سئل القرطبي يوما
جاء في كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري أن القرطبي رحمه الله سئل يوما, فقيل له:
كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرا فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك؟
فقال رحمه الله: لا يلزم من تصفيد جميع الشياطين أن لا يقع شر ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية. وقال غيره: في تصفيد الشياطين في رمضان إشارة إلى رفع عذر المكلف كأنه يقال له:
قد كفت الشياطين عنك فلا تعتل بهم في ترك الطاعة ولا فعل المعصية. انتهى كلامه
إذا أيها الصائمون… إنها نفوسنا وعاداتنا وشياطين الإنس بيننا
1. أما النفس: فيكفينا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به”. حديث حسن صحيح. فلا يحب إلا ما حسنه الشرع ولا يكره إلا ما قبحه الشرع, فميول المسلم تكون مضبوطة وفق أوامر الله ونواهيه, مستذكرا أن الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي.
2. وأما عاداتنا: فالعادة هي الفعل الذي يكرره الإنسان ويرتاح له فإذا انتشرت هذه العادة بين الجماعة وفعلها معظم الأفراد أو كلهم صار عرفا, وبمعنى أعم هي الأعمال المعروفة والمألوفة والمستحسنة المكررة من أفراد جماعة معينة, وفي ذلك قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد”.
فالعرف إما أن يكون مخالفا للشرع أو غير مخالف, فإن كان مخالفا للشرع فالشرع جاء لينسخه ويغيره, لأن من عمل الشريعة تغيير الأعراف والعادات الفاسدة, لأنها هي التي تسبب فساد المجتمع, ولذلك لا تتخذ أصلا للحكم الشرعي ولا علة له, ولا يتغير الحكم من أجلها.
3. وأما شياطين الإنس: قال بعض أهل العلم: بأن الشيطان الإنسي أخطر من الشيطان الجني، وأكثر ضررا، وأشد فتكا.
قال تعالى:{ الذي يوسوس في صدور الناس* من الجنة والناس}الناس
وعن شياطين الإنس حدث ولا حرج, وأي شياطين أكبر من حكامنا وجلاوزتهم وإعلامهم المفسد في رمضان الذين حرفوا هذه العبادة عن معناها الصحيح, فما أن يهل هلال شهر رمضان الخير؛ حتى لا تنفك كثير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، بتقديم رصيدها الإعلامي الذي جمعته خلال عام كامل منذ أن انصرم شهر رمضان السابق، وهكذا في كل الأعوام، فحالة الإعداد والتجهيز والتحضير والتصوير والتقديم في عرض المسلسلات والأفلام والمهرجانات تجري على قدم وساق لكل شهر رمضان في بحر من الإفساد المنظم والمبرمج.
فمن سيحمينا منهم غير خليفة المسلمين لينظف مجتمعاتنا من فسادهم أيها الصائمون.
قال ابن تيمية رحمه الله في فتاواه: السلطان أقوى الأسباب التي بها يصلح أمور خلقه وعباده, ففيه من القدرة والسلطان والحفظ والنصرة وغير ذلك من معاني السؤدد التي بها قوام الخلق, ما يشبه أن يكون ظل الله في الأرض, فإذا صلح ذو السلطان صلحت أمور الناس, وإذا فسد فسدت بحسب فساده.
أيها الصائمون:
لن يعود رمضان على منهاج النبوة, إلا بعودة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة, والتي أدعوكم أيها المسلمون إلى العمل لها جنبا إلى جنب مع إخوانكم في حزب التحرير, لخلع حكامنا وإعلامهم من عروشهم, وتنصيب حاكم واحد يتقي الله فينا في رمضان وغير رمضان, يسوقنا إلى الجنة زمرا ويكون على رأس الركب … فلا يقعدنكم عن ذلك أيها الصائمون أي مقعد.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) الأنفال24
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبد الرحمن المقدسي