفال
وفقا لأبحاث حديثة قام بها كل من تيسكو، وبنوك الأغذية الخيرية، تروسيل ترست، وجمعية إعادة توزيع الأغذية الخيرية، Fair Share، فإن واحداً من كل خمسة آباء في المملكة المتحدة يكافح من أجل إطعام أطفالهم. يفوّت العديد منهم واجباتهم اليومية، بينما البعض الآخر يبقى دون طعام لعدة أيام لأجل إطعام أطفالهم، أو يعتمد على العائلة والأصدقاء لتقديم الغذاء لهم. تعتمد 70٪ من الأسر التي تعاني من نقص الغذاء ولديهم أطفال في التعليم الابتدائي، جزئيا على المواد الغذائية التي تقدمها المدارس. ونتيجة لذلك، نتوقع أن نرى في العطلة الصيفية المدرسية القادمة عددا كبيرا من الأطفال الجياع. وتبين البحوث أيضا أنه من غير المرجح أن تتحسن مشكلة الفقر الغذائي في المملكة المتحدة في المستقبل القريب. وفقا لتقرير مشترك، من قبل منظمة أوكسفام وهيئة الكنيسة لمكافحة الفقر، نشر قبل بضعة أسابيع، فقد تضاعف عدد الأشخاص الذين دفعهم اليأس لاستخدام بنوك الغذاء التي توزع المواد الغذائية المتبرع بها من قبل الجمهور، بثلاثة أضعاف في العام الماضي وحده. وعزا العديد من المؤسسات الخيرية هذا الارتفاع الكبير في الأشخاص الذين يلجأون إلى الإمدادات الغذائية الطارئة لإطعام أنفسهم وأسرهم، إلى خفض الحكومة الرعاية الاجتماعية، وانخفاض الأجور، والأزمة الاقتصادية الناجمة عن النظام الرأسمالي المعيب. ويعكس صعود هذه البنوك الغذائية فشل الحكومة البريطانية الرأسمالية وتخليها عن رعاية الأشخاص الأكثر ضعفا في المجتمع، بينما في الوقت نفسه تقوم بإعطاء الإعفاءات الضريبية للأثرياء وبإنقاذ مصارف بعدة مليارات.
وقد اقترن هذا مع تصريحات قاسية من قبل سياسيين رفيعي المستوى في المملكة المتحدة الذين ذموا أولئك الذين لا يستطيعون إطعام أطفالهم على نحو كاف أو أولئك الذين يزورون بنوك الغذاء، مما يعكس احتقارهم للفقراء، وعدم الاهتمام برعاية من يحكمونهم، ومحاولة منهم لتبرئة أنفسهم والنظام العلماني الذي هو من صنع الإنسان، من المسؤولية تجاه هذه الأزمة الاجتماعية. في تموز /يوليو الجاري، وصف اللورد فرويد، وزير العمل والمعاشات الثري، أولئك الذين يحضرون مراكز توزيع الأغذية بأنهم انتهازيون يفعلون ذلك لكسب الغذاء مجانا، بدلا من كونهم يائسين أصحاب حاجة حقيقية. في حين اقترح مايكل غوف، وكيل التعليم أن سوء الأبوة والأمومة بدلا من نقص الموارد المالية هو المسؤول عن ارتفاع أعداد الأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة جياعا.
إن كل هذا هو نتيجة للنظام الرأسمالي المدمر الذي يخلق اقتصادات غير مستقرة مثقلة بالديون تعتمد على الاقتراض والائتمان التي هي عرضة للانهيار والأزمات، مما تسبب في ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وتغرق المواطنين العاديين والعديد من الأسر في الفقر المدقع. وبالإضافة إلى ذلك، يتميز هذا النظام الضار بتلبية احتياجات ومصالح النخبة الغنية بدلا من احتياجات عامة الناس، وتغذي العقليات، بما في ذلك تلك الموجودة في الحكم التي ترى الفقراء والضعفاء بأنهم يشكلون عبئا على الاقتصاد بدلا من كونهم أفرادا، يتوجب على الدولة توفير الغذاء الكافي والمأوى والاحتياجات الأساسية الأخرى لهم. وعلاوة على ذلك، فهو نظام يركز على جلب الثروة بدلا من التوزيع الفعال للثروة لضمان تلبية جميع احتياجاتهم الأساسية، والتي تطبق سياسات اقتصادية خاطئة والنموذج المالي الربوي الذي يجعل الأغنياء أكثر ثراء والفقراء أكثر فقرا. وباختصار، فإن إنسانية أي أيديولوجية أو مجتمع يمكن الحكم عليها وفقا لكيفية معاملتها لأكثر الناس ضعفا واستضعافاً. وقد أظهرت الرأسمالية أنه يعامل الفقراء والضعفاء بازدراء. فهي أيديولوجية محتقرة للإنسانية التي تقدس الثروة وتحقق مكاسب مالية بينما في نفس الوقت تخفض من قيمة الإنسان، وتتجاهل حاجاته.
وهذا كله يثير التساؤل التالي، لماذا تصر حكومات العالم الإسلامي في الاستمرار في تنفيذ ومتابعة الأنظمة الرأسمالية وغيرها المصنوعة من قبل الإنسان على أراضينا المسلمة. وحتى بعد الانتفاضات العربية، فإن القيادات الجديدة في مصر وتونس وليبيا، واليمن واصلت وضع ثقتها في النظام الرأسمالي وسياساته لبناء الاقتصاد والدولة، على الرغم من أن هذا النظام وسياساته كان سببا في إفقار، واضطهاد المسلمين منذ عقود. وكانت النتيجة هي تدهور الحياة السياسية والاقتصادية لشعوب المنطقة، بما في ذلك النساء والأطفال. فوفقا لتقرير نشر في تموز/يونيو هذا العام من قبل برنامج الغذاء العالمي للأمم المتحدة، فإن سوء التغذية بسبب الفقر يسبب 11٪ من معدل وفيات الأطفال في مصر. وفي اليمن، تتعاظم الأزمة الإنسانية مع كون ربع النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و 49 عاما تعانين من سوء التغذية الحاد وتكافحن من أجل إطعام أسرهن، ومع وجود 10 مليون يمني (أي ما يقارب ½ السكان) ليس لديهم ما يكفي من الطعام. ومما لا شك فيه، في هذا الشهر من رمضان، وكما هو الحال في العقود الماضية، ستكافح الملايين من النساء المسلمات والأطفال من أجل العثور على الطعام لسحورهم أو إفطارهم.
وحده نظام الإسلام، الذي ستنفذه دولة الخلافة، يستطيع أن يوفر شريان الحياة للخروج من هذه الأزمة الاقتصادية القاسية التي تجتاح أراضينا المسلمة. إنه النظام الذي لا تكون فيه أولوية ‘مكافحة الفقر’ مجرد خطاب السياسيين، ولكنها تتجلى في القوانين والسياسات الاقتصادية الإسلامية التي تلزم التوزيع العادل للثروة والزكاة وتوفير الاحتياجات الأساسية للجميع. هذا إلى جانب حظر احتكار الثروة، ومبدأ المصالح الاستغلالية، وخصخصة الموارد الطبيعية بحيث يستفيد الجميع من عائداتها. بل هو النظام الذي يكون التركيز فيه على رعاية احتياجات الإنسان بدلا من الحسابات المصرفية للأثرياء، وهو النظام الذي يكون الخليفة فيه مأموراً بأن يكون راعيا للرعية والحامي والمعيل للفقراء والضعفاء. إنها الدولة التي لديها تاريخ في القضاء على الفقر من البلدان. فقد روي أنه في زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وبعد عدة سنوات من الحكم الإسلامي، بعث معاذ بن جبل، الذي عين واليا على اليمن، للخليفة الزكاة التي تم جمعها من أهل اليمن وقال إنه لا يستطيع أن يجد فقيرا يحتاج إليها أو يقبل منه. وقد كان ذلك نتيجة لتنفيذ قوانين الإسلام فقط لا غير، وتطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي الشامل على المنطقة مما رفع الفقر عن الناس وخلق الازدهار الواسع النطاق. يجب علينا أن نتذكر أنه في هذا الشهر من رمضان، الذي أنزل الله سبحانه وتعالى فيه القرآن رحمة للبشرية، أن هذه الرحمة لا يمكن أن يتجسد عمليا لهذه الأمة وللإنسانية إلا على النحو الذي أمر به الخالق من خلال التنفيذ الكامل لأحكام هذا الكتاب العظيم في إطار نظام الخلافة. لذلك، فبالإضافة إلى اجتهادنا في العبادات في هذا الشهر المبارك، فإنه يجب علينا أيضا كمؤمنين التركيز وزيادة جهودنا في حمل الدعوة لإقامة هذه الدولة على أراضينا الإسلامية.
((وما أرسلنك إلا رحمة للعالمين)) [الأنبياء: 107]
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز / عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير